الرئيس الأمريكي أهمل التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي بقلم إدوارد لوس
الاقتصاد الآنديسمبر 27, 2012, 3:29 م 441 مشاهدات 0
قبل 20 عاما، توقع روس بيرو ذلك الصوت المدوِّي، المنبعث من عملية شفط تذهب بالوظائف الأمريكية إلى المكسيك. ومثل هذا العبوس لن يرحب بالإعلان عن مبادرة تجارية جديدة متوقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مطلع عام 2013 ـ ليست أكيدة بعد. وبعض الاقتصاديين سيتحدثون عما يعتبرونه الجوانب الإيجابية المحدودة من التوصل إلى اتفاق عبر الأطلسي بسبب الانفتاح القائم بين الشريكين، أو عن فشل تام بسبب كمْ العوائق الثقافية الحساسة والحواجز غير الجمركية التي لا تزال قائمة.
ولحسن الحظ، الفوائد الجيوستراتيجية للمبادرة التي من المحتمل أن يطلق عليها اسم 'الشراكة عبر الأطلسي' تحظي باعتراف متزايد لدى الجانبين. فبحلول عام 2030، سيتجاوز حجم الاقتصاد الآسيوي اقتصادي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين، وفقاً لتقرير أًصدره مجلس المخابرات القومي الأمريكي حول الاتجاهات العالمية. واستنادا إلى ذلك، كما يقول التقرير، يمكن أن يبدو العالم 'مماثلاً أكثر لهوبز وليس كانط'. ومن خلال العمل الآن، أي بينما لا تزال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمثلان نصف الاقتصاد العالمي، يستطيع الجانبان تحديد معايير عالمية من المرجح أن تتبعها قوى أخرى، بما في ذلك الصين. لكن بعد خمس سنوات ربما يكون الوقت قد تأخر كثيرا. وعلى حد تعبير مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، فإن الجولة ربما تكون 'استراتيجية لا تكتيكية، عالمية وليست ثنائية'.
ربما يبدو هذا الكلام خيالياً في وقت يتباطأ فيه النمو على جانبي الأطلسي - لاحظ نفور واشنطن المستمر حتى من استخدام كلمة 'تجارة' في هذا النوع من الصفقات. لكن مع هذا، فإن عام 2013 يمثل أفضل لحظة لمبادرة تجارية جادة للولايات المتحدة منذ انتخاب أوباما للمرة الأولى، لأن معظم الحكومات الأوروبية، بما في ذلك الفرنسية، وخصوصا الألمانية والبريطانية، متحمسة لمثل هذه الصفقات. وهناك ثلاثة أسباب تدعو للاعتقاد بأن الإعلان عن ذلك سيتم في وقت مبكر من عام 2013 - ربما حالما ينتهي أوباما من خطاب حالة الاتحاد في أواخر كانون الثاني (يناير) المقبل. وأول الأسباب هو أن بإمكان أوباما أن يروج لهذا الأمر سياسياً في الداخل. صحيح أن أوروبا يمكن أن تجلب السخرية، لكن لا يمكن لأحد في الولايات المتحدة أن يربطها بذلك الصوت الذي يشفط الوظائف. ومردُّ ذلك أن معدلات الأجور متشابهة إلى حد كبير عبر المحيط الأطلسي، في حين أن معايير العمل والبيئة بوجه عام أعلى في الاتحاد الأوروبي منها في الولايات المتحدة. وبالتالي ستجنب أوباما المواقف العدائية للنقابيين وأنصار البيئة التي عادة ما ترافق المفاوضات التجارية مع بلدان مثل كولومبيا. ونظراً لميل الجمهوريين للتجارة الحرة، فقد تكون هذه من القضايا النادرة التي من شأنها اجتذاب دعم الحزبين.
والسبب الثاني هو أن كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حاجة ماسة لمصادر جديدة للنمو. والطريق الواقعي الوحيد هو زيادة الإنتاجية. ونظراً لوجود عدد ليس بالكثير من الخيارات لخفض التعرفات الجمركية، فإنهما بحاجة إلى تبرير ذلك من خلال الوعد بأجندة أعمال طموحة حول تكامل السوق عبر الأطلسي، ما يعني أنها تهدف إلى 'التكافؤ'، أو الاعتراف المتبادل، فيما يخص المعايير التنظيمية والإنتاجية. مثلا، إذا تمت الموافقة على دواء من قبل وكالة الأدوية الأوروبية، فمن المتوقع موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عليه أيضاً. والأمر نفسه ينطبق على اللائحة المالية، والمعايير السمعية والبصرية، وإدارة الصحة سيئة السمعة التي تحافظ على معايير معظم الصادرات الزراعية الأمريكية أكبر من الاتحاد الأوروبي.
ومن السهل معرفة لماذا تثير مثل هذه الأجندة حالة من التشكيك - تذكروا كيف سيكون رد فعل الأوروبيين حيال صفقة تسمح بدخول الصادرات الأمريكية من الأغذية المعدلة وراثياً أو لحوم البقر المزودة بالهورمونات. ومع ذلك فقد عقد الاتحاد الأوروبي العزم على إظهار أنه جاد في ذلك. ففي الشهر الماضي تخلص الاتحاد الأوروبي من إحدى العقبات القائمة عندما تراجع عن اعتراضاته على واردات اللحوم الأمريكية الملوثة بحمض اللاكتيك، الأمر الذي أثار (كما يحدث) مخاوف لا مبرر لها من الآثار الجانبية. كذلك علق الاتحاد الأوروبي لمدة عام رسوما جمركية على الكربون المنبعث عن شركات الطيران الأجنبية ـ وهذا الأمر يشكل قلقا كبيرا لواشنطن.
ونظرا لتعقيدات صنع القرار في الاتحاد الأوروبي – نظام بروكسل 'اللعين' - فإن الولايات المتحدة تشعر بالقلق حيال ما إذا كانت أوروبا ستكون قادرة على إكمال الصفقة. لكن القلق نفسه ينطبق على واشنطن نفسها، لأن أوباما لم يسع للحصول على سلطات للتفاوض بنظام 'المسار السريع' ومن غير المحتمل أن يحصل من الكونجرس. وعلى كلا الجانبين البدء بالاعتراف بأنظمتهما السياسية الكابوسية – وهذا يمثل قفزة ثقة متبادلة. وحول موضوع الحماية الزراعية الذي يثير حالة من العصبية، ينبغي أن يعمل مناخ التقشف في مصلحتهما. فالوقت مناسب الآن لخفض الدعم.
وثالث الأسباب هو أن علاقات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تسير على غير هدى منذ سنوات عديدة. وباعتباره أول رئيس أمريكي باسفيكي حقاً، فمن غير المدهش تماما أن يكون هدف أوباما الرئيسي في السياسة الخارجية هو 'محور آسيا'. لكن التقدم المحرز على الجانب الاقتصادي سيكون على الأرجح عامل تعطيل. فمبادرة أوباما للتجارة مع آسيا، 'الشراكة عبر الباسفيكي'، تواجه صعوبات متزايدة. ومن الواضح أن الصين غير مرحب بها في هذا النادي – بكين تعتبر هذه الشراكة شكلا من أشكال الحصار الأمريكي. لكن حتى اليابان، التي طلبت الانضمام للشراكة في أيار (مايو) الماضي، لقيت استجابة فاترة من جانب إدارة أوباما. وإقناع الجمهور الأمريكي بالصفقات التجارية الآسيوية لن يكون أمراً سهلاً. لكن يمكن عقد صفقات فاترة مع الأوروبيين لأنهم يتشاركون القيم الأمريكية.
في اجتماع قمة مع قادة الاتحاد الأوروبي في براغ عام 2009، مرَّ أوباما بواحد من أكثر فترات بعد الظهر إثارة للضجر خلال رئاسته، عندما تلى القادة الـ 27، واحداً تلو آخر، بياناتهم المعدة سلفا. وتعلم من هذه الجلسة درساً مبكرا حول كيفية تنفيذ الحكومات الأوروبية لأعمالها. لكن فيما يخص التجارة، فإن الاتحاد الأوروبي يميل إلى العمل يدا واحدة. وكما تظهر الصفقة المبرمة في الآونة الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، فإن حكومات الاتحاد تميل إلى الوفاء بالمواعيد النهائية. ويصر مايك فرومان، كبير مستشاري أوباما للاقتصادي الدولي، وربما المدير المقبل للتجارة، على أن يكون أي إنجاز لأية جولة تجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 'عائدا بالنفع لكلا الطرفين'. وعلى النقيض من جولة الدوحة المشؤومة، التي استغرقت عشر سنوات من الفشل قبل أن تلقى حتفها، سيكون هناك موعد نهائي جاد وسريع للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - منتصف عام 2014، وهو موعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة وعشية الانتخابات التالية للتجديد النصفي في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من كل ما حدث من أخطاء في السنوات الأربع الماضية، إلا أن أوروبا كانت أكثر استباقية من الولايات المتحدة فيما يخص التجارة.
وكان تحرير التجارة الدعائم التي قام عليها العالم الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عهد أوباما عانت أجندة التجارة العالمية من إهمال جسيم، وكذلك علاقات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد حان الوقت كي يصحح كليهما.
تعليقات