عن التعصب الأعمى والتقليد المطلق.. يكتب د. محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب نوفمبر 28, 2012, 11:50 م 939 مشاهدات 0
القبس
الديوانية / بين التعصب والتقليد
أ.د محمد عبد المحسن المقاطع
تتفشى لدى عدد كبير من ابناء المجتمع ظاهرة سلبية تحمل في ثناياها مؤشرا الى الاعتماد على آراء الآخرين وقناعاتهم، بل ربما على توجيهاتهم، اذا كان هناك ارتباط فكري أو طائفي او سياسي او اجتماعي، بحيث انه يتم اخذ ما يصدره هؤلاء الآخرون على انه مسلمة من المسلمات، حتى لو كانت الفكرة خطأ، أو المعلومة غير صحيحة، او الموقف مبنيا على معلومات ناقصة، او منطلقا من موقف شخصي وتجربة شخصية خاصة، وعلى الرغم من ذلك، تجد أن عددا كبيرا من ابناء الوطن يسير وفق تلك الآراء او القناعات او التوجيهات، رغم عدم امتلاكه شخصيا لأي حجة في تبنيها، اللهم إلا استناده الى انها صادرة عن فلان او علان، وهو ما خلق ثقافة مجتمعية سلبية، مؤداها التعصب الأعمى والتقليد المطلق لصاحب هذا الرأي او توجهاته، وهو يكشف عن أزمة بأننا نعتمد كأبناء مجتمع على المصادر القولية والنقولات الشفوية والحوارات التي دارت بالمنتديات والديوانيات، ونعتبر أنها حقائق مسلمة، فنقوم بنقلها للآخرين، ونطلب منهم أن يقلدوها، ويسيروا وفقا لها، أو حتى نمنعهم من مناقشتها وبيان خطئها، وهي في نهاية المطاف اوجدت حالة من الهشاشة في ثقافة تكوين الرأي، لأنها لا تعتمد على العلم والدراية والاطلاع والاحاطة، بقدر ما تعتمد على مصدر مقولة معينة، والتعصب الأعمى له ولآرائه وتقليده والسير على خطواته حتى وان كان مخطئا.
ولعل الأهم في هذه الظاهرة هو شيوع ثقافة موازية لها، وهي ثقافة «انصر أخاك ظالما او مظلوما»، حتى وان كان ظالما برأيه وموقفه وقناعاته، فيقوم بعضهم بالدفاع عنها والتعصب لها، ولا يقبل ان يسمع رأيا آخر خلافها ايا كانت حجته، ومهما كانت قوة منطقه واسانيده وأدلته، وهذه لعمري مسألة خطرة في بناء ثقافة المجتمع وتكوين رأي عام مستنير يحتاج من الجميع الى جهد حقيقي لمعالجة هذه الاشكالية البارزة.
وأخيرا فإن الأمر المحزن في هذا الشأن هو تخلي المثقفين والعارفين والمتخصصين عن مؤهلاتهم، بسبب ضعف حرصهم على القراءة، او عدم استخدام ادواتهم العلمية وقدراتهم الفكرية في مجابهة الفكرة، واثارة ما قد يكون لها أو عليها من جوانب للضعف او القوة، وهو ما يفقدهم دورهم المميز، اذ انهم تحولوا الى طريقة التقليد بدل البحث والاجتهاد والاستقلالية في الرأي، على الرغم من أن فيهم من له مناصب عالية ووضعيات ثقافية مميزة، او حتى انه معروف عنهم قدرات تخصصية في الاقتصاد او الثقافة او التعليم او غيرها، إلا أنهم تخلوا عن تلك المؤهلات مستسلمين لفكرة التقليد التي اوقعتهم في وضع يرثى له بسبب مواقفهم المقلدة، والتي لا تملك حتى المناقشة او الاختلاف مع ما يأتي به من يقلدونهم بالرأي أو الموقف، ولاشك في أن ثقافة التلقين في التعليم العام والجامعي أيضا والتي لا تنمي قدرات المناقشة وآلية الاختلاف وفكرة التفكير النقدي هي التي أدت الى مثل هذه الظاهرة وانتشارها بكل أسف.
تعليقات