وسائل الإعلام الاجتماعي تغيّر طريقة عمل الأدمغة بقلم أبريل ديمبوسكي
الاقتصاد الآنيناير 5, 2013, 11:35 ص 1143 مشاهدات 0
أنا أطير بلا طائرة وبلا أجنحة، فقط أحلق فوق أسطح المنازل وبطني تتخبط بشكل خفيف كلما اقتربت من شبكة شوارع المدينة. أميل إلى اليمين لكي أتجاوز ناطحة سحاب، ثم أطير وأميل لليسار لأطوف حول شجرة. لقد حدث زلزال وها أنا أبحث عن طفل مفقود مصاب بمرض السكر ويحتاج إلى إنسولين.
هذا ليس بحلم. أنا مستيقظ، وأرتدي ملابس العادية – بلا قبعة أو قميص راقص – أقف مباشرة على كلتي قدمي في غرفة معمل واقع افتراضي في جامعة ستانفورد. نحو 70 موضوع اختبار قام بالمحاكاة نفسها، كان نصفهم يطير في طائرة عمودية افتراضية، وحظي النصف الآخر بقوة الطيران الخارقة الافتراضية. النصف من كل مجموعة لديه مهمة: إيجاد وإنقاذ الأطفال المفقودين. وبعد المحاكاة، أعيدت أغطية الرأس لتعلق على الحائط، ثم تحضر باحثة تحمل لوح الكتابة المشبكي الخاص بها وتسأل بعض الأسئلة. ترتطم عن غير قصد بعلبة من الأقلام. وفي الدراسات الاجتماعية فإن هذه خدعة تقليدية لقياس نوايا الإيثار. ويوضح الاختبار من الذي سيطير بأسلوب سوبرمان للمساعدة في تنظيف ما سقط. وقد استجابوا بأربع ثوان أسرع والتقطوا قلمين آخرين في المتوسط عن ركاب الطائرة العمودية. ''إذا ما كنت تطير فإنك تشعر بقوة كبيرة، إذ إن الشعور بامتلاك القوة يجعل الناس أكثر كرماً وأكثر إيثاراً''، هذا ما يقوله روبن روزنبيرج، عالم النفس الممارس في سان فرانسيسكو الذي ساعد على تصميم الدراسة، والتي تراجع حالياً في النشرة الدورية الإلكترونية ''بلوس وان''. ''قد تكون أيضاً الرغبة في أن تصبح مفيداً تتعلق مباشرة بالارتباط الواعي أو اللاوعي مع سوبرمان''.
الدماغ..فريسة الإعلام
العديد من التكنولوجيا بدأت مع مثل هذه الأهداف الافتراضية لجعل العالم مكاناً أفضل ومواطنيه أشخاصا أفضل. لكن يأتي العديد منها بتكاليف مستترة تأخذ وقتاً لتصفحها. وحيث إن مواقع الإنترنت السائدة الآن مثل ''جوجل'' و''فيسبوك'' و''أمازون'' في متناول اليد ببضع لمسات على الهاتف الذكي في جيبك، فقد بدأت الآثار الجانبية لكون الإنسان دائم التواصل في الظهور. هناك قلق متنام من أن مساراتنا العاطفية والتعاطف لدينا تتآكل نظراً للوقت الكبير الذي نقضيه أمام الشاشات. إننا نقضى وقتاً كبيراً للغاية على حواسبنا الآلية وأجهزتنا بحيث إننا بدأنا نفكر تماماً مثلهم. أعيد تركيب الدوائر الدماغية بحيث أصبحت متكيفة مع أدوات الحياة الحديثة هذه. إننا نعالج المزيد من البت والبايت من المعلومات، وأصبحنا سريعين تماماً في هذا الأمر. لكن قد يكون هناك مقايضة بأن دوافعنا للتصرف كسوبرمان تتقلص. جارون لانيير عالم التكنولوجيا اللامع بوادي السليكون ومؤلف كتاب ''أنت لست بجهاز''، يقول: ''لقد كنا نصمم جنة للأشخاص المصابين بمتلازمة اضطراب التوحد الطيفي، أسبرجر. لا أعتقد أننا نجعل أنفسنا أغبياء أو في منزلة دنيا، لكنني أعتقد أننا نحصر أنفسنا في نطاق ضيق أكثر''. يقول السيد لانيير، ثقافة الإنترنت والشبكات الاجتماعية على وجه الخصوص موجهة نحو الحياة الخارجية بدلاً من الحياة الداخلية. إنها تفضل الأفكار المجردة والكمية على المشاعر الشخصية والنوعية. تعكس برامج الإنترنت المهيمنة اليوم العقول التحليلية للمهندسين الذين بنوها وفشلوا في التقاط العناصر الإنسانية للحياة اليومية، كما يقول. ونتيجة لهذا، تقلل التكنولوجيا من نطاق الأساليب المعرفية، كما الأمر في زراعة المحصول الواحد، حيث يعمل حصاد محصول واحد من القمح المزروع بمساحات ضخمة على الرقعة الزراعية نفسها عاماً بعد عام على تقليل تنوع عناصر التربة الغذائية وهو ما تنتج عنه نباتات أقل مرونة. يقول السيد لانيير: ''إننا نخلق عقلاً أحادياً، إننا نفقد مقداراً قليلاً من التعاطف تجاه حياة الأشخاص الآخرين الداخلية. إننا نستبدل أخلاقيات التعاطف في أكثر من موضع. بكلمات أخرى، لدينا أسباب منطقية لنكون لطفاء تجاه بعضنا بعض بدلاً من كونها أسبابا عاطفية''. السؤال حول ما تفعله التكنولوجيا لأنماط التعلم المعرفية لدينا كان موضوع العديد من الافتراضات وبعض الدراسات. القدرة على البحث وإيجاد المعلومات عبر ضغطات قليلة على المفاتيح على موقع ''جوجل'' مثلاً، تؤثر في ذاكرتنا. معرفة أنه يمكن استكشاف معلومة تافهة حول ممثل أو قطعة عن الحرب العالمية الثالثة من خلال بحثها على موقع :''جوجل''، تجعل قدرتنا على استدعاء الحقائق الواقعية تتقلص. وفي سلسلة من أربعة اختبارات نشرت في دورية ''ساينس'' العلمية عام 2011، وجد الباحثون أن الناس أصبحوا يعتمدون على الإنترنت كذاكرة خارجية. إننا أقل جودة في تذكرنا للمعلومات، لكننا أصبحنا أفضل في معرفة أين وكيف نعثر عليها. لقد استعنا بالإنترنت كمصدر خارجي بدلاً من ذاكرتنا. وبالمثل يعاني بعض الطلبة الصينيين الآن من كتابة الأحرف بأيديهم بسبب خاصية التنبؤ بالهجاء على الحواسب التي تُكمل الأحرف بعد بضع نقرات. تم التقليص من قدرتنا أيضاً على الانتباه والتركيز، فمعظم الدراسات تظهر أن المخ البشري ليس معداً للتعامل في وقت واحد مع التيارات المتعددة من المعلومات. لكننا نجلس لعدة ساعات أمام شاشات عدة، نتنقل إلى الأمام والخلف. في دراسة نشرت عام 2009 في مجلة ''بروسيدينج أوف ناشونال أكاديميك أوف ساينس''، وجد أن الأشخاص الذين أصبحوا بارعين في ''الإعلام المتزامن متعدد المهام'' كانوا أسوأ في استبعاد مشتتات الانتباه غير المتصلة بموضوع معين وفي الانتقال بين المهام من الأشخاص الذين يقضون وقتاً أقل على الأجهزة. يقول العديد من الخبراء أن هذه التغيرات هامشية بدلاً من كونها أساسية. في الواقع، فإن استخدام منافع التكنولوجيا قد يجعلنا أكثر ذكاءً. مايك أنديرسون، أستاذ علم النفس والعلوم المعرفية في جامعة فراكلاين آند مارشال في ولاية بنسلفانيا يقول إن العقل كان يتكيف مع الأدوات الجديدة لتعلم العلوم قبل أن يكون حتى إنسانياً تماماً. ظهرت الأنماط العصبية الجديدة حينما بدأ الناس في الحديث والكتابة وحل الرياضيات. تشغيل الحواسب هو فقط التطور التالي لذلك. ويقول: ''لا يوجد شيء مختلف بشكل ملحوظ بين جهازي الآيباد أو الآيفون والقلم والورقة. وهي تكنولوجيا أساسية بحق لم يكن لعقولنا أن تتعامل معها لو لم يتم تعلمها''. في النهاية لم يخمن شخص ما بالضبط كيف يعمل العقل. لذا فحتى مع التصوير بالرنين المغناطيسي الذي يظهر أجزاء مختلفة من الدماغ تضئ حينما يكتب الناس النصوص أو يبحثوا على موقع ''جوجل''، من الصعب استخلاص نتائج حول ما يعنيه هذا، أو إذا ما كان النشاط العصبي جيدا أم سيئا. التعليم العاطفي مفهوم بشكل أقل. التحقيق في تأثير التكنولوجيا قد يكونه له أمور أقل مادية وأقل قابلية للقياس الكمي مثل التطور العاطفي والتفاعل بين الأشخاص وصنع القرار الأخلاقي من نادر تواجدها تماماً. وأياً كان ما يحدث لمساراتنا العصبية، فإن التحول الصريح في السلوك ظاهر من الساعات التي يقضيها الناس بشكل خالص في الولوج إلى المعلومات والتواصل مع الآخرين عبر شاشات عرض مسطحة من البلور السائل. في فندق كيتينج هاوس بسان دييجو في كاليفورنيا، يتذكر مسؤول الفندق بين بالتيك أحد النزيلات اللائي جئن له بفورة غضب ودفعت إليه ببطارية جهاز ''بلاك بيري'' الخاص بزوجها. وقالت: ''اخف هذا!''. وقد خبأه السيد بالتيك خلف ساعة خلال عطلة الزوجين حتى سأله الرجل بخجل أن يعيده له في اليوم الذي رحلوا فيه. يكافح الأزواج في الواقع لجذب بعضهم بعضا عن أجهزتهم لقضاء وقت ماتع سوياً بشكل منتظم. الشباب على وجه الخصوص أصبحوا يفضلون التواصل إلكترونياً على التفاعل وجهاً لوجه. وجدت دراسة في جامعة ستانفورد أن طلاب الجامعة يفضلون أن يرسلوا رسائل نصية إلى زملائهم في القاعة التي أسفل مهجعهم بدلاً من الطرق على أبوابهم والتحدث مباشرة إليهم، لأن الرسائل النصية ''أقل مجازفة'' و''أقل إحراجاً''. يخشى علماء النفس أن هذا التجنب يجعل الأشخاص العاديين يفقدون التدريب العاطفي الذي يأتي من قراء تعبيرات الوجه والتبحر في الغموض الاجتماعي. العاطفة تكتسب بمرور الوقت، وتُظهر العديد من الدراسات أن الأشخاص المسنين بشكل عام أكثر تعاطفاً من الشباب الصغار، وأفضل في تعديل ردود أفعالهم العاطفية. يقول جاري سمول، أستاذ علوم الطب النفسي والسلوك الحيوي في كلية جامعة كاليفورنيا للطب: ''أحد المخاوف تجاه هذا العصر التكنولوجي أنه يوجد فرصاً ضائعة في التطور العصبي للشباب قد تتسبب لاحقاً في مشاكل''. يستلقي مات لانجيون على ظهره في جهاز تصوير بالأشعة المغناطيسية، ويقرأ نسخة من رواية ''مانزفيلد بارك'' للكاتبة جين أوستين. علماء الأعصاب في معمل التصوير في جامعة ستانفورد يقارنون الأشكال التي في مخه عندما يختلس النظر إلى الصفحات باستمتاع وعندما يركز بشدة على الشكل الأدبي. واندهش التقنيون مما وجدوه. فالأجزاء التي تضاء في المخ خلال القراءة من قرب ليست تلك المتعلقة بالانتباه، لكنها تلك المتعلقة بالحركة واللمس. إنه كما لو أن القراء يضعون أنفسهم فيزيائياً في القصة حينما يحللونها بعناية. وهو النوع نفسه من القراءة الذي يقول ناعومي بارون أستاذ اللغويات في الجامعة الأمريكية في واشنطن، إنه اندثر نتيجة لقراءة الناس بشكل أكبر على الأجهزة المتصلة بالإنترنت. يقول: ''هناك الكثير من الانقطاعات، هناك الكثير من الأشياء التي تفوتنا حينما نفرغ من القراءة على الشاشات: التركيز والتأمل والاستلقاء والتفكير''. وهذا قد يعني أنه كلما قرأ الناس بشكل سطحي، كلما وضعوا أنفسهم بشكل أقل مكان الأشخاص الآخرين. أصبح الإنترنت بشكل متزايد أعيننا وآذاننا. لقد أعطانا منفذاً للولوج إلى المعلومات من حول العالم، حتى وإن كانت تغريدات حية من المتظاهرين المصريين على موقع ''تويتر''. لكن هناك الكثير مما لا يتم التقاطه. لا توصل الشبكات الاجتماعية المدى الكامل للخوف والابتهاج والشفقة التي تتأتى من مواجهة الأماكن والأشخاص مباشرة. المشكلة هي أننا حينما لا نعلم السياق وراء شيء ما، نقوم بتصوره بأنفسنا، كما تقول ليزا فيلدمان باريت، مديرة مختبر العلوم الوجدانية متعدد الاختصاصات في جامعة نورثيرن إيست. تقول: ''تقوم عقولنا بهذا تلقائياً، حينما نتجرد من المعلومات، نضيفها مرة أخرى. نقوم بملء المعلومات حينما لا تكون موجودة''. لذلك فإن الخطر هو اعتقاد أننا كنا قادرين على الاطلاع بشكل كامل على ماهية التغريدات المصرية بقراءة أولية لها في حين أننا في الواقع لا نفهم شيئاً فعلياً من مغزاها الحقيقي. أنصار الواقع الافتراضي يؤمنون أن بإمكان التكنولوجيا أن تصلح هذه المشكلات. قدرة الواقع الافتراضي على الحصول على ردود عاطفية من الأفراد قد ثبت في مرات عدة، أنه يستخدم الآن لتدريب الناس بعيداً عن الصور النمطية والتحيز. يتخيل السيد روزنبرج مدارس تستخدمه لمصلحة برامج مكافحة التنمر. جيرمي بيلينسون، مدير مختبر ستانفورد، يتصور شركة تستخدم الواقع الافتراضي من أجل تدريبات متنوعة. قام الجيش الأمريكي بتفويضه لصياغة برنامج تدريبي للجنود الأمريكيين المتوجهين إلى العراق، لتعليمهم كيف يكون لديهم تعاطفاً أكثر مع العراقيين. لكن في الوقت الذي تفكر فيه المزيد من الصناعات في كيفية تطويع هذه التكنولوجية لمصلحتها التجارية الخاصة، فإن الباحثين قلقون من أنه قد يصبح أكثر إلزاماً. حتى أن السيد بيلسون يتخيل ألعاب فيديو غامرة أكثر من ''ورلد أوف واركرافت'' التي تبقي العديد من الشبان ملتصقين بحواسيبهم لأكثر من 20 ساعة أسبوعياً. يقول: ''حينما يصبح اللعب بمثابة اللهو في لاس فيجاس، وأنت مدمن عليه الآن، فكيف سيكون الحال عندما تحصل على هذه الامتيازات الأخرى؟''.
تعليقات