بغداد ودبلوماسية السجناء مع دول الخليج

عربي و دولي

1660 مشاهدات 0

  بغداد ودبلوماسية السجناء

خوفا من مفجرات الصراع نمشي بحذر شديد حين نتجول في العلاقات الكويتية العراقية حتى لانعود لنقطة الصفر كما حدث حينما أثيرت قضية ميناء مبارك الكبير قبل عامين .لكن بسوس ائتلاف العراقية الحرة، عالية نصيف تبرز لنا فجأة من بين أنقاض التكسب السياسي وركام الاحقاد لتشعل بواعث التوتر من جديد . فقد طالبت هذا الاسبوع 'باستدعاء السفير الكويتي في بغداد الفريق علي المؤمن، على خلفية أنباء عن قيام الكويت بإعدام الصياد العراقي طه محمود . 'مما يعني ان الكويت قد ضربت العلاقات مع العراق عرض الحائط وأعادتها الى نقطة الصفر'. وكان من تبعات خطب نصيف التحريضية إحتجاج مجلس محافظة البصرة وهياج قائمقامية قضاء الفاو التي أعتبرت الامر 'محاولة للانتقام من العراقيين'.

وتدفعنا الاتهامات الافتراضية الجزافية شديدة المراوغة في ألفاظها من البسوس وفريقها لتبيان الحقيقة، لانه لا يزال هناك متسع من الوقت لهدم خيمة التكسب التي تقيمها نصيف وفريقها كلما اقترب وقت تجديد عضويتها . فالكويت لم تعدم أحدا منذ أعوام والصياد العراقي يأكل ويشرب من أطعمة شركات التجهيزات الغذائية كما يصرف له راتب كبقية مساجين الكويت . أما الامر الثاني فالمدعو طه محمود مهرب ضمن فريق من ثمانية أشخاص دخلوا المياه الاقليمية الكويتية فاعترضهم زورق خفر السواحل الكويتي،وحين نزل العريف الكويتي عبدالرحمن العنزي إلى القارب لتفقد هواياتهم عاجلة المهرب طه محمود بطلقة غادرة أودت بحياته وفر المهرب ومن معه بزورقهم حتى تم اللحاق بهم وتقديمهم للمحكمة التي قررت إعدام القاتل طه والسجن المؤبد لثلاثة آخرين، كماحكمت على اثنين بالسجن ثلاث سنوات وبسنة واحدة على متهم دون السن القانونية.

لقد طالبت البسوس وفريقها -بكل عنجهية –من الحكومة الكويتية إطلاق سراح الصياد طه محمود 'بلا شروط، لأن محاكمته لم تكن عادلة، وليس من الصحيح أن تتم بهذه الطريقة' وهنا نتوقف عند محددات التعاطي مع نهج جديد لبغداد، وهو دبلوماسية المساجين مع دول الخليج. ونتسائل ان كانت حكومة المالكي قد أستجابت للمناشدات المستمرة من قبل الجهات الرسمية والشعبية وهم يطالبونها بتوقيع اتفاقية تبادل المجرمين مع دول الخليج .وماذا فعلت غير تسليم الكويت جثة مواطن كويتي لقي مصرعه بنيران مجهولين داخل الأراضي العراقية قبل اعوام ، وماذا فعلت حين قام أفراد حماية مركز شرطة القائم في الأنبار بقتل مواطن كويتي واستعانوا بتهمة الارهاب ليقولوا انه كويتي الجنسية يحمل هوية مزورة صادرة من 'دائرة نفوس قضاء بيجي' بمحافظة صلاح الدين فكيف عرفت انه كويتي وكل مايحمله من وثاق كانت مزور!

لقد كان التزوير عملة في بغداد سبقت تداول العملة نفسها،وقد تعاملنا معها في الكويت منذ تصريحات غازي 1936م مرورا بقاسم1961م ثم بصدام 1990م . لكن ما يقلقنا هو اتساع دبلوماسية التزوير في قضايا المساجين ليس مع الكويت فحسب بل مع دول خليجية أخرى. فبناء على الأخذ بالمرحلية ومتغيرات اللحظة شرعت حكومة بغداد في استخدام ورقة المساجين، وتوسعت بشكل ملحوظ منذ أن اصطفت مع حكومة بشار الاسد للنيل من موقف دول الخليج حيال مايجري . وكان من اشكال ذلك أعتبار اجتياز الحدود العراقية تهمة عقوبتها الاعدام ، وبناء على ذلك العمل الممنهج اخذت بالقاء القبض على الخليجيين بتهمة اجتياز الحدود بهدف تنفيذ اعمال ارهابية ثم اخذت في مساومة دول الخليج على ذلك،ولنا في السجناء من المملكة العربية السعودية الشقيقة خير دليل فقد حطمت اعدادهم في السجون العراقية فجأة الارقام القياسية من بين السجناء العرب، كما حطمت أرقام من حكم عليهم بالاعدام كل السجلات. فقد أجبرتهم على توقيع أوراق بيضاء ودونت فيها اعترافات مزورة باسمائهم، وغاب عن بغداد سهولة كشف التزوير من قبل منظمات حقوقية بدليل أن جميع الاعترافات متشابهة النسق في المفردات والصيغ .

وتهمة الارهاب تفهم بشكل افضل عندما ينظر اليها من زوايا مختلفة، فقد راجت في افغانستان بعد 11 سبتمبر ووصول الاميركان مهنة صيد منتسبي اللجان الخيرية من العرب وخصوصا الخليجيين وبيعهم لقوات التحالف بتهمة الارهاب .وقد تزامن معها في العراق اختطاف هواة القنص وأهل الشاحنات من الخليجيين وبيعهم للاميركان بعد إتلاف مستندات دخولهم، فقد أصبح الخليجي يوزن بمقياس تهمة الارهاب بدل وزنه لعقود بمقياس سعر خام مزيج برنت. لكن تهم الارهاب لم تكتمل أركانها في ملفات هؤلاء الابرياء فسلمهم الاميركان للعراقيين بعد رحيلهم وها هي بغداد تستغلهم حاليا. وعليه فإن نجاح بغداد في استخدام دبلوماسية السجناء سواء عبر مطالبتها باخلاء سبيل العراقيين المدانين في السجون الخليجية أو عبر أعدام السجناء الخليجيين هناك تفتح احتمالات أخرى غير مرصودة الآن، فربما تكون خطوة سيتبعها بالضرورة توسع مهندسي هذه الدبلوماسية في اصطياد الخليجيين بكل الذرائع لاثراء هذا الملف وإستخدامه لتحقيق مكاسب كإسقاط التعويضات والديون أوأقليمية لصالح حليف جائر. وللاسف ثمة مؤشرات كثيرة قد تُقرأ لصالح هذا التحليل،رغم انها دبلوماسية مرفوض اخلاقيا وإنسانيا،بدليل إيقاف رئيس جمهورية العراق جلال طالباني حكم الإعدام ضد أي معتقل خليجي متهم باجتاز الحدود للقيام بعمل إرهابي لما أحاط بتلك التهمة من شك كبير .

د.ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك