عن هموم المسرح الخليجي!!.. يكتب خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 1430 مشاهدات 0


الوطن

أفكار.. وأضواء  /  هموم المسرح الخليجي

خليل علي حيدر

 

لا تعترف الثقافة العربية المعاصرة حتى الآن بأي قيمة فكرية أو إضافة إبداعية للمسرح الخليجي
لا يختلف اثنان حول الدور المهم الذي تلعبه الفنون جملة والمسرح والسينما خصوصا في تطوير المجتمع
حضرتُ جانباً من مهرجان الكويت المسرحي الثالث عشر، 19-10 ديسمبر 2012، وكانت الفعالية ندوة فكرية عن «دور المهرجانات المسرحية في دول مجلس التعاون في تطوير الحركة المسرحية الخليجية». وقد قُدمت فيها مجموعة من اوراق الباحثين المسرحيين الأساتذة اسماعيل عبدالله وسامي جمعان وسليمان الحزامي وعماد الشنفري ومحمد مبارك بلال ويوسف حمدان.
ولا يختلف اثنان في الدور المهم الذي تلعبه الفنون جملة، والمسرح والسينما على وجه الخصوص في تطوير المجتمع، ولاشك ان الندوات والمهرجانات الدورية في البلدان الخليجية والعربية منذ فترة ليست بالقصيرة، باتت ترسم اسس الوعي الثقافي في هذا المجال، بما تتيحه من فرص الاحتكاك والتعارف وتبادل الخبرات وعرض نماذج من التجارب الريادية من الفنون المسرحية. وقد حاول مهرجان الكويت هذا العام بان يدرس هذا الجانب الدوري في اللقاءات الخليجية، وما ينجم عن هذه المناسبات الثقافية.
لفت نظري كثيراً ان كتاب مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، الذي اصدر قبل عام او اكثر في اغسطس 2011 موسوعة كبيرة بعنوان «الثقافة العربية في القرن العشرين»، في اكثر من 1450 صفحة، لم يكترث على الاطلاق بالمسرح الخليجي، ولم يشر اليه من قريب او بعيد، رغم ان الكتاب الموسوعي تحدث عن المسرح العربي بشكل شامل في نحو 170 صفحة.
وقد تحدثت الموسوعة التي اشرف على تحريرها د. عبدالإله بلقزيز عن مسرح توفيق الحكيم ونجيب الريحاني ويوسف وهبي ونعمان عاشور ومحمود دياب وميخائيل رومان ونجيب سرور وجواد الاسدي، وفي الفهرس ذكر للمسرح التراثي والمسرح الرحباني ومسرح الشعب في سورية والمسرح الشعري والمسرح الغنائي والمسرح القومي والمسرح النقدي التحريضي والمسرح الوطني الفلسطيني. فهل كل ما قام به المسرحيون الكويتيون والبحرينيون والاماراتيون وغيرهم كان دون المستوى المتوقع، او كان خالياً من القيمة الثقافية، او ان الخليجيين فشلوا فشلاً ذريعاً في تقديم رؤية مسرحية عميقة لواقع مجتمعاتهم ونوعية مشاكلهم؟ فنحن نرى روايات سعودية وكويتية واشعار بحرينية وعُمانية ذات جوهر ثقافي متماسك، وفيها كما يقول نقاد الادب، اضافة حقيقية للثقافة العربية، ولكن هل هناك كتابات مسرحية خليجية ابداعية بالمستوى نفسه، تصل الى مستوى المدارس المسرحية المصرية والسورية مثلاً؟ واذا كان الكتاب الخليجيون قد فشلوا حتى الآن في هذا المجال الابداعي، او كان نتاجهم مجهولاً الى هذا الحد، بحيث تغفل الاشارة اليه موسوعة الثقافة العربية المشار اليها، فمن المسؤول؟ وأين التقصير؟ ولماذا لا يتطور الابداع الادبي في هذا المجال؟ ولماذا لا تبحث المهرجانات المسرحية هذه المشكلة؟
ورقة اسماعيل عبدالله عرضت تجربة دولة الامارات وايام الشارقة نموذجاً. واشارت على وجه الخصوص الى «التطور المتصاعد على مستوى الكتابة المسرحية خصوصاً»، واضافت ان ابرز اسباب النهضة المسرحية في الامارات عموماً، وتطور مستوى الكتابة، «وجود شخصية عاشقة للمسرح متمثلة بالكاتب المسرحي صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الاعلى لاتحاد دولة الامارات حاكم الشارقة». وقال ان مسيرة النص المسرحي في الامارات مرت بأربع مراحل كانت الاول مابين 1958 – 1979، حيث كان بين مسرحياتها التي اتخذت خطاً قومياً حماسياً مسرحية «نهاية صهيون» للشيخ د. سلطان القاسمي عام 1958، حيث تسببت «في خروج اول مظاهرة شعبية مناهضة للاحتلال البريطاني بعد عرض المسرحية مباشرة ادت الى ايقاف عروضها من المعتمد البريطاني آنذاك».
وكانت المرحلة الثانية 1980 – 1989 مرحلة انطلاق المسرح الاماراتي الى الافق العربي بل وتجربة المفاهيم العالمية. غير ان الكتاب، يقول مقدم الورقة، «عن توطين وتبييء تلك الاعمال». ويقول ان هذا الانقلاب المسرحي «جر الويلات على المسرح والمسرحيين واثخن جسد المسرح المحلي بجروح لم يتعاف منها الا مع بداية الالفية الجديدة». وقد انفتح المسرح الاماراتي على المهرجانات المسرحية العربية الكبرى، وذهب بعض المسرحيين الى الدراسة في الخارج، وولدت ايام الشارقة المسرحية عام 1984. ومن تجارب هذه المرحلة البارزة تجربة المسرح الحر بجامعة الامارات، مثل مسرحية «الصراخ» للشاعر أحمد راشد الثاني في عام 1981، ومسرحيته الثانية «الارض بتتكلم أردو». ويعتبر اسماعيل عبدالله هذا العمل «أجرأ نص مسرحي اماراتي الى يومنا هذا، حيث شكلت اول ناقوس من خطر دق في وجه التركيبة السكانية».
وكانت المرحلة الثالثة 1989 – 1993، وقفة تأمل امتدات اربع سنوات، اكشتف خلال مسرحيو دولة الامارات «انهم يغردون خارج سربهم الاجتماعي». اما المرحلة الرابعة فهي ممتدة من عام 1994 حتى اليوم، حيث استعاد النص المسرحي المحلي مكانته وبريقه، «مع ميلاد جيل جديد من الكتاب المسرحيين المحصنين برؤى استشرافية ومَعين فكري وثقافي». ويتحدث عن ايام الشارقة المسرحية وبخاصة مسرحية «بنت عيسى» لناجي الحاي التي فازت بعدة جوائز. وقد كتب الشيخ د. سلطان القاسمي مابين 1998 – 2012 ثمانية نصوص مسرحية، وبرزت كذلك اعمال سالم الحتاوي ومرعي الحليان وعبدالله صالح واسماعيل عبدالله نفسه.
وتتسم ورقة الاستاذ اسماعيل عبدالله التي نعرض هنا بعض مافيها، باهمية مرجعية حيث تتضمن كشفاً فهرسياً مفصلاً بكل المسرحيات الاماراتية وسنوات عرضها مابين 1980 – 2009، وعددها 243 عملاً مسرحياً.
ويقول عن دور المهرجات المسرحية في دولة الامارات انها خلقت الكاتب المسرحي وولادة الاقلام الجديدة، واسهمت في عرض نتاجهم على الخشبة وبروز التنافس بينهم، كما وفرت «فرصة احتكاك القلم الاماراتي بالآخر». غير ان مقدم الورقة يشير الى التأثير السلبي للجائزة المسرحية التي فتحت الباب «امام نصوص تعاني من ضعف فني واسس لحالة من الاستعجال والاستسهال»، وفرضت بعض الفرق على الساحة كتاب مسرح «كل مؤهلاتهم انهم اعضاء نافذون في مجالس ادارات تلك الفرق».
وعرض الدكتور السعودي سامي الجمعان، وهو باحث وكاتب مسرحي وشاعر وناقد في المسرح والرواية دراسة عن «المهرجانات المسرحية في دول مجلس التعاون»، ابرز خلالها انعكاسات هذه المهرجانات على مجال النقد. ولا مجال هنا للاسف لعرض ورقته، غير انها لم تتناول نماذج من الواقع المسرحي في المملكة العربية السعودية التي اكد في ردوده على مداخلات الحاضرين، ان هذا الواقع يعيش انتعاشة ملحوظة.
وقد اتاحت ورقته واوراق الآخرين الحديث عن مصاعب الكتابة النقدية في وسائل الاعلام الثقافية الخليجية. فلا احد يتقبل النقد، والكل يعتبر اي انتقاد مساً بشخصه، او كما ذكر الاستاذ علاء الجابر «الخلاف يفسد للود قضية»! ولاشك ان هذه الملاحظة في محلها تماماً، وكم وقعت معارك ونشبت خلافات من كل لون في الصحف والمؤسسات الثقافية والمنتديات الادبية بسبب هذه الخلاف والنقد. وقد يكون هذا التوجس في المثقف والكاتب الخليجي من ابرز اسباب عدم انتباهه الى نواقصه ونقاط الضعف في انتاجه. ولا يبرر هذا التقوقع والخوف من النقد تجاهل المراجع الثقافية العربية للعطاء الخليجي، ولكن على ادباء وكتاب الخليج العربي ان يدركوا كذلك ان قانون التنافس والصراع تسود مجال الادب والفكر والابداع.. كأي مجال آخر.
ولو تأملنا الثقافة الخليجية على وجه العموم لوجدناها غير مرتبطة بواقعها الاقتصادي الذي يبزّ البلدان المتقدمة من ناحية متوسط الدخل ومستوى المعيشة، إذ ان واقعها الاجتماعي – التشريعي مرتبط اشد الارتباط بالمجتمعات الزراعية والرعوية و «العالمثالثية»، وبخاصة من ناحية القيم والعلاقات بين الجنسين والمفاهيم السائدة وغير ذلك.
ولعل هذا الانقسام بين عالمين ومنظومتين من القيم من بين الاسباب الرئيسية في ضبابية الهوية الثقافية وبخاصة على مستوى العطاءين الفكري والفني.
المسرحي العماني عماد الشفري خصص ورقة لدراسة تجربة عمان في مجال الاخراج والعمل المسرحي. ومن الاشكاليات التي اشار اليها ضعف الموازنة المالية المخصصة للعمل، وقلة المحترفين والمسارح، وغياب التقنية على خشبة المسرح، والرقابة على النص. فهذه الاخيرة، يقول، «أحد العوامل المحبطة للمخرج المسرحي، والذي يجد نفسه بين امرين اسهلهما مرّ، وهما حذف ما تم حذفه من لجنة الرقابة او التحايل عليه بتغيير النص.. وفي كثير من الاحيان تكون عاملاً كبيراً في سقوط العرض المسرحي نظراً لتفكك بنيته النصية».
ومن الكويت قدم الكاتب المسرحي المعروف الاستاذ سليمان الحزامي رؤيته لمشاكل الكتابة في مجال المسرح الخليجي، فقال «ان المهرجانات المسرحية التي تنظم في دولنا بمنطقة الخليج.. لاتهتم بالنص بالشكل المركز المستحق، فمبدأ المشاركة في المسابقة المسرحية يتغلب على مبدأ تقديم النص ذي الطرح الملبي لحاجة فكرية حقيقية تتناسب مع قضايا ملحة. «واضاف قائلاً، اذا استثنينا القليل، فما يقدم في كثير من الاحيان تجارب تفتقر في احيان كثيرة الى النضج. وطالب بوضع معايير واضحة للجان الرقابة، وعدم «الحجر على الفكر الدرامي للكاتب». وقال منتقداً الكتاب المسرحيين في المهرجانات بان «الكاتب تكون عينه على الجائزة، وفي حالة عدم تحقيق هذا النجاح فان الركود واليأس أمران واردان وبقوة».
وعالج د. محمد مبارك بلال، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت حتى عام 1994، في ورقته «اشكالية تطور الخطاب لهذه الاشكالية» عدم وجود بيئة مسرحية خلاقة » و «تراكم خاطئ لمفهوم النقد المسرحي». وتحدث د. بلال عن دور النقد الصحافي وتطوره مع انتشار الصحافة، وقد ظل الجانب الانطباعي هو السائد، ثم هيمنت تبعية النقاد للصحف، وتحول النقد الى مقابلات مع الفنانين ونشر اخبار المهرجانات الخليجية، وادى غياب النقد الى انتاج مسرح اعرج، واشار الى استمرار الجديد لدى بعض النقاد «الذين مازالوا يمارسون دوراً مهماً في المحافظة على حركة النقد المسرحي، مثل ليلى أحمد وعبدالستار ناجي وعبدالمحسن الشمري وصالح الغريب». وهناك مجلات فصلية محكمة تدعم هذا المجهود النقدي مثل مجلة البيان ومجلة جامعة الكويت وعالم الفكر وعالم المعرفة وسلسلة من المسرح العالمي.
وقال في ختام ورقته ان ثمة العديد من الجوانب السلبية المؤثرة على تطوير مخرجات النقد المتعلق بالمهرجانات الخليجية وبخاصة جانبها التنظيمي وكذلك «حصر المشاركة والدعوات الخارجية على بعض الوجوه، غالبها من الاداريين». اما الجوانب الايجابية لهذه المهرجات فهي مشاركة بعض الكفاءات البارزة من خلال تقديم البحوث والمساهمة في الحوار والمداخلات، «او بالجلسات النقدية على العروض المسرحية».
يمكننا بعد هذا العرض الموجز لبعض الافكار في أوراق مهرجان الكويت المسرحي الثالث عشر، ان نشير الى بعض النقاط.
-1 لا تكاد الثقافة العربية المعاصرة ان تعترف حتى الان بأي قيمة فكرية او اضافة ابداعية حقيقية للمسرح الخليجي في هذا المجال. وقد يحتاج الاخوة المسرحيون الى ندوة خاصة للنقاش والتداول في الامر.
-2 تلعب هذه المهرجانات مثل سائر اللقاءات الثقافية والمناسبات الفنية على الصعيد الخليجي او العربي، دوراً مهماً في مجال التعارف والتقارب وتبادل الخبرة ودعم الحركة المسرحية في دول الخليج خاصة، ولكن كل النقاد يطالبون بجعلها اكثر عمقا وجدية، وابعد عن الانتفاع واستغلال النفوذ الاداري.
-3 يزداد الشعور بالحاجة الماسة الى تطوير اماكن العرض والاستعدادات الفنية والتقنية.
-4 ضرورة طباعة النصوص المسرحية الخليجية، وتشجيع الكتاب على التعمق والارتقاء في وضع نصوص ذات قيمة ثقافية منافسة على الصعيد العربي.
-5 الارتقاء بالنقد المسرحي ومصارحة الكتاب والممثلين والمخرجين بمستوى اعمالهم من الزواية الثقافية والفنية وابتعاد الكتاب والفنيين عن الحساسية المفرطة في التعامل مع النقد والتقييم.
-6 دعوة بعض المسرحيين الآسيويين والاجانب لحضور المهرجانات المسرحية الخليجية والعربية.
-7 ونترك الجوانب الفنية.. لأهل الاختصاص!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك