الوزير الجريئ، وحرق المستقبل العربي!
الاقتصاد الآنديسمبر 20, 2012, 6:02 ص 2556 مشاهدات 0
المهندس أسامة كمال وزير البترول والثروة المعدنية المصري هو الوزير الجريء، والذي قال 'نحن نعيش على أرض تحترق في ضوء الاستهلاك البترولي الحالي الرهيب وأصبح استيراد المنتجات البترولية مصروفات بلا ايرادات'.
(الأهرام 5 / 12 / 1012)
وهو أول وزير عربي عضو في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول يتكلم ولأول مرة بصراحة وشفافية عن سياسة حرق الأرض وحرق مستقبل الأجيال القادمة من دون وضع قيود وضوابط علي نمط الاستهلاك المفرط على المنتجات والمشتقات البترولية، ليس فقط في مصر ولكن في جميع الدول العربية، سواء كانت من الدول المنتجة أو من الدول المستوردة للنفط .
واقع حرق مستقبل الأجيال القادمة أضعاف مضاعفة من الدول العربية الكبرى المصدرة للنفط باستهلاكها الهائل من النفط والمشتقات النفطية ومن الغاز ومن دون استثناء، لتشمل المملكة العربية السعودية والامارات والعراق والكويت وكذلك ايران .
ويبلغ اجمالي استهلاك الدول العربية من النفط المكافئ مابين 14 الى 15مليون برميل يوميا، في فترات الذروة تحديدا فترة الصيف مع قمة الاستهلاك من الكهرباء والماء، ويبلغ استهلاك السعودية حوالي 5 ر 4 مليون برميل وهي أكبر دولة مستهلكة عربية، تليها مصر بحوالي 2 مليون ثم الامارات المتحدة العربية 7 ر 1 مليون برميل في اليوم، وأخيرا السودان وبحوالي 140 الف برميل في اليوم، في حين يبلغ استهلاك العراق المحلي الآن حوالي مليون واحد من المنتجات النفطية، الا ان هذا سيتضاعف في خلال الأعوام القليلة القادمة، وسيزيد عن 5 ملايين برميل في خلال 10 سنوات القادمة، اذا ماهدأت واستقرت الأمور السياسية وعادت الحياة الطبيعية في جميع أنحاء العراق .
من المتوقع أن يتضاعف استهلاك الدول العربية بعد 10 سنوات من الآن نمط الاستهلاك الحالي و الذي يترواح مابين 5 الى 9% سنويا وهو الأعلى في العالم، ومن المتوقع في السنوات السنوات القليلة القادمة ستهدر أكثر من 50% من طاقاتها الإنتاجية محليا، ويبلغ اجمالي ماتنفقه الدول العربية على استهلاك النفط المكافئ أكثر 550 مليار دولار سنويا.
حكومات جميع الدول العربية تدعم هذه الأسعار بكل فخر واعتزاز، وتصر على عدم رفع الأسعار أو خفض الدعم الحكومي، ولاتستطيع ولا تعرف حول كيفية ان تتعامل مع شعوبها بكل شفافية و صراحة كاملة حول الأسباب الحقيقة وراء رفع أسعار الكهرباء، ورفع أسعار المشتقات النفطية. والأردن مثال صارخ حي وقرار الحكومة المصرية الأخير بالغاء قانون زيادة الضرائب مثال آخر للخوف ومن عدم المصارحة.
ويكلف الاقتصاد المصري حوالي 17 مليار دولار لشراء المنتجات النفطية من الخارج، وهذا يعادل أكثر من 3 أضعاف مدخول قناة السويس السنوي، بحيث تشتري الدولة الطن الواحد من مادة الديزل ( السولار ) بحوالي 6000 جنيه مصري من الخارج، لتبيعه على الجمهور ب 1000 جنيه، وسعر الليتر الواحد من الديزل في مصر أرخص من الكويت وقطر والعراق و الجزائر، وتونس والبحرين، وكذلك أسعار وقود السيارات.
ومن أين ستحصل مصر على هذه الفروقات ومن سيعوضها وما مصادر الدخل لتعويض وسداد هذه الفواتير المكلفة ومصادرها المالية محدودة جدا، وقد تكاد ان تكفيها لدعم فاتورة الغاء من رغيف الخبز والطحين وزيوت الطبخ، حيث مدخولها من النفط في حدود 6 مليار دولار ومن قناة السويس لا يتجاوز 5 مليار دولار ومن السياحة لا تتجاوز ايضا 6 مليار دولار، أي أن هذه الايرادات تكاد ان تغطي فاتورة استيراد المنتجات والمشتقات النفطية بالاضافة الى الغاز الطبيعي، ماتبقى أي فائض مالي فإنها ستذهب لدعم فاتورة الغذاء من الطحين والخبز وزيوت الأكل .
والحل دائما يكون بترحيل هذه الفواتير المتراكمة على الحكومات القادمة والمتعاقبة كما تعمل حكومات دولنا العربية حاليا، خاصة وان أسعار النفط في تزايد وكذلك عدد السكان .
هذه الأرقام الكبيرة المذهلة من دعومات في مجال الطاقة تنطبق على جميع الدول العربية وعندنا مثلا في الكويت فقيمة دعم الكهرباء فقط يتجاوز 12 مليار دولار سنويا وفي تزايد، حيث كلفة انتاج جالون واحد من الماء 24 دولار وتبيعه على المواطن بأقل من 3 دولارات.
وهذه التراكمات المتزايدة على النمط الاستهلاكي من دون ضبط أو قيد سيؤدي الى قتل اقتصاديات جميع دولنا العربية، وسيكون اعتماد دولنا على قروض مالية أجنبية تدفعها بشروط قاسية وتدخلات مباشرة حول كيفية ادارة شؤوننا الداخلية، والى متى سنعتمد على القروض الخارجية وهل من حلول من الممكن ان نتعايش معها ومن دون أن تأثر على مجرياتنا الاقتصادية.
الوزير المصري هو المسؤول العربي الوحيد الذي يذكرنا وباستمرار سواء بالاعلام المحلي والخارجي بخطورة اهدار هذه الطاقة المكلفة والباهظة الثمن على اقتصاديات جميع الدول العربية اعلاميا محليا عربيا وخارجيا، في حين تتجاهل الدولة هذا النداء ولم نجد أي تجاوب شعبوي من الداخل، لكن ماعلى الوزير سوى تكثيف وزيادة الجرعات الاعلامية، وتجاوب الاعلام المحلي من جميع أطيافه لأن هذه هي مشكلة مصيرية ولا تفرق بين أطياف المجتمع والتركيبة السكانية هي تمس الكل ولا تفرق بينهم، ليست أرض مصر هي الأرض الوحيدة التي تحترق لكن كل أراضينا العربية تحترق وستحترق في ضوء استهلاكنا المتزايد على الكهرباء والنفط من دون رادع من تقنيين او من ترشيد.
ونقترح على وزير البترول المصري أن يطلب من زملائه في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول بمشاركته بتفعيل آلية توعوية مشتركة بين حكومات وشعوب دولنا العربية، بتقنين الاستهلاك .
وختاما هل أحد منا يصدق بأن أسعار المشتقات النفطية في مصر أرخص حتى من بعض الدول النفطية العربية الكبري المصدرة للنفط، ألم يحن الوقت لوقف حرق المستقبل وحرق أموال الأجيال القادمة .
كامل عبدالله الحرمي
كاتب ومحلل نفطي مستقل
تعليقات