الميزانية تبرز قدرة المملكة على إرساء التوازن خلال ترنح الاقتصاد العالمي بقلم عبدالمحسن بن إبراهيم البدر

الاقتصاد الآن

787 مشاهدات 0


بحمد الله أعلنت تفاصيل أكبر ميزانية في تاريخ المملكة، وأصبحنا في كل عام نرى أرقاما تاريخيه تفوق السنة التي قبلها، وجاء إعلان ميزانية الدولة للعام المالي 2012, وكذلك بيانات ميزانية 2013 لتؤكد على أن عهد الرخاء والإصلاح الاقتصادي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين – قائد مسيرة الإصلاح الاقتصادي - هو عهد القيادة الاقتصادية السعودية على جميع المستويات، وجاءت تفاصيل الميزانية حافلة بالكثير من المؤشرات الاقتصادية المعنوية لتعبر عن ثبات الدولة واقتصادها في ظل ترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمة، وأتت الأرقام لتؤكد أننا بالفعل الدولة الأكثر أماناً اقتصاديا واستثماريا. وتأتي الميزانية لتؤكد أن مشاركه المملكة لقمة العشرين هو نتيجة حتمية لثقلها الاقتصادي وإدارتها الحكيمة التي كانت ومازلت تعمل لتنعم المملكة في الرخاء بينما يعاني الآخرون في الشدة. و لا أبالغ إذا قلت إن الميزانية هي أهم رسالة عالمية لبث بعض الاطمئنان بأن الاقتصاد العالمي يملك لاعبين يستطيعون إرساء التوازن وبث الأخبار الإيجابية في ظل سيل عرمرم من الأخبار السلبية وفي ظل مخاوف وأسئلة عن ما يحدث حولنا من مؤشرات تبعث على التخوف مما يحمله العالم الاقتصادي من أخبار قد تأثر على روح التفاؤل السائد منذ بدايه أسوء أزمة اقتصادية عرفها التاريخ العالمي، وتأتي ميزانية الخير في وقت تأن دول كثيرة تحت مخاوف وتأثير وآثار الديون السيادية التي جرت ولازالت تجر تلك الدول إلى طريق مجهول. وفي وقت أصبحت أكبر كتلة اقتصادية عالمية تعاني تبعات أزمة الديون السيادية وأصبح اليورو في مهب الريح بعد أن كان في يوم من الأيام عنوان الأمان. وتأتي هذه الميزانية في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة في المنطقة، لتعطي رسالة حقيقية عن الترابط و التلاحم الوطني, ولتؤكد أن بناء هذا الوطن على أسس صلبة هو تاريخ مجيد وحاضر زاهر ومستقبل مشرق بإذن الله.

والعوامل المهمة في حسابات الميزانية يأتي على جانبين، الأول هو الإيرادات وتعني متوسط سعر برميل النفط وحسابه المتوقع عند إعلان الميزانية، الشق الثاني يأتي على المصروفات وما يطرأ عليه من تطورات كالأوامر الملكية أو الأحداث غير المتوقعة وتستدعي التدخل الحكومي المالي. وتتفق أكثر التقارير الاقتصادية على أن المملكة بنت تقديراتها عند إعداد الميزانية للعام 2012م على أسعار نفط تتراوح بين 50 و55 دولارا للبرميل.

من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 1433/1434 (2012م) وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات 2.727.400,000,000 ألفين وسبع مئة وسبعة وعشرين ملياراً وأربع مئة مليون ريال بالأسعار الجارية بزيادة نسبتها ( 6.8 ) بالمئة عن المتحقق بالعام المالي الماضي 1432/1433هـ ( 2011م ) و جاء الارتفاع من وجهة نظري في ضوء المتوقع قياسا بالاستقرار في أسعار النفظ، بعد أن كان المتوسط 95 دولارا للبرميل عام 2011، تشير التقديرات إلى 119 دولار للبرميل في عام 2012. وعلى الطرف الآخر ميزانية متوازنة للعام القادم 2013 تقدر بـ 820 مليار أي بزياده قدرها 130 مليارا عن ما كان مقدرا لعام 2012، أي أننا قد نتجاوز ترليون ريال مصروفات فعليه للسنة القادمة إذا استمر ارتفاع الإنفاق الحكومي على نفس الوتيرة التي كان عليها في للسنوات الماضية.

وبالعودة إلى أرقام ميزانية عام 2012 فإن الإيرادات الفعلية بلغت 1239 مليارا ريال في حين كانت تقدر بمبلغ 702 مليار ريال في بداية العام, أي أنها حققت زيادة 537 مليار ريال وبنسبة نمو كبيرة جداً بلغت 76 بالمائة عن التقديرات في بداية العام وذلك بسبب الارتفاع غير المقدر لأسعار النفط 2012 الذي وصل متوسط 119 دولار للبرميل ، وإن كانت المملكة تعلن دائما عن رؤيتها للسعر العادل إن سعر البرميل بين 70 و80 دولارا للبرميل، وهو أعلى ما حققته الأسعار خلال العام الماضي. وطبيعه الأحداث السياسية حول العالم حافظت على ذلك المستوى غير المتوقع لأسعار النفط. ورغم ذلك فإن الدولة دائما ما تضع توقعات متحفظة في الميزانيات السنوية حتى ونحن نرى توقعات العام 2013 فإن التحفظ سيكون مصاحبا بشكل مستمر لتوقعات الدولة لأسعار النفط على؟؟؟؟؟؟، بغض النظر عن أي تفاؤل يحيط بنمو الاقتصاد العالمي خلال العام القادم.

من جهة أخرى, ارتفعت المصروفات إلى 853 مليار ريال, بزيادة قدرها 163 مليار ريال عن المقدر في بداية العام أي بنسبة زيادة وصلت إلى 24 بالمائة، وهذا الارتفاع جاء على شكل إنفاق حكومي موجه بشكل كبير تجاه المواطن بعكس الزيادات السابقة التي كانت موجهه إلى مشاريع. وهنا يجدر التركيز على أن الإنفاق الحكومي استمر بوتيرة عالية على رغم المخاوف الاقتصادية العالمية من عام 2012 على الرغم من التخوف الكبير الذي ظهر خلال ذلك العام سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو حتى على مستوى الاستقرار السياسي في المنطقة, ورغم جميع تلك الظروف إلا أن المملكة حافظت على مستوى الإنفاق الحكومي المتزايد بشكل سنوي ونراه في جميع قطاعات الميزانية.

ولعل المفارقة في ميزانية عام 2012 هي أنه رغم كل ما ذكر عن السوداوية التي تحيط بالأوضاع الاقتصادية العالمية، إلا أن الميزانية حققت ثالث أكبر فائض لها خلال العشر سنوات الماضية، بعد الفائض التاريخي في 2008 الذي بلغ 590 مليار وأقل بقليل من فائض عام 2006 الذي بلغ 389 مليارا، وأعلى من فائض العام الماضي الذي بلغ 306 مليار ريال. على الرغم من استمرار وتيره الإنفاق على المشاريع الحكومية الزيادة في المصروفات و لعل أهمها الزيادة في الصرف على الأعمال التنفيذية المتعلقة بمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسعة المسجد الحرام واستكمال تعويضات نزع ملكية العقارات وتوسعة المسجد النبوي الشريف، والزيادة في الصرف على بعض المشاريع التنموية والخدمية الأُخرى.

كما تتضمن الزيادة في المصروفات الالتزامات المترتبة نتيجة تثبيت العاملين والتي بلغت أكثر من (10.000.000.000) عشرة مليارات ريال، وتعويض صندوق التنمية العقارية عن الإعفاءات وزيادة رأس ماله ورأس مال صندوق التنمية الصناعية السعودي والبالغة أكثر من (19.500.000.000) تسعة عشر ملياراً وخمس مئة مليون ريال، وإعانة الباحثين عن العمل (حافز) نتيجة زيادة عدد المستفيدين ويُتوقع أن يبلغ ما سيتم صرفه لهذا الغرض حتى نهاية شهر صفر 1434هـ نحو (30.000.000.000) ثلاثين مليار ريال. وقد بلغ عدد عقود المشاريع التي طُرحت خلال العام المالي الحالي وتمت مراجعتها من قبل الوزارة نحو (2000) عقداً تبلغ قيمتها الإجمالية ما يقارب (137.000.000.000) مئة وسبعة وثلاثين مليار ريال، وتشمل هذه المشاريع ما تم تمويله من فوائض إيرادات الميزانيات السابقة.

ولعل استمرار الإيجابية في ميزانية عام 2012 يأتي من انخفاض الدين العام إلى ما يقارب 98 مليار ريال أي بنسبة قدرها 3.6بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و هذا بلا شك مؤشر اقتصادي مهم يدل على الرفاه الاقتصادي التي تعيشة المملكة وتؤكد على أنه حتى في حال لا قدر الله وجود أي خلل في الإيرادات المستقبلية فإن الدين العام لا يشكل عبئا اقتصاد إضافيا، وهذا يوضح أن هناك تعاملا منطقيا للمحافظة على مستويات مقبولة للدين العام وعدم الدخول في مخاطر تضخمية ناتجة عن تخفيضه بنسب كبيرة.

ميزانية 2013

أعلنت الدولة عن تقديراتها لإيرادات العام 2013 بما قيمته 829 مليار ريال أي بزيادة قدرها 127 مليار عما تم رصده لعام 2012 والتي قدرت حينها بـ 702 مليار ريال، وهي ميزانية متحفظة تعطي قدرا أعلى من التفاؤل حول معطيات الاقتصاد العالمي، خصوصا أن المملكة استطاعات الوصول إلى سعرها العادل لسعر برميل البترول، ولعل تلك السياسة تعطي قدرة أكبر للمسؤولين على وضع تصور أكثر دقة عن ما تعارفت عليه الميزانيات السابقة من حيث التحفظ الكبير على الإيرادات خصوصا النفطية.

ولعلي هنا أركز بشكل موجز على المصروفات المتوقعة والتي تعطي جميع الدلالات على الاستثمار الكبير التي توليه الدولة للمواطن بالدرجة الأولى على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها موارد الدولة ونجد أن الكثير من المخصصات تمس حياة المواطن بشكل مباشر حتى في ظل الأزمات العالمية وتسريح الموظفين وإفلاس المصارف والشركات حتى وصلنا إلى إفلاس الدول ومخاوف الديون السيادية في الاتحاد الأوربي تحديدا، تبقى المملكة العربية السعودية في إنفاقها على رفاهية المواطن وترسل رسالة واضحة للعالم أنها لا زالت تتمتع برخاء اقتصادي وبقوة شرائية قوية في ظل تحقيق فائض في الميزانية ليضاف إلى العوائد التاريخية التي حقتتها الميزينية خلال الفتره من 2002 الى 2012، وتظهر الأرقام أن النفقات العامة التي حددتها الدولة للعام القادم تبلغ 820 مليار ريال الى بزيادة قدرها 130 مليار ريال عن ما أقر الميزانية العام الماضي التي حددت بـ 690 مليار ريال أي بزياده قدرها 19 بالمائة وتقل بحوالي 33 مليار عن المصروفات الفعلية خلال العام 2012 .

ولا شك أن هذه المبالغ تعتبر إشارة كبيره على استمرار الإنفاق الحكومي بمعدلات تاريخية وإن اختلف التركيز في القطاعات إلا أنها تصب في نهاية المطاف في المصلحة العام للواطن والمواطن.

وبنظرة موجزة إلى بعض القطاعات التي ركزت عليها الميزانية فإن قطاع التعليم بالإضافة إلى مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم «تطوير» بمبلغ 9 مليار ريال وكامل ما تم تخصيصه لقطاع التعليم بمبلغ إجمالي قدره 204 مليار ريال أي بزيادة قدرها 21 بالمائة عن مخصص العام 2012, ولعل هذه الأرقام تثبت اهتمام الدولة كما سبق أن ذكرنا بالكادر البشري السعودي وتطويره وإعادة تطوير البنية التحتية للتعليم بهدف الوصول بالعنصر البشري السعودي إلى المستويات التي تتناسب مع البعد الاقتصادي للمملكة ومع الحاجة التي يتطلبها سوق العمل في المملكة، ولا شك أن التعليم هو حجر الأساس لخطط التنمية المستقبلية التي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الكثير من الأهمية وتوفير البيئة المناسبة له وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات والكليات المتخصصة وتوفير أفضل الوسائل العلمية الحديثة لتوفير المناخ المناسب لمستقبل المملكة التنموي. ولعل الشواهد التي نراها من افتتاح العديد من الجامعات الجديدة و لذلك فلا عجب أن يستحوذ التعليم على نصيب الأسد من الميزانية بمقدر 25 بالمائة وهو نفس المعدل في الميزانيات السابقة، وهو استثمار في مستقبل هذا الوطن.

أما الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بلغ نصيب هذا القطاع من ميزانية العام المقبل ما قيمته 100 مليار ريال أي بزيادة قدرها 16 بالمائة عن ما تم تخصيصه في العام الماضي 2012.

إن الشكل المرفق يوضح أن جميع القطاعات في الدولة حظيت وتحظى بدعم كبير في ميزانية العام المقبل وامتداد لتطوير القطاعات التي تهم المواطن بالدرجة الأولى التي تمس حياته اليومية، ولذلك فإن الزيادة عندما تأتي في ظل التخوف من ركود الاقتصاد العالمي تعطي مؤشرات مضاعفة على اهتمام الدول بالنمو والرفاهية للمواطنين. وفيه نلاحظ النمو الكبير في ميزانية قطاع النقل بنسبة بلغت 23 بالمائه مما تم رصده في ميزانية العام الماضي، وهذه الميزانية تصب في شكل كبير في مشاريع البنى التحتية لقطاع النقل من مطارات وسكة حديد وطرق.

في الختام فإن ميزانية هذا العام تختلف من ناحية التوقيت والحجم عن أي ميزانية سابقة في تاريخ المملكة، فالإعلان يأتي متزامنا مع هلع عالمي كبير متزايد حول مستقبل الاقتصاد العالمي ومع تداعيات بعض الأحداث الاقتصادية المحيطة. وتأتي بعد أن أثبت الاقتصاد السعودي متانة عالية في القطاع المالي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص، وهذه المتانة تأتي من خلال التشريعات المتحفظة التي حافظت على المكاسب. ولعل المفرح أن تكون المملكة قادرة بعد توفيق الله على ضبط الميزانية من خلال حسن التوقع وحسن التخطيط و المحافظه على سوقها الأساسي و هو سعر برميل البترول. و الأهم من وجهة نظري أنها جاءت في وقت تثبت المملكة للعالم أن التماسك واللحمه الوطنية ظهرت بشكل واضح و كبير خلال 2012 ، عام التطورات السياسية في المنظقة العربية، وهذه الميزانية رد على جميع المراهنات المغرضة حول مدى التلاحم بين الشعب والقيادة.

الآن:الجزيرة

تعليقات

اكتب تعليقك