المسؤولية البيئية لقطاع النفط بقلم د.سامي بن عبدالعزيز النعيم
الاقتصاد الآنيناير 17, 2013, 3:25 م 906 مشاهدات 0
يتساءل علماءُ البيئة عن المسؤولية البيئية لقطاع النفط، ومدى مخاطر التسربات النفطية في البحاروالمحيطات خصوصاً في المياه الدولية, ويُطالبون بمراجعة القوانين الدولية التي وُضِعت من قِبل الهيئات الدولية لضمان حماية البيئة البحرية من هذه المخاطر.
كما هو معروف, أن نسبة كبيرة من البترول المستهلك يومياً والذي يُقدر بأكثر من 88 مليون برميل يُشحن عن طريق ناقلات النفط التي تجوب بحار العالم لإيصال هذه الكمية من النفط إلى معامل تكرير البترول المنتشرة على سواحل العالم.
عندما نبحث في إستراتيجيات شركات البترول العالمية بلا اسستثناء, نجد أن الحفاظ على البيئة من أهم أولويات هذه الشركات، حيث تصرف الأموال الطائلة لدعم برامج بيئية هدفها الحفاظ على البيئة ومنع هذه التسربات النفطية في مناطق أعمالها.. كما أن القانون الدولي يُحتم على شركات البترول دفع جميع تكاليف إزالة البقع النفطية وآثارها الناتجة عن تسربات النفط من منشآتها وناقلاتها التي تجوب بحار العالم مهما كانت باهظة، بل وحتى دفع تكاليف الأضرار المدنية إن وجدت.
بالرغم من وجود الكثير من هذه القوانين الدولية ووجود هذه التدابير والبرامج المُكلفة التي تقوم بها شركات البترول العالمية للحفاظ على البيئة, فإن إمكانية حدوث تسربات بترولية ما زالت قائمة، وذلك لطبيعة هذه الصناعة والمخاطر التي تحيط بها, وهذا ما يثبته التاريخ الحديث الذي يُسجل هذه الحوادث البيئية التي حدثت بالرغم من هذه التدابير.
غير المعروف لدى الكثير أن أكبر تلوث بترولي شهده العالم على مدى تاريخ صناعة النفط، كان في منطقة الخليج العربي عام 1991م بعد حرب الخليج، حيث تسرب أكثر من 10 ملايين برميل بترول من حقول الكويت.. كما شهد الخليج العربي قبل ذلك تسرباً آخر عام 1983م خلال حرب العراقية الإيرانية عندما اصطدمت ناقلة بترول إيرانية بمنصة إنتاج بحرية إيرانية تسببت في تسرب أكثر من مليوني برميل إلى مياه الخليج.
هذه الحوادث البيئية حدثت أيضاً في أوروبا قبالة سواحل إيطاليا وفرنسا, وحدثت أيضاً في أمريكا قبالة سواحل كندا والولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وأمريكا الجنوبية.
والأسوأ من ذلك معرفة أن تلوث مياه البحار والمحيطات الناتج عن التسربات البترولية بسبب حوادث ناقلات النفط أو أنابيب البترول يُمثِّل أقل من 5% من أسباب تلوث مياه البحار، وذلك كما ذُكر في أحد الأبحاث التي قامت بها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، حيث يُشير إلى أن تلوث البحار والمحيطات الذي تسببه عملية صيانة السفن يُعادل 4 أضعاف معدل التلوث النفطي, وأن ما يتم إلقاؤه في البحار من زيوت المحركات والزيوت المستخدمة قد يصل إلى أكثر من 10 أضعاف ما يسببه تسرب النفط.. بمعنى آخر, ما يُسببهُ الإنسان بشكل مُتعمد من تلوث زيتي لمياه البحار والمحيطات يفوق بكثير التلوث الذي يُسببهُ تسرب النفط غير المُتعمد.. كما أن عملية التخلص من التسربات النفطية الناتجة عن حوادث ناقلات
وأنابيب النفط تلقى اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام، عكس التلوث الزيتي الذي تسببه المصادر الأخرى
والذي لا يُذكر من قبل وسائل الإعلام.
من المهم ذكره هنا أن التقنيات المستخدمة لإزالة آثار هذه التلوثات شهدت تطورت كبيرة في السنين الماضية لتصبح ذات كفاءة عالية حيث يتم استخلاص نسبة كبيرة من البترول المتسرب وإزالة النسبة المتبقية من خلال عمليات الحرق أو عن طريق نوعية خاصة من البكتيريا.. كذلك يتم اكتشاف وتحديد أماكن هذه التسربات خصوصاً في المحيطات عن طريق الأقمار الصناعية ومعرفة مصدرها مما يُعَجِّل من عملية إيقاف هذه التسربات وسُرعة معالجتها وإزالة آثارها.
بالرغم من هذه الجهود الجبارة المبذولة من قِبل شركات البترول العالمية, فإن آثار هذه التلوثات على الحياة الفطرية البحرية والبرية - بل وحتى البشرية - غير معروفة بدقة علمية وذلك لعدم وجود أبحاث متخصصة بالبيئة والتلوث البيئي في هذه المنطقة المتخمة بحقول البترول واحتوائها على أكثر من نصف احتياطي البترول العالمي.
إن أهمية هذه الأبحاث في هذه المنطقة تزيد كثيراً عندما نضع في عين الاعتبار طبيعة الخليج العربي شبه المغلقة ذات المياه الضحلة جداً بالمقارنة مع البحار المفتوحة والمحيطات العميقة، مما يزيد تأثير أي تلوث (نفطي أو غير نفطي) ولو كان بسيطاً.
أُنادي من خلال هذا المنبر بإنشاء مراكز أبحاث بيئية للقيام بأبحاث علمية لمعرفة مدى تأثير هذه الظاهرة على البيئة البحرية والإنسان، ولعل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تكون المكان الأنسب للقيام بهذه الأبحاث.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا، ويحفظ لنا بيئتنا البحرية والبرية.
تعليقات