الشفافية وتعزيز العدالة الاجتماعية.. بقلم د. عبد العزيز الغدير

الاقتصاد الآن

1080 مشاهدات 0



العدالة الاجتماعية هي ما تستهدفه جميع الأديان والنظريات الاقتصادية كالرأسمالية والاشتراكية ولكنها الغائب الأكبر في كثير من الشعوب والمجتمعات، حيث عجز المؤمنون بالأديان والنظريات في أغلب الأوقات من تحقيقها ما أدى بالمحصلة لقيام الثورات في كل أنحاء المعمورة، وها نحن شهدنا وما زلنا نشهد ما يسمى بثورات الربيع العربي التي ما زالت تداعياتها ووقائعها تهز المنطقة وتفتك بالكثير من أبنائها قتلاً وتعذيباً وسجناً وتشريداً والوضع القائم في سورية أشد الأمثلة إيلاماً.

الليبيون قالوا إن معمر القذافي يرى أن ليبيا مزرعة له ولأبنائه وحاشيته وزمرته، وكذلك قال السوريون كما اشتكى المصريون من فقر مدقع فاقت نسبته الـ40 في المائة، فيما تنهب قيادات الحزب الوطني المليارات وتحولها للخارج وتستولي على الأراضي والمباني بدعاوى وأنظمة مطوعة لصالحهم واليوم العراقيون يقولون إن المالكي يظلم الطائفة السنية ويغدق على الطائفة الشيعية بالأموال والمناصب والوظائف والبنى التحتية فيما ينال الطائفة السنية السجون والتعذيب والإقصاء، ولذلك خرجوا في احتجاجات سلمية على ذلك وما نعلم إلى أين ستؤول الأمور. 

لو تركنا الأديان التي لا يوجد تطبيق مؤسسي فعلي لنظرياتها الاقتصادية والاجتماعية تتبناه دول كبرى أو حتى متوسطة وذهبنا للنظريتين الاشتراكية والرأسمالية اللتين تم تبنيهما من دول كبرى ومتوسطة وصغرى لتوصلنا بكل سهولة إلى فشل النظرية الاشتراكية في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تدعيها فشلاً ذريعاً، بل أن الأمر أسوأ من ذلك، حيث أمعنت الدول التي تبنت هذه النظرية المخالفة للفطرة الإنسانية في إذلال الإنسان واحتقاره وتنكيد عيشه، حيث خلطت هذه النظرية التي استخدمت المداخل الجماهيرية للوصول إلى أشد أنواع الطغيان والاستبداد ضد هذه الجماهير التي ثار معظمها بالمحصلة، حيث تساوى أمام هذه الجماهير الحياة والموت بعد تطبيق هذه النظرية القاسية التي دهورت الاقتصاديات وأذلت البشر ونكدت معيشتهم لأكثر من 50 سنة بالمتوسط.

بقيت إذاً النظرية الرأسمالية التي حققت نجاحات باهرة في الدول التي طبقتها حتى باتت تسمى بالدول المتقدمة أو دول العالم الأول ورغدت شعوبها بشيء كبير من العدالة الاجتماعية وأصبح الوصول لها والعيش فيها حلما لكثير من شعوب العالم، ذلك أن الرأسمالية لا تنجح إلا في نظام ديمقراطي يقوم على التعددية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والمسؤولية والمساءلة واحترام حقوق الشعوب وحرياتها، وبالتالي فإن الرأسمالية بما فيها من عيوب نجحت في تحقيق شيء كبير من العدالة الاجتماعية كما نجحت في حفظ الحقوق وتنمية الاقتصاد وتحقيق مستويات عالية من العيش الكريم، بل والرغيد أيضاً.

ما هو معروف عن الرأسمالية كنظام أنها كالبحر القادر على تنظيف نفسه مما يعتريه من مخلفات وملوثات، فالرأسمالية ومن خلال هياكلها وآلياتها وفي إطار صنوها الديمقراطية قادرة على تنظيف نفسها بشكل مستدام من المشاكل والعقبات التي تواجهها والتطور المستمر، خصوصا تلك المشاكل الناشئة عن فطرة الإنسان الذي يرغب في السلطة المطلقة والكسب غير المشروع على حساب مصالح وصحة الناس والبيئة وعدم المساءلة والاستحواذ على الثروة بما يفوق حاجته أضعافاً مضاعفة أو ما يسمى اختصاراً الرغبة في الفساد الذي عرفته منظمة الشفافية الدولية إساءة استغلال السلطة المؤتمنه من أجل المصلحة الشخصية وتتضح هذه القدرة في التطورات بالقوانين والأنظمة والآليات والمفاهيم والقيم والتطبيقات.

ومن المفاهيم التي طورتها الرأسمالية ومؤسساتها محليا ودوليا ووضعت لها الأنظمة والآليات وطبقتها للحد من الفساد والإفساد مفهوم ''الشفافية'' كمبدأ تنموي استثماري واقتصادي مهم يعني ضرورة الإعلان والإعلام عن الأنشطة والبرامج التي تنفذها المنظمة، وكمبدأ تنموي حكومي يعني أن مصادر الدخل والإنفاق واضحة ومتاحة من جهة الميزانية وأوجه الصرف ومبرراتها وتكاليف المشاريع ووقت الإنجاز لتتمكن جهات الرقابة والمتابعة، إضافة إلى الإعلام وعموم المواطنين من خلال الآليات المتاحة من محاسبة المسؤولين عن أي خسائر أو هدر وتبديد للمال أو تغيير في الخطط وأوجه الإنفاق بشكل غامض، ولذلك نجد أن هذه الدول تحتل المراكز الأولى في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية، ولهذا فلا عجب أن نجد في الدول الرأسمالية المتقدمة التهم توجه لرئيس أو وزير بالرشوة أو الفساد، وذلك على مرأى ومسمع من الناس.

ضعف الشفافية وقوة الغموض في الدول النامية ومنها بلادنا عززا بيئة الفساد في القطاعين الحكومي والخاص، بل حتى في مؤسسات المجتمع المدني الخيرية والمهنية وغيرها، الأمر الذي أضعف فاعلية وكفاءة كل هذه المؤسسات، حيث الشكوى من تأخر المشاريع الحكومية الحيوية، وحيث يخسر المواطنون الكثير من مدخراتهم في الشركات المساهمة المدرجة وغير المدرجة لفساد الإدارات التي تنعم في أجواء الغموض وعدم المساءلة، وحيث معاناة الشركات من ضعف التمويل المعيق للتوسع في مشاريعها وتوليد الوظائف، وحيث معاناة مؤسسات المجتمع المدني من ضعف التبرعات والدعم، ما جعلها عاجزة عن النهوض برسالتها، وكل ذلك بطبيعة الحال بدد طاقات قدرات وموارد هذه الدول وأعاق تنميتها وأضعف مستوى معيشة مواطنيها بشكل لا يتناسب والإمكانات والقدرات المتاحة بتاتا. بلادنا انتبهت لأهمية الشفافية والنزاهة وأهميتها في تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفساد بكل أشكاله وصوره فأنشأت الدولة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في حين أنشأ المجتمع مؤسسة السعفة للشفافية لتتكامل الجهود الحكومية والأهلية لتبديد الغموض ونشر الشفافية ومكملتها المساءلة لتعزيز النزاهة والعدالة والإنصاف، ونتطلع جميعا إلى أن تلعب هاتان المنظمتان دوراً كبيراً باستراتيجيات ذكية وبرامج ومشاريع فعالة ذات أثر ملموس على الواقع.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك