التوجه العالمي نحو السلام بقلم جاريث إيفانز
الاقتصاد الآنديسمبر 28, 2012, 1:33 م 615 مشاهدات 0
لو كنا نأمل في أن يتحقق السلام في زمننا المعاصر فإن ذلك لم يتحقق في سنة 2012. لقد أصبح الصراع أكثر دموية في سورية، كما استمر الصراع في أفغانستان ونشبت صراعات بين الفينة والأخرى في غرب ووسط وشرق إفريقيا. لقد كانت هناك موجات متعددة من العنف العرقي والطائفي والسياسي في ماينمار (بورما) وفي جنوب آسيا وفي الشرق الأوسط. لقد زادت التوترات بين الصين وجاراتها في جنوب بحر الصين وبين الصين واليابان في شرق بحر الصين. إن المخاوف المتعلقة ببرامج كوريا الشمالية وإيران النووية لا تزال دون حل. لكن هناك العديد من النزاعات التي كان يخشى أن تنفجر بين الدول وضمن الدول نفسها لم تحدث. لقد ساعد الضغط الدولي القوي على احتواء حرب غزة الثانية بسرعة. لقد تم تحقيق اتفاقية سلام كان يسعى إليها منذ فترة طويلة لجزيرة ميندناو في جنوب الفلبين. لقد تم اتخاذ خطوات واسعة من أجل تحقيق سلام ومصالحة مستدامة في ماينمار، ولم تحدث كوارث إبادة جماعية جديدة كبيرة في العالم، وعلى الرغم من الشلل الذي يعانيه مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بسورية، أعلنت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وبأغلبية ساحقة قبولها المستمر للمسؤولية من أجل حماية أولئك الذين يتعرضون للخطر، بسبب ارتكاب الجرائم والفظائع على نطاق واسع. لقد تم إخفاء القصة بمعناها الأعم والأشمل، بسبب انهماك الإعلام اليومي في أخبار سفك الدماء الحالية، علما بأنه خلال العقدين الماضيين أصبحت الحروب الرئيسة وحوادث العنف الجماعي عالميا تتكرر بشكل أقل، كما أنها أصبحت أقل فتكا، فبعد أن بلغت الذروة في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات أصبح هناك هبوط بمعدل يزيد على 50 في المائة لعدد الصراعات الرئيسة سواء بين الدول وضمن الدول نفسها وفي عدد الفظائع الجماعية والإبادة الجماعية وفي عدد القتلى نتيجة لذلك. لقد تم الكشف عن ظاهرة 'السلام الجديد' لأول مرة من قبل مشروع تقرير الأمن الإنساني والمدعم من قاعدة المعلومات الممتازة لبرنامج أوبسالا لمعلومات الصراعات. لقد وضع ستيفن بينكر من جامعة هارفارد في كتابه المهم جدا 'الملائكة الأفضل لطبيعتنا' الأمر في سياق تاريخي أكبر، فليس هناك فقط 'السلام طويل الأمد' بين القوى الرئيسة منذ سنة 1945، لكن هناك ما هو أهم من ذلك، وهو نمط يمتد لقرون من الانخفاض المطرد في شهية الناس للعنف. إن المحاولات العديدة للنيل من هذا التحليل (مثل جون أركيلا في مجلة فورين بوليسي أخيرا) لم تكن مقنعة. صحيح أن هناك عودة منذ سنة 2004 لما يطلق عليه الإحصائيون (إن لم يكن الإنسانيين) 'صراعات مسلحة ثانوية'، لكن في حالة الصراعات أو الحروب الشديدة جدا (أي التي يتم تعريفها بأنها الصراعات التي ينتج عنها مصرع ألف أو أكثر خلال المعارك كل سنة)، فإن مما لا شك فيه أن هناك توجها للانخفاض، وهذا ينطبق أيضا على وفيات المدنيين المرتبطة بالحرب. تختلف تفسيرات هذه الظاهرة في حالة السلام الجديد ما بعد الحرب الباردة، لكن أفضل تفسير هو الصعود الكبير في الوقاية من الصراعات وإدارة الصراعات والتوصل لحلول سلمية عن طريق التفاوض ونشاطات بناء السلام بعد الصراعات التي حصلت خلال 15 سنة الماضية، علما بأن معظم تلك النشاطات تتم بقيادة الأمم المتحدة، التي يتم انتقادها كثيرا دون وجه حق. بالنسبة للسلام طويل الأجل منذ الحرب العالمية الثانية فإن التفسير المثير للاهتمام - وأنا أعتقد الأكثر إقناعا مع أن البعض قد يختلفون عليه- هو أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حصل تحول أساسي في الأعراف بين صناع السياسة عند القوة العظمى، فهم بعد أن شهدوا ويلات القرن الماضي لم يعودوا بكل بساطة يرون أية فضيلة أو نبل أو فائدة من شن الحروب، خاصة حربا نووية عدائية، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن نقع في حرب أو نزاع نووي، بسبب حادث ما أو خطأ في الحساب أو خطأ في النظام أو التخريب، لكن هذا التحول يقلل من ذلك الخطر بشكل كبير. لقد أشار رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفن رود، الذي يتكلم الصينية، في كلمة تعكس عمق التفكير ألقاها أخيرا في معهد بروكنجز في العاصمة الأمريكية واشنطن، إلى عدة سيناريوهات فيما يتعلق بمستقبل الصين خلال العقد المقبل، وهذه السيناريوهات تمتد من قيام الصين باتباع سياسات تعتمد على القوة وتستهدف الهيمنة على نصف الكرة الأرضية، وما هو أبعد من ذلك إلى قيام الصين بالتحاور الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء في آسيا من أجل استدامة وتعزيز النظام العالمي الحالي المبني على أساس القواعد والأحكام. بينما يقترح رود أن من الحصافة أن تحتاط البلدان لأسوأ السيناريوهات، يقول رود: إنه متفائل بشرط أن يحافظ بقية العالم على سياسة التحاور والتعاون مع الصين، فإن الرئيس القادم شي جينبينج وفريقه سيختارون عدم المجابهة. إن التوقعات المستقبلية في السياسة الخارجية، كما في الحياة نفسها يمكن أن تكون من العوامل التي تمنح الثقة والتفاؤل للناس. إن المتشائمين ينظرون للصراع على أنه أمر محتوم ويتبنون مقاربة متحفظة وتنافسية للغاية في مجال العلاقات الدولية. أما بالنسبة للمتفائلين فإن ما يهم هو الإيمان بغريزة التعاون ومحاولة تعزيزها على أمل أن القيم الإنسانية الجيدة ستسود في نهاية المطاف. إذا أردنا أن نغير العالم للأفضل فيجب علينا أن نبدأ بالإيمان بأن ذلك ممكن.
تعليقات