الحكومات السابقة عجزت عن فهم الحراك الشبابي.. برأي وليد الجاسم
زاوية الكتابكتب ديسمبر 14, 2012, 12:18 ص 865 مشاهدات 0
الوطن
المشاكل.. السؤال.. التحدي: هل تستطيع الحكومة؟ هل تستطيع وزارة الشباب؟
وليد جاسم الجاسم
إذا كانت على الحكومة الجديدة مسؤولية كبرى في احتواء الناس واستعادة ثقتهم المفقودة فيها كما قلنا بالامس، وهي ثقة مفقودة عند الجميع (الأزرق والبرتقالي)، فإن وزارة الشباب التي يتولى حقيبتها الوزير الشاب (نسبياً) الشيخ سلمان حمود الصباح تتحمل دوراً بالغ الأهمية والخطورة، وأتمنى أن تُعبّد الطرق أمامه ليتمكن من العبور بها الى بر الأمان علماً بأن مجرد التفكير في استحداث هذه الحقيبة يعني أن الحكومة فكرت (صح) وتعلم ان هناك مشكلة كبرى مع الشباب (الذين يمثلون اليوم أكثر من نصف المجتمع)، ويجب حل هذه المشكلة.
بادئ ذي بدء لابد من القول إن الحكومات السابقة قد لعبت من حيث لا تعلم دوراً كبيراً في إشعال الحراك الشبابي الدائر على الساحة اليوم والذي يتم التعبير عنه كتابة في وسائل الإعلام التقليدية والالكترونية، كما يتم التعبير عنه (ميدانياً) ويتمثل في حب الخروج في تجمعات ومسيرات ومظاهرات وتوق الى المواجهات تحول مع الوقت الى عشق لشم الدخان الذي تواجهه بهم القوات الخاصة، وهو أمر يحتاج الى دراسة جادة.
الحكومات السابقة عجزت تماماً ليس في معالجة الحراك الشبابي والتعامل معه، بل عجزت عن فهم الحراك الشبابي أو حتى استيعاب وجوده، ثم صارت سبباً مباشراً من أسبابه.
ولتسأل الحكومة نفسها ماذا قدمت الحكومات السابقة للشباب وهل فكرت في احتواء طاقتهم المتفجرة بأعمال إيجابية؟
من المهم جداً – بداية – ألا يتم حصر دور وزارة الشباب بالرياضة فقط، فالشباب نطاق اهتماماتهم أوسع بكثير من هذا.
ولنلقِ نظرة سريعة الى الكويت والى المواقع التي قد تستنفد طاقة الشباب، ونتساءل ماذا قدمنا لهم:
المنشآت الرياضية:
متهالكة قديمة لم يتم تجديدها بما يواكب العصر، وتحولت أسوارها الى محال ومطاعم ونواد صحية، ناهيك عن الصراع على قيادتها، وتحولها إلى وسيلة من وسائل «الوجاهة» بدلاً من أن تأخذ مسارها الصحيح لخدمة الشبان والأطفال، واحتواء طاقاتهم وتفجير القدرات الإبداعية الكامنة لديهم.
الرياضات البحرية:
«المسنات» التي يتم عبرها إنزال الطراريد إلى البحر الدور عليها طويل وطوابير كفيلة بتحويل رحلة الحداق الى (مغثه) من قبل ان ينزل الطراد الى البحر، ولا توجد خدمات كافية لمحبي البحر وعشاقه، بل هناك تعقيدات وإزعاج في التراخيص وكلفة عالية على من فاته تجديد دفتر الطراد أو الجت سكي، ولا توجد محطات بنزين بحرية كافية ولا سواحل ملائمة ولا مسابقات مبتكرة ولا تسهيلات مالية ولا قانونية أمام الشباب الراغبين في خوض غمار هذه الهواية.
القنوات التلفزيونية:
يشرف عليها «شياب» غير قادرين على محاكاة ومجاراة المزاج الشبابي حتى فشلت معظم البرامج في لفت الأنظار إليها، وبالتالي ابتعد الشباب عن الإعلام الرسمي الكويتي، وبالتالي فقد الإعلام قدرته التأثيرية والتوجيهية، وصار يحتاج إلى نفضة كبرى لعل أموره تنصلح، ولعل حبال المودة التي تقطعت تعود بين الإعلام والشباب.
السيارات:
كل الشباب يحبون السيارات، ولكن ماذا قدمت الدولة لهم لممارسة الرياضات الخطرة التي يعشقونها ولكن بشكل مدروس وآمن مثل سباق السيارات وساحات تخصص لأغراض الاستعراض التشفيط والتقحيص تكون مزودة بدواع الامن والسلامة والاسعاف الطبي والتأهيل الميكانيكي، بدلاً من مطاردتهم في الشوارع والوفرة وحتى (قلعة وادرين) لو توجهوا إليها لممارسة هواياتهم.
ناهيك عن سوء تعامل الكثير من رجال الشرطة معهم، وتعقيدات اضافية تطال حتى السواق العاديين من الشباب مثل منع تظليل زجاج السيارات (تم حله جزئياً مؤخراً) ومنع صبغ السيارات المطفي (مات)، ومنع تزيين السيارات ووضع الإضافات عليها حتى لو كانت ذات جودة في الصنع وآمنة في الاستخدام مما يفقد المنع المنطق المفهوم ويحوله الى نزعة تحكمية ولا شيء غير ذلك، وكذلك ثم امطار الشباب بالمخالفات تلو المخالفات حتى تُعبَّأ نفسه بالكره والبغض تجاه الشرطة الذين ينفذون الأوامر والقوانين الجامدة المفروضة عليهم، ولا ذنب لهم فيها.
صالات البلياردو والتسلية والمقاهي:
هذه الصالات رغم بعض السلبيات التي تعتري اجواءها إلا أنها قادرة على احتواء الشباب وتجميعهم ويمكن استثمارها في تعزيز بعض الهوايات الإيجابية لديهم أو عمل لقاءات توعوية لهم هناك وتنظيم مسابقات واحتفالات تعارف، لكن ما يحصل هو ان هذه الأماكن تجابه دائماً بالمطاردة والإيذاء والإغلاق من عدة جهات في الدولة تعاملها كما لو كانت بيوتاً للدعارة!!، ما قد يدفع بالشباب للاستعاضة عنها بالشقق وغيرها بما في ذلك من فتح أبواب للانجراف نحو انجرافات ومخاطر حقيقية ما كانت لتحدث لو ظل الشباب في تلك المقاهي والاماكن العامة رغم بعض سلبياتها التي يسهل علاجها.
المسرح والثقافة:
ماذا قدمت الدولة للشباب في هذا المجال، هل ارتفعت بنفوسهم وزرعت الابداع والقدرة على تمييزه بين اضلعهم؟ وهل لمسارح المدارس أي دور الآن غير إلقاء كلمات جامدة من الناظر والوكيل أمام أولياء الأمور في احتفالات رسمية لو حضرها الطلبة لوجدتهم يتثاءبون من الملل منها، هل تم خلق أجيال جديدة من الفنانين وأجيال تقدر الفن والإبداع؟ هل تم زرع ثقافة احترام الفن؟ وإذا اخذنا جولة في عالم الإعلام الالكتروني ستجدون كمَّاً كبيراً من الطاقات الفنية الكويتية المتمكنة لم تجد لها غير هذا المكان متنفساً تفجر فيه إبداعاتها التي لا تراها الدولة ولا الجهات المعنية بالتمثيل والمسرح والإبداع الفني، ولا تحاول احتواءها والاستفادة من طاقات هؤلاء المبدعين، بل تتركهم نهبا للصراعات السياسية والازمات الاجتماعية التي لا تنتهي.
الرسم:
كثيرون من الشبان لديهم قدرات فنية وإبداعية كامنة لا يعرفها أهلهم ولا مدرسوهم، وأحياناً هم أنفسهم لا يدركون قدراتهم، فهل تم فتح المراسم وتسهيل التراخيص للمراسم الخاصة ودعم الجادين منهم بنشر هذا الفن الجميل واعانة المميزين فيه للمشاركة في معارض عالمية خارجية وتسجيل نجاحات كويتية تكون مثاراً للفت الأنظار وجذب المزيد نحو هذه الهوايات الجميلة، مع الاسف لا شيء ملموسا من هذا، بل ربما ان حق هذه القطاعات الابداعية صارت نهبا لما يحدث على الساحة الكويتية تتأثر به ولا تواجهه.
العالم الالكتروني الرحب بفضائه:
لدينا قدرات كويتية الكترونية هائلة، تعبّر عنها جولة بسيطة في «تويتر» لنشاهد كم الأفلام والإبداعات وحرفنة المونتاج التي تستخدم كلها مع الأسف في الصراعات السياسية والاجتماعية والعقائدية والمذهبية، بينما لو تم احتواء مثل هؤلاء الشباب بأعمال مفيدة لهم وتم فتح المجال أمامهم لخلق فائدة وعمل يعود عليهم بالنفع والمال والشهرة من هواياتهم تلك لصارت لدينا أفضل المراكز الالكترونية ومراكز المونتاج في العالم العربي على الأقل.
توظيف الطلبة:
بتواطؤ «نيابي – حكومي» تم إعطاء الطلبة مكافآت كانت في البداية مائة دينار شهرياً ثم ضاعفها الطرفان وصارت 200 دينار شهرياً يأخذها الطالب نظير دراسته.
قديماً، كان الطالب المحتاج يأخذ معونة جامعية أو من المعاهد بعد التثبت من حاجته. كما أن هناك طلبة محتاجون ولكنهم لا يريدون أخذ المعونات، فكان يفتح الباب أمامهم للتوظف بأعمال حكومية بسيطة عصراً، تغني عن زيادة الوافدين العاملين في الحكومة من جهة وتفيد الطالب الدارس مالياً وعملياً من جهة أخرى، وتخفف عن كاهل معيله أيضاً، وتشغل وقت الطالب بعمل يعود عليه وعلى بلده بالفائدة، وإذا تخرّج يضم سنوات عمله الثلاث أو الأربع في الحكومة وتفيده في التقاعد إذا شاء.
أما الآن، الطالب يأخذ 200 دينار شهرياً دون تعب أو شعور بالمسؤولية مقابل ما يأخذه، هذه المكافأة وفرت الطلبة القدرة على الاستقلال عن ذويهم بحكم الوفرة المالية لديهم، وتعزز لديهم المنهج الاستهلاكي في الإنفاق، ولن يتمكنوا من التخلص من هذا السلوك بعد التخرج، لكنهم سيصدمون برواتب لا توفر لهم نفس الرفاهية بعدما يتزوجون وينجبون ويتحملون مسؤولية توفير السكن والسيارة والمأكل والمشرب والملبس لأسرهم.
العمل الخاص:
الكويت بلد الروتين العقيم، وأظن ان مصر النموذج العربي الأوضح في عالم الروتين لا تفعل اليوم أفعالنا من تعقيدات وأوراق وتوقيعات على المعاملات.
ويا ويلك يا سواد ليلك يا «شاب» إذا فكرت في بدء عمل صغير خاص بك، لا يمكن لك أن تبدأ دون سلسلة من مئات التوقيعات من عدة جهات في الدولة، ولن تنتهي هذه الدهاليز الروتينية إذا استخرجت تصريحك وبدأت عملك إذ عليك ايضا الحصول على توقيعات وانجاز معاملات شهرية مع عدة جهات في الدولة قادرة على أن تجعلك تلعن الساعة التي تهورت فيها وبدأت عملك الخاص، وما بين مداهمات الشؤون والتجارة والبلدية والصحة والإطفاء والداخلية وغيرها.. عليك إما التعايش.. وإما الاستسلام وإغلاق عملك الخاص والاتجاه للعمل الحكومي الاتكالي.
البورصة والاقتصاد:
في فترات النشاط الاقتصادي والانتعاش المالي وجني الأرباح نلاحظ أن نشاط المعارضة السياسية يخبو ويضعف، لماذا؟
.. لأن الغالبية من الشعب حريصون على الاستقرار، فأي اضطراب من شأنه أن يهدد الأرباح المحتملة أو يدفع نحو خسائر غير مرحب بها.
الآن، نحن مازلنا نتخبط اقتصادياً منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، واضطر الكثير من الشباب العباقرة والمميزين الى ترك أعمالهم في شركات القطاع الخاص التي أفلست أو أعمالهم الخاصة في شركاتهم ومؤسساتهم التي تعثرت، وصاروا هم بأدمغتهم المميزة وعقولهم الذكية أدوات التخطيط للمعارضة الذين (دوّخوا) الحكومة واضطروا النواب الى أن يتحولوا أتباعاً لهم. هؤلاء لو كان لديهم ما يكفيهم من العمل ولو كانت ابواب الرزق مفتوحة وميسرة أمامهم لما اتجهوا للمعارضة السياسية لمجرد أنهم وببساطة ليس لديهم وقت لذلك، بل ولقدموا الكثير من الأفكار للدولة والبرلمان التي لو نفذت سيكون من شأنها النهوض بالبلاد والعباد.
المزارع والجواخير:
هل تجرؤ الدولة أن تطرح سؤالاً واحداً في استفتاء عام لتعرف إن كان هناك فرد واحد في الدولة يثق فيها ويظن أنها توزع المزارع والجواخير بعدالة وللجادين في التوجه نحو الزراعة والأمن الغذائي وتربية المواشي فقط؟.. أم ان شغلها واسطات و«تضبيط»؟
هذا قطاع هام جداً ويمكن له أن يحتوي جهود الكثير من الشباب في قطاع حيوي هام ومفيد للجميع، لكن الدولة حولته إلى قطاع واسطة ومِنَحٍ من الأراضي تعطى لفلان وعلان ممن لا يحتاجونها أصلاً، وتحرم بالمقابل الجادين والراغبين حقاً في العمل والإنتاج.
إغلاق الدواوين المخالفة:
الدولة مازالت الى اليوم تدفع ثمن رعونة الحكومة ولجنة الإزالة في أسلوب إغلاق الدواوين المخالفة وعدم إيجاد حلول لبعض المخالفات المقبولة (غير الفجة).
عندما تهدم الدولة ديوانك الذين كنت تستقبل فيه اهلك وربعك وجماعتك ويشهد كذلك استقبالات رسمية مثل الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين ووجهاء القبائل، فإنها تهدم كرامتك معه وتهدم المكان الذي كان يجمعك مع اهلك ومع رجال النظام والحكومة ويخلق بين الطرفين تواصلاً محبباً. فهل عندما فعلت الدولة ذلك وهدمت دواوين الناس ومراكز تلاقيهم وتواصلهم وتواصل النظام والحكومة معهم، هل قضت على جميع مظاهر الإخلال بالقانون الأخرى في المجتمع؟؟.. أبداً، لقد قضت على حبال المودة وقطعتها، وهذا رسخ شعوراً لدى الكثير من أبناء القبائل بتقصد الحكومة لهم وأنها حكومة تتعمد إيذاءهم والإساءة لهم دونما مبرر، لأنها لم تقنعهم بالقرار نفسه.. ولم تقنعهم بوجود منهج حقيقي قادم لإعلاء القانون على الجميع.
مغثة الناس:
بعد كل ما فات، وهو طرح سريع من الذاكرة، ويمكن طرح أضعافه إذا رجعنا الى الأرشيف والدراسات، يمكن لنا أن نستنتج أن الحكومات المتعاقبة إنما كانت حكومات تبدو من دون ان تقصد وكأنها تستهدف (مغثة الناس) وإزعاجهم وإيذاءهم وتعقيد شؤون حياتهم.
وهذا بحد ذاته كافٍ لخلق شعور عام بالغضب والنقمة والرغبة في التمرد ومعاندة الحكومة في كل قراراتها، ومن هنا كان لابد لدعوات المعارضة ان تثمر فالتربة خصبة لتلقي نمو هذا النوع من الزرع، ولحصاد الثمار.. أو حتى الشوك!
السؤال.. والتحدي الآن بعدما استعرضنا كل هذه المظاهر:
هل ستتمكن الحكومة من معالجة هذه الظواهر؟
وهل ستتمكن وزارة الشباب من النهوض بدورها؟
نتمنى النجاح للحكومة وللشيخ سلمان الحمود الصباح، وننتظر من جديد، ونقول مرة ثانية:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً – ويأتيك بالأخبار من لم تزود
تعليقات