الذكرى السابعة لرحيل 'أمير القلوب'

محليات وبرلمان

7174 مشاهدات 0


تمر على الكويت اليوم الخامس عشر من يناير الذكرى السابعة لوفاة سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل بعد اكثر من 28 عاما قضاها في سدة الحكم أحب الكويت وأهلها حبا خالصا فبادلته الحب والاخلاص وكان وفيا لاماني الكويت وتطلعات شعبها فبادلته الوفاء والولاء. وحمل الأمير الراحل على عاتقه طوال فترة حكمه التي امتدت منذ آخر يوم في عام 1977 وحتى الـ 15 من يناير 2006 مسؤولية النهوض بالكويت والارتقاء بمستواها في شتى المجالات.


وأدى واجبه كاملا حتى آخر لحظات حياته. وبذل الأمير الراحل كل جهده من اجل تقدم وازدهار ورفعة الوطن رغم الظروف العصيبة التي مرت على البلاد حتى وصلت الكويت في عهده الميمون الى ما وصلت اليه من مكانة محمودة لدى كل دول العالم واحتلت مكانها اللائق في المجال الدولي.

والشيخ جابر الأحمد هو الحاكم الـ 13 من سلسلة حكام آل الصباح التي اولاها الكويتيون بمحض ارادتهم امانة الحكم عندما اختاروا صباح بن جابر الاول لهذه المهمة قبل اكثر من قرنين ونصف القرن. وسموه - رحمه الله - هو الأمير الثالث في عمر الدولة الدستورية التي بدأت بتوقيع المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح على وثيقة الدستور يوم 11 نوفمبر 1962 معلنا بذلك دخول الكويت عهدا جديدا ومرحلة جديدة. وكان -رحمه الله - تقلد مهام منصبه أميرا للبلاد في اعقاب وفاة سلفه المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح الذي انتقل الى جوار ربه مع الساعات الاولى لليوم الاخير من العام 1977. واستطاع الشيخ جابر خلال الاعوام الـ 28 التي قضاها في سدة الحكم ان يوثق ويزيد من العلاقة العفوية الوثيقة بين الحاكم وشعبه وذلك من خلال الرعاية الابوية التي خص بها سموه ابناءه المواطنين بمختلف فئاتهم على اساس المساواة الكاملة بين الجميع شبابا وشيبا رجالا ونساء واطفالا.

وشهدت سنوات حكم الشيخ جابر الأحمد كثيرا من الصراعات والاحداث في المنطقة وكان الشغل الشاغل لسموه اهل الكويت حتى اثناء المحاولة الدنيئة لاغتياله التي جرت في 25 مايو 1985 على يد عصابة من الارهابيين فقد وجه بعدها كلمة لشعبه قال فيها «ان عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر انسان يطول او يقصر ولكن الابقى هو عمر الكويت والاهم هو بقاء الكويت والاعظم هو سلامة الكويت». وفي عهد سمو الشيخ جابر الأحمد تطورت الكويت في مختلف المجالات وفي جميع مناحي الحياة واصبح لها وزنها وثقلها الدولي سياسيا واقتصاديا رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها حيث وصلت مشروعاتها التنموية ومساعداتها الانسانية لمختلف قارات العالم. وجاء الاحتلال العراقي الغاشم في الثاني من اغسطس 1990 ليهدم كل ما بني في الكويت عبر السنين. وكما قاد الشيخ جابر الأحمد الكويت في السلم دافع عنها في الحرب متسلحا بايمان كبير بأن الكويت سترجع الى اهلها واستطاع سموه بفضل من الله ثم بحنكته وتعاون ومساعدة الاشقاء والاصدقاء تحرير الكويت من دنس الاحتلال. وبفضل سياسة سموه الحكيمة عادت الكويت الى اهلها لتنهض وتواصل مسيرة الخير والعطاء من جديد وتبني وتعمر ما دمره العدوان. وأدى سموه دورا بارزا على الصعد الخارجية اقليميا وعربيا واسلاميا ودوليا وهو دور مشهود لمسته الشعوب قبل القيادات في صورة انجازات لا تنكر.

جاءت فكرة انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتضم دول الخليج الست وهي احدى علامات وسمات اهتمامات سموه -رحمه الله - بالجانب الاقليمي المحيط بالكويت بصورة خاصة وبدول الخليج العربي بصورة عامة.

وهكذا ولد مجلس التعاون الخليجي بفكرة كويتية خالصة نابعة من قناعة سموه بأن العصر القادم هو عصر التكتلات التي تعد ركيزة اساسية من ركائز المجتمع الدولي.

واكد الشيخ جابر الأحمد - رحمه الله - في مناسبات مختلفة على ان مجلس التعاون اصبح رمزا للترابط والتماسك والمصير الواحد المشترك.

ورغبة من سموه في ان تكون قرارات مجلس التعاون منسجمة مع تطلعات المواطنين اقترح سموه فكرة انشاء مجلس استشاري من 30 عضوا من مواطني الدول الست الاعضاء في المجلس وذلك في قمة الدوحة عام 1996 تكون مهمته تقديم النصح والمشورة والرأي للمجلس الاعلى لمجلس التعاون الذي يعد السلطة العليا حيث يحيل ما يراه من القضايا الى هذا المجلس الاستشاري.

وحرص سمو الشيخ جابر على المشاركة الايجابية في مؤتمرات القمة العربية مساهما بما تجود به الكويت من دعم لقضايا الامة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين والسلام في الشرق الاوسط، واهتم الشيخ جابر الأحمد اهتماما بالغا بقضايا الامة الاسلامية على اختلافها وتباينها فاستضاف سموه قادة دول العالم الاسلامي في الكويت في يناير عام 1987 حيث عقد مؤتمر القمة الاسلامي الخامس .

وانطلاقا من رئاسة الكويت لمنظمة المؤتمر الاسلامي القى سمو الأمير الراحل خطابا تاريخيا امام الدورة الـ 43 للجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر 1988 باسم بليون مسلم في العالم بصفته رئيسا للمنظمة واقترح سموه فيه مشروعا من ثلاثة بنود لتخفيف معاناة الدول النامية المثقلة بالديون الخارجية التي تستغلها دول الشمال المتقدمة كوسيلة ضغط على دول الجنوب الفقيرة.

ودعا سموه الى قيام نظام اقتصادي وانساني جديد والى مقاومة الارهاب مع ضرورة التفريق بين الارهاب الظالم فرديا كان او جماعيا وحكوميا وبين الحق المشروع في الدفاع عن النفس والوطن باعتباره حقا شرعته القوانين الدولية.

وهكذا كان سموه مثالا للمسلم الذي يهتم بأمور المسلمين ويسعى بكل الجهود لنصرتهم ورفع الضرر عنهم.

اما على الصعيد الدولي فلم يكن سمو الشيخ جابر الأحمد اقل نشاطا واهتماما بهذا الجانب الذي يشمل التعاون مع دول العالم من خلال الجمعية العامة للامم المتحدة التي حرص سموه على حضور اجتماعاتها من منطلق انه مكان تجتمع فيه الدول على قدم المساواة وتسعى متآزرة الى اقامة الحق والعدل ونصرة النظام والامن وتحقيق الخير والسلام، واظهرت محنة الاحتلال مدى التصاق الشعب الكويتي برمز الكويت سمو الأمير الشيخ جابر فبعد احتلال دام سبعة اشهر شهد خلالها الشعب الكويتي افظع انواع التعذيب والقهر تحقق النصر والتحرير بفضل الله ثم بالدور البارز لسموه في حشد الرأي العربي والدولي لمصلحة قضية الكويت.

وكان لسمو الأمير الشيخ جابر الراحل دور بالغ الاهمية في التفاف الشعب الكويتي حول قيادته الشرعية ومقاومته الاحتلال في الداخل.

وتمكن سموه من تغطية نفقات التحرير التي قدرت بعشرات البلايين من الدولارات بفضل تخطيطه السليم وسياسة الاستثمارات الدولية التي انتهجها منذ كان وزيرا للمالية ثم وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء ثم أميرا.

ونتيجة لتوجيهات سموه وسياسته فقد تسارعت عملية اعادة الاعمار وازالة آثار العدوان خصوصا اطفاء آبار النفط التي تمت بسرعة قياسية اثارت اعجاب العالم اجمع.

أمير القلوب

وكان سمو الشيخ جابر مع شعبه في تواصل دائم وتراحم مستمر يزورهم ويزورنه ويسعى اليهم في نواديهم واماكن اعمالهم حيث اعتاد سموه زيارة دواوين الرعيل الاول وكبار السن في شهر رمضان من كل عام يتبادل معهم الاحاديث الودية التي تربط الراعي برعيته وتعضد الروابط الوشيجة بينهم.

وكذلك الحال في زياراته المستمرة للمقاهي الشعبية واتحاد الصيادين وديوانية القلاليف وديوانية شعراء النبط للاطلاع عن قرب على احوالهم.

وحرص الشيخ جابر الأحمد على رعاية المؤسسات العلمية في الكويت فهو كان يرأس مجلس ادارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي كما انه كان يستقبل وفود المتفوقين من ابناء الشهداء والاسرى ومنتسبي الاندية الصيفية حرصا منه على دعم العلم وصون المنابر العلمية.

كما ان سموه كان يرعى مؤسسات العمل الاجتماعي كجمعية المكفوفين ونادي المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة ليبرز الوجه الحضاري للكويت.

ومنذ تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي الغاشم كانت قضية الاسرى هاجس الراحل الكبير حيث حرص على اصطحاب بعض ابناء الاسرى خلال زيارات رسمية قام بها الى دول عديدة ليطرح امام العالم قضية الاسرى كقضية انسانية بالدرجة الاولى.

وكان سموه يولي ابناء الشهداء اهمية كبرى حيث حرص سموه على توفير الحياة الكريمة لهم ولذويهم من خلال تقديم كل مساعدة مادية لهم وضمان مستقبلهم وذلك من خلال انشائه مكتب الشهيد.

كما كان يؤكد في الكثير من المناسبات ان قضية الاسرى تعد قضية الكويت الاولى وانه لن يهدأ له ولاهل الكويت بال حتى يتبينوا مصيرهم.

ومن عادة سموه كما هو شأن الكويت حكومة وشعبا ألا تنسى من يقف الى جانبها وقت الشدائد والمحن وسمو الشيخ جابر لم تمر مناسبة الا واشار فيها الى الوقفة المشرفة لدول التحالف اثناء الاحتلال العراقي الغاشم للكويت التي كشفت معدنهم الاصيل فوقفوا الى جانب الكويت وقيادتها الشرعية مؤيدين لتحرير ارضها وعودة أميرها وحكومتها واهلها.

وخلال عام 1995 اختير سمو الشيخ جابر شخصية العام الخيرية العالمية بالاجماع ومن دون منافس وذلك في اضخم استطلاع للرأي في المنطقة بمشاركة خمسة ملايين مواطن عربي اجرته مؤسسة اعلامية دولية مسجلة في لندن ومقرها القاهرة وهي مؤسسة «المتحدون للاعلام والتسويق البريطانية».

وذكر الاستطلاع ان قرار اختيار سموه لشخصية العام 1995 الخيرية جاء نتيجة لما قدمه من دعم مالي للكثير من المنظمات العالمية التي ترعى الفقراء حيث ساهم سموه بأمواله الخاصة في الانفاق على مشروعات خيرية ورعاية المحتاجين كما قام بدعم دور الايتام في الكويت وتقديم كل ما تحتاج اليه من عون ورعاية.

وجاء اختياره ايضا لما عرف عنه من كرم وبذل وعطاء على مستوى الامتين العربية والاسلامية فقد كان سمو الشيخ جابر داعما للاعمال الخيرية والانسانية ماديا ومعنويا فهو الذي رعى مسيرة احياء سنة الوقف بعد ان تناساها الناس وذلك بانشاء الامانة العامة للاوقاف لتتولى الوقف في الكويت وتدعو له وتربطه بحاجات الانسان والمجتمع وفق الشريعة الاسلامية.

والمعروف عن سموه انه كان سباقا لعمل الخير ومؤمنا بجدواه من دون مباهاة ولا ابتغاء ثناء الناس لانه كان يعطي ويحب الاحسان والمحسنين.

وحرص سمو الشيخ جابر - رحمه الله- على المحافظة على التاريخ والتراث الكويتي فالتراث كما يراه سموه هوية هذه الارض وتاريخ الاباء والاجداد وتفاعلات الزمن فوق تراب الوطن منذ نشأته.

لهذا كان سموه يؤكد على ضرورة الحفاظ على معالم هذا التراث وملامح هذا التاريخ ومن بين تلك المعالم البارزة التي اهتم بها سموه واراد ان تكون رمزا باقيا لاجيال المستقبل كي يتعرفوا على ماضي وطنهم العريق هو «بوم المهلب» الذي حاول النظام العراقي البائد بعدوانه على الكويت ان يمحو معالم تاريخ الكويت وهويتها وملامحها فقام باحراق المهلب الذي اعاد بناءه الكويتيون مرة اخرى ليكون شاهدا حيا على قوة ارادتهم.

واولى الشيخ جابر اهتماما خاصا بالنقد الكويتي اثر توليه مقاليد الحكم حيث طرح بنك الكويت المركزي في 20 فبراير 1980 اوراق نقد جديدة للتداول بعد ان امر سموه بالغاء الصور الشخصية منها واصبحت تحمل معالم بارزة من تاريخ الكويت كما اصدر البنك في مطلع فبراير 1982 قرارا بشأن سحب اوراق النقد المتداولة التي تحمل صورتي المغفور لهما باذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح والشيخ صباح السالم الصباح.

ومرت مصداقية السياسة الكويتية في رفض الارهاب والاصرار على عدم الرضوخ للابتزاز في عهد سمو الشيخ جابر باختبارات عدة منها الانفجارات في المنشآت الوطنية واختطاف الطائرات الكويتية والاعتداء على موكب سموه الا ان القيادة الكويتية نجحت في اثبات مصداقيتها كجبهة صمود في وجه الارهاب مما اثار اعجاب وتقدير واحترام العالم كله وصار موقف سموه والحكومة الكويتية والشعب مثار احاديث وتعليقات وسائل الاعلام العالمية قاطبة.

وحرص سمو الشيخ جابر منذ تسلمه سدة الحكم في البلاد على دعم علاقات الكويت مع مختلف دول العالم فقام سموه بجولات عديدة في كثير من اقطار العالم عزز خلالها العلاقات الثنائية بين الكويت وهذه الدول كما شارك سموه -رحمه الله - في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية.

وكانت الجولة الاولى من هذه الزيارات بدأت في سبتمبر 1980 حيث زار سموه كلا من باكستان والهند وبنغلاديش واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وفي الجولة الثانية التي كانت في سبتمبر 1981 زار سموه كلا من تركيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا ويوغسلافيا.

وفي عام 1988 قام سموه برحلة الخير والسلام حيث القى خطابا في اجتماع الدورة الثالثة والاربعين للجمعية العامة للامم المتحدة بنيويورك بصفته رئيسا لمنظمة المؤتمر الاسلامي كما زار سموه فرنسا.

وقام سموه في عام 1989 بسلسلة زيارات لمجموعة من الاقطار الآسيوية والاوروبية والافريقية وفي اكتوبر 1990 قام سموه بجولة الى عدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بحث خلالها تطورات ازمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت.

وبعد تحرير الكويت في 26 فبراير 1991 من براثن الاحتلال وعودة سموه الى ارض الوطن في 14 مارس 1991 قام الشيخ جابر بالعديد من الزيارات الرسمية والودية شارك خلالها في العديد من المؤتمرات الاقليمية والدولية وكانت اهداف الزيارات الرسمية التي قام بها سموه شكر هيئة الامم المتحدة والدول الاعضاء فيها على موقفها المؤيد لقضية الكويت والتعاطف معها سواء اثناء الاحتلال الغاشم او بعد ان منّ الله على الكويت بالتحرير. وزار سموه اغلب الدول التي اسهمت بقواتها المسلحة في عملية تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي الذي قهر العدوان ورفع راية الحق. وكانت سنوات سمو الشيخ جابر الأحمد -رحمه الله - في قيادة دولة الكويت صنوا لنهضة هذا البلد ورديفا لتعزيز سيادته واستقلاله ولاجل ذلك كله يستقبل الكويتيون ذكرى رحيله بكل الحب والفخر والتقدير وعزاء الكويت واهلها بفقد الأمير الراحل وأن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هو خير خلف لخير سلف.

الآن: محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك