امرأة ذات نفوذ تحل أزمة اليورو «خطوة خطوة» بقلم كوينتين بيل
الاقتصاد الآنديسمبر 25, 2012, 1:05 م 1017 مشاهدات 0
بالنسبة إلى امرأة يُنظر إليها في أرجاء العالم على أنها تقوم بفرض النظام، نظراً للمحاضرات التي تلقيها على شركائها الأوروبيين حول مخاطر الغرق في الديون، فإن أكثر الأشياء إثارة للدهشة في أنجيلا ميركل هو حسها الفكاهي، الذي تتعذر سيطرتها عليه. إنه شيء من الصعب أن تتوقعه من المستشارة الألمانية حينما تحييك على باب مكتبها بمصافحة عملية، وتسير بك بأناقة إلى طاولة عمل بسيطة، لا تضم سوى إبريق قهوة، لتقدم منه إلى ضيوفها.
العالمة السابقة – ابنة رجل الدين البروتستانتي، تربت في ظل الحكم الشيوعي في شرق ألمانيا، التي لا تقود فقط السياسات الداخلية لوطنها الذي توحد مرة أخرى، لكن أيضاً الأزمة التي لا تنتهي – إدارة الاتحاد الأوروبي – تتمتع بالهدوء والسيطرة. إنها تفكر ملياً قبل الإجابة عن الأسئلة، وتزن كلماتها بعناية.
في دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا في جنوب أوروبا، حيث يُلقى لوم معايير التقشف الصارمة على المستشارة الألمانية، تم هجاؤها من مظاهرات غاضبة على أنها نازية قمعية. مع ذلك فإنها تحظى بالاحترام في دولٍ عدة في شمال أوروبا – بما في ذلك دولة فرنسا الجارة – بما يفوق سياسييهم المحليين، طبقاً لمسح استقصائي حديث.
ويبدو أنها لا تلقي بالاً لأي الوجهتين. إنهم يطلقون عليها ''ماشتفرو'' أو – امرأة ذات نفوذ – بالألمانية، التي استطاعت أن تصل إلى القمة كدخيلة في عالم يهيمن عليه الرجال، حيث أزاحت كافة منافسيها المحتملين عن طريقها، وهي الآن تستمتع بتصنيفاتها التي تحظى بشعبية أكثر من أي سياسي آخر على الأرض. لكنها لا تحدد أي رؤى كبيرة، ولا تلقي أي خطابات عاطفية.
أفضل تعبيراتها هي ''خطوة خطوة''. وتعبير آخر هو ''لا يوجد بديل''. وفي السنوات الثلاث الماضية كان شعارها: ''إذا ما سقطت عملة اليورو، فستسقط أوروبا''. أصبح إصلاح أزمة اليورو مقياس اختبار كافة حياتها المهنية السياسية. إنه تحدٍ تاريخي، لكنها تعالجه كما لو أنه مشكلة علمية جوهرية يجب حلها، بعناد وثبات. أصرت على أنه ''لا يوجد توزيع من قبل الدولة للموارد المالية الفائضة لإنقاذ المصارف المتعثرة وغيرها'' حينما دعا رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بدون حكمة إلى هذا. اتخذت الأزمة المالية سنوات لتتمحور وستأخذ سنوات لكي يتم حلها، كما تقول. ''خطوة خطوة''.
وصِفت في لمحة عن حياتها الشخصية الأسبوع الماضي في مجلة ''دير شبيجل'' التي تميل لليسار – غير المعجبة بالسياسيين المحافظين – بأنها ''أمر واقع لا هوادة فيه''. إنها تلائم صورتها العامة، فدائماً ما ترتدي نفس مجموعة السترات والسراويل الملونة وذات الأزرار. كما أنها لا تلقي اهتماماً كبيراً للأزياء العصرية أيضاً.
وبعد، فإن الخطوط الناتجة عن الضحك التي ارتسمت حول عينيها تنم بإغراء ثابت عن الجانب الفكاهي في حياتها.
إعادة انتخابها الساحق
في مكتبها المطل على ميدان تعصف به الرياح في مبنى ''الرايخستاج'' في وسط مدينة برلين، هنأت المستشارة على إعادة انتخابها الساحق كرئيسة للحزب من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه – بنحو 98 في المائة من الأصوات في المؤتمر الحزبي السنوي في مدينة هانوفر.
كان الأمر لطيفاً للغاية وغير متوقع كما تقول. لا، إنها لم تكن محرجة تماماً. لكنها كانت ''مذهولة''.
لكن حينما أشرت إلى أن عديدا من السياسيين يخشون مؤتمرات حزبهم وسيفعلون أي شيء ليبقوا بمنأى، ردت علي بسرعة خاطفة: ''حسناً، هذا يكون صعباً إلى حد ما حينما تكون رئيس الحزب''. قالتها ونظرت لي مباشرة بعينيها الرماديتين الصافيتين، وبشبح ابتسامتها.
قد يكون مرحها هذا عابثا. فطبقاً لمن يعرفونها بشكلٍ أفضل، فإنها بارعة في التقليد فهي تحب أن تحاكي (في أوقاتها الخاصة) السياسيين الآخرين وقادة العالم الذين تعرفهم، مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والرئيس الأمريكي باراك أوباما.
تقول كاتبة سيرتها الذاتية، مارجريت هيكيل: ''لديها حس فكاهي جاف. فعلى انفراد من الممكن أن تكون مرحة إلى أقصى حد. بإمكانها أن تسلي جميع الجالسين في الغرفة بمفردها''.
بإمكان ميركل أن تستخدم حسها الساخر أيضاً لإحداث تأثير مدمر. ففي العام الماضي، حينما سئلت في مؤتمر صحفي في بروكسل عما إذا كانت ''تثق'' برئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو بيرلسكوني، لم تجب بشيء، لكنها رفعت عينيها إلى السقف ببساطة. ثم استدارت بابتسامة خبيثة إلى ساركوزي الواقف بجانبها، الذي ضحك بدوره – ثم أجابت برد دبلوماسي حذر. وبعدها بستة أيام استقال بيرلسكوني.
لا أحد يختلف بجدية على أن ميركل هي أقوى سياسية في أوروبا. أعلنت مجلة ''فوربس'' أخيراً أنها ثاني أكثر الأشخاص قوة في العالم بعد الرئيس أوباما. إنها منكرة لذاتها بشكل مناسب. وكرئيسة حكومة لأكبر اقتصاد في أوروبا فمن الطبيعي أن يعطي هذا ثقلا معينا لقراراتها كما تقول. لكنها لا تأخذ استطلاعات الرأي هذه على محمل الجد. تقول وهي تضحك مرة أخرى: إنها ليس لها علاقة بنشاطها السياسي.
وبعد سبع سنوات في المنصب كمستشارة ألمانية، و12 عاما كقائدة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فإن أنجيلا ميركل في ذروة قوتها. إنها أول امرأة تتقلد أياً من هذين المنصبين، وهو ما أثار دهشة مستمرة للرجال الذين تجاوزتهم خلال هذه العملية. إنها أيضاً ثاني أطول قائدة قومية خدمةً في الاتحاد الأوروبي، بعد جين كلود جونكر من لوكسمبورج.
يقول بيتر لودلو، المؤرخ من المجلس الأوروبي في بروكسل: ''عالم الأنجلو سكسونيين لا يفهمها، ولم يقم بتقديرها نهائياً نتيجة لهذا الأمر، لكن الناس يدركون ببطء أنها كانت في الجوار لوقت طويل وأن في يدها زمام الأمور''.
إنها ليست تجربة بسيطة، وهذا هو سر تأثيرها. يقول سفير أوروبي سابق: ''يساعدك الأمر إذا ما كنت أذكى الأشخاص على طاولة ما، وإذا ما كنت الأفضل استعداداً بشكل كبير''. وهذه خاصية تتشارك فيها مع مارجريت تاتشر، التي كانت عالمة هي الأخرى (درست تاتشر الكيمياء، في حين أن ميركل درست الفيزياء). لكن المستشارة لا تستمتع بمثل هذه المقارنة. فهي أقل تحفظاً بكثير من الناحية الأيديولوجية، وأقل حدة بكثير من رئيسة الوزراء البريطانية السابقة.
ولدت ميركل في مدينة هامبورج غرب ألمانيا عام 1954، وهي الابنة الكبرى لهورست وهيرلند كاسنر. نشأ أبوها في برلين وأمها من مقاطعة سيليزي، التي تتبع بولندا حالياً. لكن طُلب من أبيها أن ينتقل من الغرب الرأسمالي إلى الشرق الشيوعي نظراً لنقص القساوسة هناك. وكانت ابنته حينها تبلغ ستة أسابيع فحسب.
تنشئتها في الشرق وتدريبها العلمي هما عنصران جعلاها مختلفة وناجحة للغاية كسياسية. تقول هيكيل: ''إنها شكاكة للغاية، وقد يرجع هذا إلى خلفيتها كألمانية شرقية. نشأت في ظل ديكتاتورية، فما كان يتحدث عنه الناس في السر في منازلهم كان يختلف تماماً عما كانوا يقولونه في العلن''.
وحتى يومنا هذا، تبقى المستشارة حياتها الخاصة بمنأى تماماً. بالطبع كانت متأثرة بوالدها ووالدتها، هذا ما قالته على نحو مقتضب. كلنا نتأثر. لكنها لا تعتقد أن تأثير والدها كان حاسماً. فقد ورثت حسها الفكاهي عن والدتها. ما تذكره بولع عن حياتها المنزلية هو أن العمل والعائلة كانا مجتمعين في مكانٍ واحد. لم يغادر أبوها البيت للمكتب. كانت محادثات البالغين جزءاً كبيراً من حياة الأطفال. وما زالت تشعر بأن المنظر الخالي لإقليم أوكارمارك على البحيرة المترامية حول مدينة تيمبلين هو المكان الذي تشعر فيه بأنها في منزلها.
في المدرسة كانت دائماً الأولى على زملائها وربحت جوائز للروسيين. كما التحقت برابطة الشباب الشيوعي. وبالنسبة لبعض المحافظين في حزبها، ما زال هذا الأمر مصدر شك إلى يومنا هذا. في عام 1977 عندما كان عمرها 23 عاماً، تزوجت زميلاً لها، أورليك ميركل، وانتقلا إلى شرق برلين، لكنهما انفصلا في عام 1981. وقد احتفظت بالاسم على الرغم من أنها مع زوجها الحالي، يوآخيم زاوار منذ عام 1983. لم يرزقا بأطفال، لكن لديه ولدان من زواج سابق. إنه عالم وأستاذ كيمياء مرموق، لكنه نادراً ما يظهر في مهام مع زوجته، على الرغم من أنهما يحضران مهرجان واجنر الموسيقي في مدينة بيرويت كل عام، ويأخذان عطلاتهما للتنزه في تيرول.
يقول أحد مستشاري ميركل المقربين السابقين: إن أفضل متعة في العمل مع المستشارة الألمانية هو أنها تريد أن تفهم المشاكل – بشكل جوهري- وليس فقط ما تحتاج معرفته للنجاة لأسبوع قادم سياسياً. إنها أيضاً تعمل بجد على نحو رهيب، وتقوم بإرسال الرسائل النصية قبل الإفطار وبعد العشاء أيضاً. قد تجدها أيضاً تتحسس في حقيبة يدها للعثور على هاتفها النقال في وسط الجدال ''بالبوندستاج''.
وعلى الرغم من أن كل هذا معروف عنها إلا أن أنجيلا ميركل تبقى لغزاً في كل من برلين وبروكسل.
''ما السر وراء هذه المستشارة التي عليها أن تعيش مع العتاب الدائم بأنها امرأة بدون عاطفة سياسية؟'' هكذا سأل بيرثولد كولر، كاتب مقال في صحيفة ''فرانكفورتر'' المرموقة، بعد إعادة انتخابها الظافر في مؤتمر الحزب في هانوفر. وهذا التساؤل يغيظ ميركل بوضوح. إنه كما تقول متروك للمراقبين لكي يقرروه بأنفسهم. بإمكان أي شخص أن يدرك ما هي ''سماتها'' السياسية: إنها لا تستخدم كلمة ''عاطفة''. تحدي العولمة هو أحد هذه السمات، والحاجة إلى مزيد من التنافسية – خاصة في أوروبا – لمواكبتها هو أمر آخر.
بدأت في الحديث عن نفسها أكثر، مع النظر إلى الوراء إلى هذه اللحظة الاستثنائية عندما سقط حائط برلين في عام 1989. ''كان لنهاية الحرب الباردة تأثير كبير للغاية في حياتي. فلقد مثل انتصار الحرية على الديكتاتورية.'' إن ما رأته في انهيار الحكم الشيوعي في الجمهورية الديمقراطية الألمانية تحديدا هو ما شكل فكرها منذ ذلك الحين. ''لقد شهدنا في الجمهورية الديمقراطية الألمانية وفي النظام الشيوعي بأكمله أن نظاما اقتصاديا لم يعد يملك قدرة تنافسية كان يحرم الناس من الازدهار ويؤدي في النهاية إلى حالة بعيدة المدى من عدم الاستقرار''.
هل هذا كان سبب دخولها مجال السياسة؟ ليس بالضبط. فهي لم تكن أبدا مشاركة نشطة للغاية في ''الحركة المدنية'' التي أطاحت بالنظام الشيوعي. وعندما أنهار الحائط، ذهبت إلى ساونا. ووفقا لروايتها الخاصة، عندما وصلت إلى مكاتب ''الصحوة الديمقراطية'' (وهي واحدة من الحركات الأكثر تحفظا التابعة للكنيسة التي تم تشكيلها في ذلك الوقت) التابع للحزب، قامت بجعل نفسها مفيدة من خلال قيامها بإيصال أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم ببعضها بعضا. ولم يستطع أي شخص آخر فهم طريقة جعل أجهزة الكمبيوتر الغربية تعمل مع أجهزة الكمبيوتر الشرقية.
وجه نسائي في عالم السياسة
وقالت: إنها دخلت مجال السياسة لأنها كانت مقتنعة بأن ألمانيا الشرقية كانت بحاجة لأشخاص أكثر في البرلمان لم يكونوا أبدا نشطاء في المجال السياسي. وقد شعرت أيضا بالإثارة خلال هذه التجربة. ''لقد شعرت بأنه أمر مثير أن أكون عضوة في أول برلمان في ألمانيا التي أعيد توحيدها. وقد كانت هذه خطوة كبيرة بالنسبة لي أن أصبح عضوة منتخبة بحرية في البرلمان الألماني، إضافة إلى إمكانية إلقاء كلمة. ولم أفكر وقتها في شأن ما قد يتبع ذلك''.
وهي بالتأكيد لم تحلم بأن تتولى منصب المستشار الألماني. لقد عرض عليها هيلموت كول، المستشار، الذي كان يبحث عن وجوه شرقية، وظيفة ذات رتبة منخفضة في مجلس الوزراء، وكان يشير إليها باستخفاف على أنها ''داس ميدجن'' أو الفتاة. وهي، كما قالت في إحدى المرات، لم تعتبرها إهانة، لأنها كانت معتادة على التقليل من شأن المرأة في الشرق. ووفقا لجيرد لانجوث، وهو كاتب آخر لسيرة ميركل الذاتية، قالت ميركل لأحد الأصدقاء في ذلك الوقت: ''أتمنى ألا أحصل على وظيفة النساء المروعة هذه''، وقد حدث ذلك، حيث أصبحت وزيرة للمرأة والشباب. ويقول لانجوث: ''لم تكن مستمتعة''.
وفي ذلك الوقت، كما كان يحدث في ألمانيا الشرقية، كان أمرا جائزا أن ترى أنه لا توجد حاجة لـ ''سياسة نسائية''. فبعد كل شيء، في الجمهورية الديمقراطية الألمانية، كان 89 في المائة من النساء البالغات يعملن، مقارنة بـ 55 في المائة فقط في الغرب. ومنذ ذلك الحين، عانت ميركل من اتهامها بأنها غير متعاطفة مع استحداث سياسة نسائية أكثر استباقية بكثير. وفي الأشهر الأخيرة، تم انتقادها بحدة من قبل نساء –في حزبها وفي المعارضة– بشأن مجالين على الأقل: لمعارضتها مبادرة الاتحاد الأوروبي لتحديد حصة قانونية لمديري الشركات من النساء، وتأييد تحرك متحفظ من قبل الاتحاد الاجتماعي المسيحي في ولاية بافاريا –وهو حزب شقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي له– لإدخال نظام أفضل لبدلات رعاية الأطفال للأمهات اللاتي يبقين في البيت مع أطفالهن.
وترفض ميركل هذه الانتقادات، حيث تفوز بشكل متتابع بعدة مبادرات، منها ضمان وجود حضانة لجميع الأطفال تحت سن الثالثة، وهي مقررة في شهر آب (أغسطس) المقبل. لذا لماذا رفضت مبادرة في البرلمان الأوروبي لمنع تعيين رجل –إيف ميرش من لوكسمبورج– للمجلس التنفيذي في البنك المركزي الأوروبي؟ حيث لا توجد امرأة واحدة في مجلس الإدارة، أو في المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي.
و تقول: ''لدى ميرش المؤهلات التي يحتاج إليها المصرف المركزي الأوروبي بصفة عاجلة للغاية. فلماذا يتم التوقف عن ضمه فقط لأنه ليس امرأة؟ ''في ألمانيا، تحتل منصب نائب رئيس مصرف باندسبانك (المركزي) امرأة كما هو الحال مع منصب رئيس الهيئة الاتحادية للرقابة المالية. وهذه الأمثلة تظهر أن النساء يحتللن بالفعل وظائف على أعلى مستوى، وأنه يتعين على المزيد اتباع خطاهن''. وبالفعل، تصرح بأنه عندما يتم إنشاء المشرف الأوروبي الجديد على الأعمال المصرفية –جزء من اتحاد مصرفي أوروبي، لا يزال وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي يتفاوضون بشأنه– سيكون هناك مزيد من الوظائف العليا للنساء.
وتقول: إن الإجابة ليست تحديد حصص قانونية ولكن تشجيع عدد أكبر من النساء على التوجه لتولي أدوار من المرتبة الوسطى، بحيث يصبحون مستعدين للصعود للوظائف العليا، قبل أن تذكر دون توقف عدد وزراء الدولة من النساء –وزراء يحتلون مراتب أدنى– في حكومتها: ستة أو سبعة، بينما قبل لم تكن هناك وزيرة واحدة امرأة.
وبالنسبة للمسألة الكبيرة الأخرى في سياسة النساء في ألمانيا –وهي ما إذا كان يجب إنشاء حصص قانونية أو طوعية للنساء في مجالس إدارة الشركات- تبدو ميركل أيضا متقلبة في رأيها. فلقد صرحت في مؤتمر هانوفر بأن صبرها بدأ ينفد بشأن الافتقار للإجراءات الطوعية من قبل القطاع الخاص. وتقول إنهم إن لم يستجيبوا بشكل أسرع فسيكون من الضروري إصدار تشريع.
إدارة الأزمة الأوروبية
و ينظر منتقدو ميركل لترددها بشأن قضايا مثل سياسة النساء كمؤشر تقليدي على افتقارها لقناعات سياسية عميقة، مصحوبا بحاسة تكتيكية حادة تمنعها من توضيح تفاصيل كثيرة للغاية لسياسة قبل أن تتأكد من أنه يمكن تحقيقها. وقد أدان كرت لوك، رئيس مجلس أعمال الاتحاد الديمقراطي المسيحي، خلال فترة طويلة رفضها توضيح سياساتها (وميولها) بشكل أكثر وضوحا، خاصة فيما يتعلق بإدارتها للأزمة في منطقة اليورو. ويقول: ''فيما يتعلق بأوروبا، لا تكون أبدا واضحة. وهذه هي نقطة قوتها وضعفها على السواء. فهي لا توضح إلى أين تريد أن تمضي، ولكنها تدفع في الخفاء نحو الاتجاه الصحيح. لذا لا يقتنع أحد.
''لقد دفعت بأوروبا لتدخل برنامج إصلاح هيكلي ذا أبعاد لم يسبق لها مثيل، ولكن في نفس الوقت لا توجد رؤية للمكان الذي يجب الذهاب إليه. وسيتم تقييمها من خلال الرؤية''.
ومع ذلك، يبدو أن نهج ميركل تحديدا الذي يقوم على التعامل مع مسألة وبعد ذلك مسألة أخرى بنظام ثابت من أجل وقف الأزمة في منطقة اليورو يلقى استحسانا لدى الناخبين الألمانيين وسيساعدها على الأرجح في الانتخابات العامة في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل. ويقول أحد السفراء الأوروبيين في برلين: ''إنها تحتل القمة في استطلاعات الرأي تحديدا بسبب سياستها في التعامل مع الشؤون الأوروبية. فهي قادرة على أن تكون مؤيدة لأوروبا وأن يتم اعتبارها مدافعة عن المصالح الألمانية في الوقت نفسه. وهذا ما يريده الناخبون الألمانيون. ومن وجهة نظر انتخابية، سيفيدها استمرار أزمة منطقة اليورو''.
وبفضل شعبية ميركل في الداخل، يتقدم حزبها بتسع نقاط تقريبا على المعارضة الرئيسية، الديمقراطيين الاجتماعيين. وبالنسبة للشعبية الشخصية، فإن 60 في المائة سعداء بها، في مقابل 48 في المائة يؤيدون منافسها الرئيسي، بيير شتاينبروك.
ومع ذلك، فإن ميركل ليس لديها شريك ائتلاف واضح، حيث يعمل الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي تحت 5 في المائة، وهي الحد الأدنى للفوز بأي مقاعد في البرلمان الألماني. لذا فقد تضطر للدخول في ''ائتلاف كبير'' مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، أو تحالف غير مجرب مع حزب الخضرالمدافع عن البيئة. وسيكون من الصعب الدخول في أي منهما. ولا تستبعد ميركل أيا منهما تماما أيضا.
وهي تعي تماما أن السياسة الألمانية تتعلق بالكامل ببناء التوافق والتحالف. وهذا أحد الأسباب التي جعلتها تتجنب الالتزام السابق لأوانه بسياسات قد لا تكون قادرة على تحقيقها. وهذا أمر يثير الغضب ولكنه فعال. لقد تعلمت من هيلموت كول ''الجلوس خارج'' المناقشات التي لا تنتهي حتى يظهر توافق.
''يعتبر التماسك الاجتماعي مهما جدا للناس في ألمانيا. ويعني نظامنا الفيدرالي أن الاختصاصات في ألمانيا يتم توزيعها بين المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات (الولايات الفيدرالية الست عشرة). وعلى الرغم من أن ذلك في بعض الأحيان يجعل السياسة شاقة، فإن هذا إحدى نقاط قوة دولتنا أيضا، وهي القدرة على إيجاد حلول جيدة للمشكلات، وبالنسبة لألمانيا، عبر خطوط الأحزاب''.
وهو نظام يعني أن الأحزاب السياسية لا يتم النظر إليها تلقائيا على أنها العدو، لأنها قد ينتهي بها الحال دائما كشركاء محتملين. ومن خلال الجمهورية الديمقراطية الألمانية، تعلمت التغطية على مشاعرها الداخلية، كما يقول جيرد لانجوث، وقد نتج عن هذا أيضا كراهيتها العميقة لامتلاك أيديلوجية من أي نوع.
ولديها دائرة ضيقة للغاية من أهل الثقة الحقيقيين، والذين تتم الإشارة إليهم بطريقة قاسية من قبل معلقي الإعلام (الرجال) في ''معسكر البنات''. والأعضاء الأكثر أهمية هم بين باومان، رئيسة مكتبها الخاص منذ عام 1992، وإيفا كريستيانسن، التي كانت في يوم ما المتحدثة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وهي الآن مستشارة رئيسية.
وتعتقد مارجريت هيكيل أن خلفية المستشارة كعالمة هي ما يجعلها مختلفة بالنسبة لزملائها من السياسيين. ''إنها تفكر فيما هو أبعد في المستقبل وتوصل إلى الخيارات، أكثر بكثير من السياسيين الآخرين. وهي تحاول بالفعل أن تكون مستعدة لجميع الخيارات الممكنة. ولا أعرف أي سياسيين رجال يعملون هكذا''. وتصر المستشارة على أنها لا تزال تستمتع بالعملية السياسية. وما هو الشيء الممتع في السياسة؟ ''لا تعرف في الصباح ماذا سيحدث في المساء. حقيقة إن الأحداث دائما ما تجعلك تواجه مواقف جديدة. فأنت تقابل أشخاصا جددا طوال الوقت، وأنا أهتم جدا بالناس. فالشيء الوحيد الذي كنت أكرهه في كوني عالمة هو عدم امتلاك فرصة كبيرة للحديث مع الآخرين خلال اليوم''.
وميلها الآخر في مجال السياسة هو ''حل المشكلات.. بنية خالصة، وبعض الإبداع''.
ولا يزال يتم اعتبار أنجيلا ميركل ''الفتاة التي أتت من الشرق'' من قبل كثير من الرجال الذين كانوا يسيطرون على حزبها في الماضي. فهي تعتبر دخيلة لم تستطع أبدا تطبيق ما تريد في نظام الحزب. وليس لديها قاعدة شعبية. ويقول لانجوث: ''إنها محترمة وليست محبوبة. فعندما يأتي اليوم الذي تخسر فيه منصبها كمستشارة، سيتم إخراجها على الأرجح من زعامة الحزب بسرعة كبيرة''.
ولكن في الوقت الراهن، تصبح حرة، ولكن مع إحساس حاد بحدود سلطاتها. وتقول: ''السلطة نسبية في النظام السياسي الألماني. فكل شيء قائم على سلطة إقناع الآخرين. فعلي أن أقنع باستمرار المواطنين، وحزبي، وشركائي في الائتلاف''.
وهذا سبب آخر يفسر لماذا هي مؤثرة للغاية في السياسة الأوروبية، أيضا. إنها لا تستسلم أبدا، ولا تعتبر أبدا النكسة هزيمة.
تعليقات