السعودة وأزمة وزارة العمل بقلم ميثم الجشي
الاقتصاد الآنيناير 10, 2013, 5:38 م 464 مشاهدات 0
لا توجد سياسة اقتصادية في علم الاقتصاد الحديث إلا ولها من يؤيدها ولها من يعارضها، ولها إيجابيات ولها سلبيات، ولكن اختيار السياسات الاقتصادية يعتمد على شكل وتفاصيل الهيكل الاقتصادي لأي دولة، ولا نبالغ إن قلنا إن للنظام السياسي في أي بلد التأثير المباشر في تكوين الصورة الاقتصادية العامة للدولة.
الهيكل الاقتصادي لأي دولة يتكون من عدة زوايا ترسم ملامح الاقتصاد الداخلي، وتوجه المؤشرات الاقتصادية للبلد في المستقبل، مثل التضخم والبطالة ومتوسط الدخل وما شابه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال النظر لمشكلة اقتصادية واحدة وحلها بمعزل عن ارتباطات هذه المشكلة التي قد تكون سياسية أو اجتماعية. بمعنى آخر، الهيكل الاقتصادي لأي دولة كجسم الإنسان، لا تستطيع علاج عضو منه بمصل أو دواء ينعكس بالضرر على أحد الأعضاء الأخرى، ولو فعلنا هذا، فإننا نبني ونهدم في الوقت نفسه.
بررت وزارة العمل قرارها الأخير برفع رسوم رخصة العمل للعامل الأجنبي في المنشآت التي توظف أقل من 50 في المائة من السعوديين من 100 ريال سنويا إلى 2400 ريال، أن هذا القرار سيساهم في زيادة السعودة وزيادة مخصصات صندوق الموارد البشرية. وقد علق الكثير من الكتاب بين مؤيد ومعارض لهذا التشريع الجديد، إلا أن الجديد في الأمر خروج بعض المقاولين واحتجاجهم الشديد على هذا القرار وتلويحهم بالامتناع عن الدفع، وصاحب هذا الاحتجاج إصرار من وزارة العمل على عدم التراجع عن القرار تحت أي ظرف.
إذا كان تبرير وزارة العمل بقرارها أنه سيرفع معدلات السعودة، فهذا غير صحيح، وقد تمت زيادة رسوم الإقامات للأجانب قبل عدة سنوات بنسبة 100 في المائة، وقد قيل إن الزيادة ستنصب في صندوق الموارد البشرية، ولكننا لم نر إلا زيادة معدلات البطالة والفقر في البلد، ولم نر أي تحسن لا في الأجور ولا في مستوى المعيشة، إذاً لن يكون لزيادة هذه الرسوم أي أثر في حل مشكلة البطالة، كسابقتها بالضبط.
أما إذا كانت الوزارة تظن أنها بهذا القرار ستحد من الاستقدام، فلعمري أنها قد جانبت الصواب كثيرا. فإذا كان متوسط كلفة العامل الأجنبي في المملكة 900 كراتب، إضافة إلى سكنه وعلاجه وسفره، فكل هذا لا يصل بكلفة العامل إلى 1500 ريال، وبزيادة الرسوم الأخيرة، ستصل إلى 1700 ريال، فهل تظن وزارة العمل أن صاحب العمل سيلجأ لتوظيف السعوديين لأنه يدفع 1700 ريال للأجنبي؟ بينما يكلف توظيف السعودي بأقل مؤهل علمي 2500 ريال على أقل تقدير، التي لا تكفيه لسد جوعه. إضافة إلى كل ذلك، من سيتضرر فعلا من هذه الرسوم الجديدة هي المنشآت الصغيرة، التي لا تستطيع توظيف السعوديين؛ لأنها في الأساس تعتبر الدخل الرئيس لأصحابها، وسيستحيل عليها البقاء والمنافسة.
إذا كانت وزارة العمل تستهدف حل مشكلة البطالة حقاً، فلتحدد حدا أدنى للأجور للجميع، سعوديين وغير سعوديين، عندها فقط، ستستطيع الوزارة تخفيض معدلات البطالة بين السعوديين، وستكون التكلفة موحدة على جميع المنتجين في أي صناعة. عدا ذلك، لن تساهم الوزارة في حل المشكلة، بل ستساهم في استفحالها.
تعليقات