كل الجذور التاريخية للحراك السياسي تثبت ان الشعب يضحك أخيرا- عبدالهادي العجمي

زاوية الكتاب

كتب 3212 مشاهدات 0


الجذور التاريخية للحراك السياسي

يقدم المؤرخ البريطاني تونبي نظرية التحدي والاستجابة ليشرح الفعل التاريخي بصورة معمقة.

وملخص النظرية ان المجتمعات لا ترتق لأي مرحلة دون ان تمر بتحديات تدفعها للاستجابة بطرق جديدة تقود لتطور الواقع.

لقد مر المجتمع الكويتي بتحديات متعددة منذ قتل مبارك الصباح لأخيه محمد الصباح امير الكويت وكان هذا الخروج عن الشرعية التقليدية والنزعه السلمية وماصاحب ذلك من ممارسات الشيخ مبارك العنيفة واجهتها ردود فعل متعدده من الابراهيم وغيره ولكن في العشرينات قدم الكويتيين عريضه طلب فيها الشعب بتغيير الواقع الذي انتجه الشيخ مبارك الصباح وأبنائه.

ورغم ذلك استمرت السلطة في الممارسات والشعب في الاستجابه للتحديات حتى تم وضع الدستور الكويتي.

وكان اول تحدي للشعب حكومة مكونه من تجار وشيوخ ١٩٦٣ واستجاب الشعب بان قاطع نوابه المجلس ولم يحضروا مما انتج واقع جديد فلم يعد الشيوخ والتجار هم المسيطرون على الحكومة.

وفي ١٩٦٧واجه الشعب تحدي جديد بتغيير إرادته من خلال تزوير نتائج المجلس وكانت الاستجابة عام ١٩٦٧ زورت السلطة الانتخابات ولم يحضر ٦ نواب جلسات المجلس المزور واعتبروا مستقيلين بحكم المادة ٢٥ من اللائحة الداخلية واصدروا بيانا مع ٣٢ مرشحا وجميع القوى السياسية والعمالية ادانوا التزوير وقاطعوا العمل السياسي بشكل عام. فكان تأثيرهم واضح وفقدت السلطة الشرعية التي تنتج عن المجلس وخضعت السلطه في يونيو ١٩٧٠، والقى رئيس الحكومة جابر الاحمد خطابا يدعو فيه للمصالحة مع المعارضة والمشاركة في الانتخابات القادمة ١٩٧١.

والتحدي اللاحق ١٩٧٦ حل البرلمان كتحدي جديد في فترة إجازة المجلس دون اي مبررات سوى عدم قدرتها علي تحمل ان يكون الشعب موجود في الفعل السياسي، واستجاب الشعب بعدم اعترافه بالممارسة السياسية القائمة وقتها.

وفي ١٩٨١ حاولت السلطة تعديل الدستور كتحدي جديد واستجاب الشعب برفضه اي ممارسة تعطي فكرة تعديل الدستور لتغييب حق الشعب.

وفي عام ١٩٨٦كان التحدي متمثل في قرار السلطة ان الشعب لا يستحق ان يكون ممثلاً حسب الدستور وطبعاً تم استدعاء وفود قبلية ودينية واجتماعية لكي تزور رغبة الشعب وحقه في المكتسبات الدستورية وكانت استجابة الشعب بحراك واسع ورافض للتفرد بالسلطة وتتوج ذلك بحركة دوانيات الاثنين التي انتجت جيل من الأبطال الذين تعرضوا للتشويه والهجوم والتعريض بهم ولكن صمدوا ودعمهم الشعب كستجابه لهذا التحدي.

في نفس هذا الوقت انتجت السلطة المجلس الوطني الذي هدف لتزوير وإنتقاص حقوق الشعب من خلال مجلس صوري فاستجاب الشعب بمقاطعته وعدم الاعتراف بتمثيله له.

وفي عام ١٩٩٠ واجه الشعب والسلطة تحدي جديد (الغزو العراقي) أدى ان يستجيب الشعب برفضه لأي شرعية غير شرعية اسرة الحكم (الصباح) وان تستجيب الاسرة بالتعهد وتجديد العقد الاجتماعي بمؤتمر جدة الذي اكد حق الشعب في الفعل السياسي وفق دستور ١٩٦٢

وبعد الغزو اصبحت الاستراتيجة السلطوية تسعي للتقليص من فاعلية المجلس بممارسات متعدده ولكن من داخل المجلس

واليوم يواجهه الشعب الكويتي تحدي جديد وقد قررت كل القوى السياسية ان تقاطع الانتخابات وان ترفض قبول المشهد المقبل قد يعتقد البعض ان الاستجابات الشعبية اقل في قدرتها علي تغير الواقع ولكن بمرور خمسين عام من الدستور تحتفل الحكومة بالتحديات التي قدمت للشعب ويحتفل الشعب بالاستجابات والتضحيات التي قدمها لحماية واقعه وحقوقه ويبدو الشعب في هذه المرحلة يمتلك قدرات جديدة واستثنائية حيث زخم الحراك وتطور وسائل الاتصال  مما انجح المقاطعه بشكل فاعل حتى هذه اللحظة.

قد تبدو السلطة ممتلكة لأطراف اللعبة ولكن لسبب او لاخر اثبت التاريخ ان الشعب هو من يضحك اخيراً.

الدكتور عبدالهادي العجمي استاذ التاريخ جامعة الكويت

بقلم الدكتور عبدالهادي العجمي

تعليقات

اكتب تعليقك