ضجيج.. تقليل الاعتماد على النفط
الاقتصاد الآنديسمبر 31, 2012, 4:39 م 1609 مشاهدات 0
خلال الشهور الماضية أثارت تقارير دولية ضجيجاً حول الاستهلاك العالي للنفط في بلادنا وصل حد الغمز واللمز في استخدامه لتبريد الصحراء. من ناحية أخرى، كان قد كتب الكثير حول تقليل الاعتماد على النفط سواء بأقلام الكُتّاب والباحثين أو في أدبيات التنمية، بل حتى على لسان وزير النفط. غير أن حكاية تقليل الاعتماد على النفط التي تدفع بها مراكز الأبحاث الخارجية أو بعض الكُتَّاب في الخارج بشكل خاص لا تجافي الصواب في قولها بالظاهر ولا يمكن المغالطة في أنها تشير إلى حقيقة موضوعية، إلا أن هذه الإشارة الموضوعية تخفي وراءها مقاصد وأسباباً.. أما الأسباب فتتلخص في الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعيشها دول الغرب مقابل أسعار نفط مرتفعة وفوائض مالية للدول النفطية، خصوصاً دول الخليج ومنها المملكة.. وهو وضعٌ لا يمكن عزله عن عكس تأثيره في إثارة حفيظة مَن كتبوا تلك التقارير، ومَن هم وراءهم دولاً ومنظمات ومؤسسات يشعرون معه بقدر غير قليل من عدم الارتياح في أن تتمتع هذه الدول باحتياطيات مالية كبيرة فيما تصارع الدول الغربية للخروج من أزمتها الخانقة.. التي هي أزمة من صُنع أنفسهم!
أما القصد.. فلا يمكن التسليم بالنيّات الحسنة في الغيرة على استهلاك كميات كبيرة من النفط والحرص على حفظه لمصلحة هذه البلدان.. وإنما لأنهم من ناحية ينظرون إلى هذا الاستهلاك على أنه تهديد لحصتهم منه من خلال توجيهه للتصدير إليهم وليس للاستهلاك المحلي الذي ينبغي التسليم بحقيقة الإفراط فيه، وبما قد يشفع لهم ويعطيهم حجة قوية في الظاهر على صدق ما يذهبون إليه.. لكنه حتماً صدق القصد منه مصلحتهم وليس مصلحتنا.. بمعنى أن المنطلق في الأسباب والقصد في هذه المقولة سليم غير أن الهدف من وراءها ليس نحن وإنما هم.
على أن تلك المغالطة ومحاولة الظهور بمَن يسدي النصحية ببراءة خالصة يحتم علينا أن ننظر إلى مقولة تقليل الاعتماد على النفط من منظور مختلف.. وهذا يستدعي أن نتساءل: هل سيحل مجرد قرار التقليل من الاعتماد على النفط مشكلة التنمية؟ أو هل إذا قللنا الاعتماد على النفط وحسب يتغيّر هيكل الاقتصاد الوطني تلقائياً؟ طبعاً السؤال بصيغتيه بسيط والإجابة عنه بالنفي أبسط أيضاً.. ليبقى أن مسألة تقليل الاعتماد على النفط كمقولة - في حد ذاتها - لا غبار عليها وليست هي المشكلة، وإنما كيف لنا أن نقلل، بل نحد كثيراً من الاعتماد عليه؟ هذا ما لا تقوله ولا ترغب فيه تلك التقارير والكتابات.
وهنا تبرز قضية الاستخدام الرشيد للموارد النفطية لكي يتم التقليل من الاعتماد عليه.. والاستخدام الرشيد معناه أنه كلما تم توجيه عوائد النفط وتحويلها إلى أصول إنتاجية: صناعات وتقنيات زادت وتيرة دخول موارد غير نفطية تحد هي بذاتها من الاعتماد على الموارد النفطية.. وهو طرح تنموي حملته خطط التنمية السابقة وحتى اليوم لكنه لم يجد طريقه للترجمة على أرض الواقع إلا بنسبة محدودة.. فقد تحدثت الخطط عن تنويع القاعدة الاقتصادية كثيراً على أنه الوسيلة التي ستجعل من الاعتماد على النفط في حده الأدنى، وهذا هو ما لا جدال فيه، غير أنه تأخّر طويلاً!
إن المسألة إذا ليست مجرد فقط الحد من الاعتماد على النفط كنصيحة مراوغة، لأن ذلك معناه الكف عن التنمية، إنما حين يصبح الاعتماد عليه آلية تحقيق عدم الاعتماد عليه من خلال استثمار موارده المواتية لتكريس مزيد من التنويع حينئذ لا تعود المقولة مطروحة.. وكلما كانت أولويات التنويع محددة وخريطة الطريق لتنفيذها واضحة تسارعت وتيرة تحقيق معنى ما قاله أصحاب النيّات المخلصة ومعها حتى ظاهر القول غير الصادق.. وهو هدف وطني استراتيجي كبير نتطلع إليه جميعاً.. لكن سيكون من الخفة التسليم بأنه سوف يسر مَن غمزوا ولمزوا.
تعليقات