العملات على صفيح ساخن بقلم : فهد ابراهيم الشترى

الاقتصاد الآن

553 مشاهدات 0


مرة أخرى تبرز على السطح قضية حرب العملات بين الدول، حيث أدت السيولة الكبيرة التي تضخها البنوك المركزية الرئيسة في العالم -كالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الياباني– بهدف تحفيز اقتصاداتها ومواجهة المخاطر الاقتصادية المحدقة بها إلى تعميق الهوة بين أسعار صرف العملات الرئيسة وعملات دول الاقتصادات الصاعدة. النبرة الحادة للتذمر من هذه السياسات بدأت تظهر بشكل واضح في وضع مشابه لما حدث في عام 2010 عندما بدأ عدد من وزراء مالية هذه الدول، خصوصاً وزير المالية البرازيلي، الإعلان بشكل واضح بأن هناك حرب عملات تضر دول الاقتصادات الصاعدة بشكل كبير، حيث ارتفع سعر صرف عملة البرازيل في ذلك الوقت بما يتجاوز 30 في المائة.
وأخيراً، بدأ الحملة المستعرة ضد حرب العملات النائب الأول لرئيس البنك المركزي الروسي الذي أعلن في وقت سابق الأسبوع الماضي أن العالم على شفا حرب عملات، وذلك بسبب السيولة العالية التي ضختها البنوك المركزية الرئيسة، والتي أدت إلى ارتفاع سعر صرف عملات عدد من الدول من ضمنها روسيا، وكوريا، والفلبين، وتايلاند، ورومانيا، والتشيك، وكولومبيا، وتشيلي وغيرها من الدول الأخرى. على سبيل المثال، كان هناك ارتفاع كبير في سعر صرف عملات هذه الدول خلال عام 2012، حيث ارتفع سعر صرف العملة الكورية بما يتجاوز 8.3 في المائة، وعملة الفلبين بما نسبته 6.8 في المائة، ورومانيا ارتفعت عملتها بما نسبته 3.2 في المائة، والمكسيك بـ 3.1 في المائة، وتايلاند بـ 2.5 في المائة.

هذا الأمر أدى إلى تدخل كبير من قبل البنوك المركزية في أسواق أسعار الصرف لحماية أسعار الصرف لهذه الدول من الارتفاع بشكل كبير، وفي وسيلة للمحافظة على تنافسية اقتصاداتها. ومن المعروف أن ارتفاع أسعار الصرف يؤدي بالدرجة الأولى إلى التأثير على تنافسية صادرات الدول في الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى نتيجة سلبية على الحساب الجاري والأنشطة الاقتصادية لهذه الدول. جميع البنوك المركزية للدول التي أشرت إليها بدأت في التدخل في أسواق أسعار الصرف للحد من ارتفاع أسعار صرف عملاتها، مما يخلق جدلاً آخر حول المدى الذي يمكن من خلاله تبرير هذه التدخلات، في ظل تبني هذه الدول لأسعار صرف مرنة.

وما زاد من حدة هذا الأمر، وسعي البنوك المركزية إلى المحافظة على أسعار صرف عملاتها من خلال التدخل في أسواق أسعار الصرف، هو الموقف الذي اتخذه رئيس وزراء مالية الاتحاد الأوروبي أخيرا الذي أشار إلى أن سعر صرف اليورو مرتفع بشكل خطير، حيث ارتفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار بما نسبته 8 في المائة خلال ستة أشهر فقط، مما أثار نوعاً من الجدل حول ما يرمي إليه من هذا التصريح، والذي قد يمثل توجهاً لدول منطقة اليورو للحد من ارتفاع سعر صرف اليورو، الذي يفترض أن تحدده آليات العرض والطلب. بمعنى آخر، البعض يرى أن ارتفاع سعر صرف اليورو هو انعكاس لانخفاض المخاطر المتعلقة بمنطقة اليورو، ما يعني أنه مبرر إلى حد ما، لكن الارتفاع الكبير في أسعار صرف العملات الأخرى للاقتصادات الصاعدة هو انعكاس لعمليات التيسير الكمي التي تتبناها الدول الكبرى كالولايات المتحدة واليابان.

هذا الموضوع سيكون أحد المواضيع الرئيسة على أجندة العمل الاقتصادي الدولي خلال عام 2013، خصوصاً في ظل استمرار انخفاض أسعار فائدة العملات الرئيسة، واستمرار توجهها لتوفير المزيد من السيولة لتحفيز اقتصاداتها. وحيث إن هناك كما كبيراً من السيولة في الأسواق التي ستبحث عن مصدر عائد لها، وحين لا يكون هذا العائد موجوداً في أسواق السلع، فإن العملات لدول الاقتصادات الصاعدة هي وسيلة أخرى لتحقيق هذا العائد. كذلك فإن سعي الكثير من الدول المتقدمة التي تأثرت بالأزمة المالية للخروج من الأزمة من خلال تحسين تنافسية صادراتها، أو بمعنى آخر لإعادة التوازن لسوق التجارة الدولية، سيعني تصديراً لجزء من عبء التكيف مع الأزمة إلى دول الاقتصادات الصاعدة من خلال أسعار الصرف. لذلك، وكما يتوقع كبير الاقتصاديين في البنك الدولي أن هذه القضية ستكون محوراً رئيساً للمناقشات خلال هذا العام.

الان -ووكالات

تعليقات

اكتب تعليقك