الصين والهند في الخليج: تعاون أم صراع؟:بقلم :د ناصر التميمى

الاقتصاد الآن

1075 مشاهدات 0


العالم كما نعرفه يمكن أن يكون مكانا مختلفا في العقدين القادمين. لعل واحدة من أهم التغيرات التي قد تحدث هي صعود القوى الآسيوية. صحيح أن توقع المستقبل عملية ليست سهلة وآمنة أبدا. ومع ذلك، فان ظهور الصين والهند كقوى عالمية أصبحت مسألة لا مفر منها، وربما يكون لها انعكاسات مهمة على منطقة الخليج وخارجها.

في كتاب جديد منشور تحت عنوان 'جوهر آسيا: الصين والهند والنظام العالمي'، صادر عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يسلط الضوء على هذا التحول التاريخي في العقود المقبلة بالقول 'مع نمو القوتين [الصين والهند]، لا بد ان يتم تغيير النظام الدولي الراهن مع حدوث تبعات عميقة على الدولتين [الاسيويتين]، والولايات المتحدة، والعالم' وعلاوة على ذلك، مجلس الاستخبارات القومي الاميركي (NIC) في آخر تقرير له' الاتجاهات العالمية 2030: عوالم بديلة'، يصف لنا عالما من شأنه أن يشهد تحولا جذريا عما نعرفه اليوم. وبحلول عام 2030، كما يقول التقرير، 'سوف تكون آسيا قد قطعت شوطا كبيرا في طريقها إلى العودة إلى كونها قوة عالمية، تماما كما كانت عليه قبل العام 1500'. كما يتوقع التقرير توزيعا جديدا للقوة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، ومن المرجح ان تتراجع حصة الولايات المتحدة وأوروبا، واليابان في الناتج الاقتصادي العالمي من 56 في المائة حاليا إلى ما دون النصف بحلول عام 2030.

      

'التعطش' لنفط الخليج

 


الأرقام الاقتصادية المذهلة التي يسجلها العملاقين الاسيويين الصين والهند تتطلب أيضا توفر كميات هائلة من مصادر الطاقة لضمان استمرارها على مدى العقود المقبلة. لذلك من المتوقع أن تبقى الصين والهند التوأم المحرك لنمو الطلب العالمي على النفط خلال العقدين المقبلين على خلفية النمو الاقتصادي القوي في كلا البلدين. وعلى سبيل المثال، بلغ الطلب الصيني على النفط في العام الماضي بحدود 9.5 مليون برميل يوميا (ب/ي)، ومن المتوقع أن يقفز إلى نحو 16-17 في عام 2030. وعلى الرغم من زيادة الصين على نطاق واسع طاقتها التكريرية لتلبية معظم احتياجاتها الحالية والمتوقعة، الا ان تقديرات تقرير أوبك الاخير 'توقعات عالم النفط 2012' تشير إلى أن انتاج النفط في الصين سيبقى في حدود 4 ملايين برميل يوميا، لذا ستضطر بكين إلى إستيراد أكثر من 12 مليون برميل من النفط الخام يوميا في عام 2030، ارتفاعا من 5.5 مليون برميل يوميا (ب/ي) خلال عام 2012. وحتى لو نجحت الصين بترشيد معدلات إستهلاك الطاقة وزيادة أنتاج الغاز الطبيعي التقليدي والصخري، بالمحصلة 70 إلى 80 بالمائة من احتياجات الصين من النفط الخام سيتم تغطيتها من الواردات التي ستكون في معظمها قادمة من منطقة الشرق الأوسط.

الأرقام بالنسبة للهند هي أصغر، ولكنها لا تزال مذهلة. الهند تستهلك حاليا 3.6 مليون برميل من النفط يوميا، اكثر من الثلثين منها يتم استيرادها من منطقة الشرق الأوسط، طبقا لما ورد في احصائيات الحكومة الهندية. ووفقا لتوقعات وكالة الطاقة الاميركية  (EIA ) ، فان الهند في نهاية المطاف تحتاج إلى استيراد حوالي 5-6 مليون برميل يوميا، ما يقرب من 90 في المائة من احتياجاتها النفطية في المستقبل. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين البلدين في القضايا التنموية، الا ان بعض الخبراء يعتقدون أن الصين والهند ربما تدخلان في تنافس استراتيجي للحصول على مصادر الطاقة خصوصا من منطقة الشرق الاوسط. وهنا يمكننا طرح جملة من التساؤلات، ما هي الآثار المتوقعة على دول الخليج العربية؟ هل يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي التحالف مع طرف ضد الآخر؟ أو هل يمكن لاحد البلدين (الصين اوالهند) العمل على استبعاد الطرف الآخر في منطقة الخليج؟

      

تنامي الاعتماد المتبادل

 


في الحقيقة ، حاليا حوالي ثلثي صادرات الطاقة من منطقة الخليج تذهب إلى آسيا. وكالة الطاقة الدولية (IEA) تتوقع ان تنمو تجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا باضطراد خلال السنوات المقبلة، هذا في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة نحو الاكتفاء الذاتي او على الأقل الاستغناء عن معظم وارداتها النفطية من الشرق الأوسط. في هذا السياق، تتوقع الوكالة كذلك أن تستقطب آسيا ما يصل إلى 90 في المائة من صادرات النفط  القادمة من منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين القادمين. وعلاوة على ذلك، في ظل التطورات لـ 'الربيع العربي' والتي اجتاحت عددا من الدول العربية ولا تزال تفاعلاته الكبيرة تجري حتى الآن، يكتسب تسليط الضوء على العلاقات الخليجية الآسيوية أهمية كبيرة، خصوصا مع 'تآكل' الثقة في قوة الولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى أن حجم التجارة بين العملاقين الآسيويين، الهند والصين، ودول الخليج ينمو بسرعة. على سبيل المثال قفز حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 134 مليار دولار، ومع الهند حوالي 144 مليار دولار في عام 2011، (مع الولايات المتحدة اكثر من 101 مليار دولار)، وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي. ناهيك عن الملايين من العمال الهنود في المنطقة وتحويلاتهم المالية، ومصالح الشركات الهندية والصينية التي تشهد نموا قويا في الخليج.

بالفعل، لقد أصبحت الدولتين، الصين والهند، أكثر ترابطا مع إقتصادات دول الخليج، ولا يستطيع اي من البلدين استبعاد الآخر في المنطقة. كما أن العملاقين الآسيويين نتيجة اعتمادهما على استيراد كميات كبيرة من مصادر الطاقة، ربما يسعيان، ربما بالتعاون مع الدول الآسيوية المستهلكة للنفط مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إلى جانب الولايات المتحدة، بنشاط لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، الصين والهند (ومعظم دول اسيا) لديهما مستوى عال من الاعتماد على واردات النفط، ويتعرضان للمخاطر ذاتها الناتجة عن التقلبات في أسواق النفط الدولية. لذلك من مصلحة البلدين التعاون معا من أجل استقرار الأسعار والحفاظ على إمدادات النفط المتواصلة.

وفي الجهة المقابلة، فان منتجي النفط في الشرق الأوسط باتوا يصدرون لآسيا ضعف صادراتهم إلى قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية مجتمعتان. في الواقع، نحو ثلثي الصادرات النفطية الخليجية تتوجه في الوقت الراهن إلى آسيا. كما إن دول آسيا، فرديا وجماعيا، تعتمد حاليا بشكل كبير على النفط (والغاز من قطر) القادم من الخليج. وفقا لبيانات ادارة معلومات الطاقة الاميركية، (EIA) ، اليابان تستورد حوالي 80 في المائة من المنطقة، وكوريا الجنوبية 75 في المائة، في حين ان الهند تستورد نحو  45 في المائة من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، بينما تصل نسبة إعتماد الصين على واردات النفط القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 40 في المائة. 

ومن المتوقع ان تحل الهند محل اليابان وتصبح ثالث أكبر مستهلك للطاقة (بعد الولايات المتحدة والصين) خلال السنوات القليلة المقبلة. الجزء الأكبر من إمدادات الهند من المؤكد أنها ستأتي من منطقة الخليج وخاصة من المملكة العربية السعودية التي تعتبر المصدر الاول للهند، وتزود نيودلهي حاليا بنحو 20 في المائة من واردتها النفطية. وفي الوقت ذاته يتوقع التقرير السنوي الصادر عن وكالة الطاقة الدولة 'توقعات الطاقة العالمية 2012' ان ترتفع نسب اعتماد القوتين الآسيويتين على الواردات النفطية، حيث ستصل حوالي 90 في المائة في الهند، وأكثر من 80 في المائة في الصين بحلول 2035، ومن المرجح ان يكون معظمها من منطقة الخليج.

      

الصراع المٌستبعد

 


في هذه البيئة الجيوسياسية، فان الصين والهند تتفاعلان ضمن نموذج الاعتماد الإقتصادي المتبادل، وليس هناك أدلة تشير إلى خلاف ذلك. أولا، البلدان يعتمدان على استيراد كميات كبيرة من النفط من منطقة الشرق الأوسط، لذلك فإن استقرار المنطقة يصب في مصلحة الطرفين. ثانيا، دول مجلس التعاون الخليجي لا تسمح للإستثمارات الأجنبية في قطاع النفط (التنقيب والانتاج)، وبالتالي ليس هناك مجال للمنافسة بين الشركات الصينية والهندية. ثالثا، الصين والهند، كلاهما في الوقت الراهن (وربما لعقود قادمة) لا يملكان قدرات عسكرية (او حتى قواعد) لنشر قوات بحرية كبيرة في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، وسوف يعتمدان في الوقت الراهن وربما في العقد القادم على الاقل على وجود الولايات المتحدة. رابعا، دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكل مصيري على صادرات النفط لدعم اقتصاداتها، وبالتالي فإنها لن تخاطر بالتحيز لطرف على حساب الآخر وذلك من أجل ضمان أسواق مستقرة لصادرات الطاقة وعلاقات اقتصادية جيدة مع عملاقي آسيا. خامسا، مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية هي أيضا مصلحة مشتركة لجميع الدول الآسيوية والخليجية. وأخيرا وليس آخرا، يمكننا القول هنا أنه في مصلحة البلدين (الصين والهند) تعزيز نفوذيهما أكثر تجاه مصدري الطاقة لضمان أسعار مقبولة وإمدادات دائمة.

هذا وقبل كل شيء، فإن موقف البلدين بشأن القضايا العربية هي أقرب إلى بعضهما البعض وإلى الدول الخليجية أكثر منها لواشنطن. وينعكس هذا جليا في موقفهما السياسي تجاه قضايا مثل فلسطين، البحرين، سوريا، ليبيا، برنامج ايران النووي، التغيرات المناخية والعديد من قضايا الأخرى. وبالمحصلة، فإن تلك المصالح المشتركة والكبيرة بين البلدين ودول الخليج قد تضمن الى حد بعيد منع قيام منافسة شديدة بين البلدين على نفط الشرق الأوسط. وفي هذا الاطار فقد لخصت إندراني باغتشي ، إحدى الصحفيات الرائدات في مجال السياسة الخارجية ومحررة الشؤون الدبلوماسية في صحيفة 'ذي تايمز' الهندية، لخصت ذات مرة وببلاغة مختصرة العلاقات بين الهند والصين واصفة اياها بانها 'علاقة مبنية على المنافسة في بعض المستويات والتعاون في مجالات أخرى (...) ولكن من غير المرجح ان تقود إلى الصراع.'

الان -ووكالات

تعليقات

اكتب تعليقك