ميركل تنحاز لليورو على حساب «بوندسبنك»، ولكن ليس بلا مقابل بقلم فيليب ستيفنز
الاقتصاد الآننوفمبر 17, 2012, 1:34 م 553 مشاهدات 0
الألمان الذين لا يزالون قلقين بشأن مستقبل اليورو، سيتم طمأنتهم من خلال ثقة المستشارة أنجيلا ميركل في العملة الأوروبية. سيكون شيئاً بعيد الاحتمال أن تعبر حشود العمال المضربين، الذين نزلوا إلى شوارع أوروبا هذا الأسبوع للاحتجاج على سياسة التقشف، عن موافقتها.
منذ وقت ليس ببعيد، واجهت ميركل انتقادات لترددها وعدم قدرتها على الاختيار. رادوسلو سيكورسكي، وزير خارجية بولندا زار برلين كمن يزور مكاناً مُقدّساً للمطالبة بأن تجمع ميركل مقاليد القيادة بيدها.
مر وقت طويل منذ أن دعا أحد السياسيين البولنديين ألمانيا لأن تصبح أكثر حزماً. إن لم تكن ميركل حازمة الآن، فلن يكون لها أي تأثير.
كانت المكونات الأساسية في كلمتها الأخيرة أمام البرلمان الأوروبي، تكمن الاستقامة المالية، القدرة التنافسية المُحسّنة، التكامل المالي الأكثر عمقاً، والإدارة الاقتصادية في منطقة اليورو- وهي بالكاد جديدة ولكنها مؤثرة فيما سيحدث في المستقبل.
إنها تمثل معاً شروط ألمانيا لتأمين مستقبل العملة الموحدة.
لقد قررت برلين، بطريقة أو بأخرى، أنها لن تستطيع تجنب التقاط الفاتورة، لذا تريد أن تضع شروطها. التقشف الآن وصنع القرار المشترك في وقت لاحق هما الثمن الذي يتعين على الآخرين دفعه مقابل تضامن ألمانيا معهم.
لم يخرج اليورو بعد من الغابة. وقد أبرز الخلاف بين حكومات منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي حجم الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تجتاح اليونان.
كان الخلاف نفسه – بشأن ما إذا كان من المحتمل أن تنخفض نسبة دين اليونان إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 120 في المائة بحلول 2020-2022 غريباً. الجميع يعرفون أنه سيكون على اليونان أن تقبل بألا يتم شطب شريحة ضخمة أخرى من دينها. والمسألة تتعلق بالوقت، إذاً.
تحتاج إسبانيا إلى حزمة إجراءات من أجل الإنقاذ، ونفس الشيء بالنسبة إلى قبرص. وعلى الرغم من كل النجاح الذي حققته في استعادة القدرة التنافسية، تحتاج أيرلندا بشدة إلى إعفائها من حمل الدين المصرفي.
ولا تزال أسعار السندات السيادية مرتفعة للغاية، وميزانيات المصارف ضعيفة للغاية.
وفي غياب النمو، فإن الإحباط ينتج عنه غضب المقترع في النظم الاقتصاديّة الطرفيّة.
وهكذا يظهر أن الهواء قد تلاشى من أزمة الوجود، وثبت أن التنبؤات بالانهيار الوشيك لليورو سابقة لأوانها. والافتراض الشائع الآن هو أن السياسة تطغى على النظم الاقتصادية.
يُنظر إلى أن إعلان ماريو داراجاي رئيس البنك المركزي الأوروبي، عن استعداده لشراء سندات الحكومات المنكوبة باعتباره نقطة التحول، وهي نظرة صائبة. قد يسجل التاريخ إلى حد بعيد أن ''ماريو الخارق'' هو من أنقذ اليورو، أخيراً.
وعلى الرغم من هذا، فإن هذه المبادرة كانت ممكنة فقط بسبب مساندة ميركل للبنك المركزي الأوروبي في مواجهة ''البوندسبانك'' أي البنك المركزي الألماني.
إن ميركل ليست أول مستشار يتحدى البنك المركزي الألماني، فقد نقض هلموت كول قرارات البنك المركزي الألماني بشأن التوحيد. ولكن هذا لا يقلل من أهمية قرار ميركل.
وخلال الجزء الأكبر من فترة ما بعد الحرب، اعتمدت السياسة العامة الألمانية على الدعامتين المتشابهتين المتمثلتين في الأموال المأمونة، والالتزام الثابت اتجاه أوروبا.
هناك توترات تحدث في بعض الأحيان بين الدعامتين، كما حدث في بداية الثمانينيات عندما اختلف كول على نحو سيء مع فرانسوا ميتران، بشأن السياسة الاقتصادية الفرنسية.
ولكن بصورة عامة، كان الهدفان يجلسان معاً على نحو مريح. لقد غيّرت أزمة اليورو هذا، فهي تهدد بحدوث صراع بين الاستقرار النقدي المحلي، ودين ألمانيا لأوروبا. وقد اختارت ميركل أوروبا.
القرار المحوري الآخر يتمثل في تغيّر كامل في السلوك بشأن اليونان. وخلال النصف الأول من العام، كان الرأي في برلين أن اليونان كانت في حالة أسوأ من أن يتم إنقاذها منها، إذ افتقرت إلى الدعامات الأساسية للحكم، حتى تستعيد الإدارة الاقتصادية ذات المصداقية المطلوبة. لقد بدأ ''الخروج اليوناني'' حتمياً ويمكن النجاة منه في نفس الوقت، ولكن تغيّر الحكم خلال الصيف، فقررت ميركل أنه تماماً كما أطاح ''ليمان براذرز'' بالنظام المالي العالمي، فكذلك تفكك اليونان في منطقة اليورو.
ولا يثير أي من هذا إعجاب صفوف مكتظة من الاقتصاديين، الذين يصرّون على أن اليورو لا يزال متجهاً نحو كارثة.
في مؤتمر انعقد أخيراً واستضافه ''مركز الإصلاح الأوروبي''، سمعت الكثير منهم يقدمون حججاً تدعمها قوية إلى حد، تقول إنه سيثبت أن التقشف الجماعي هازم لذاته، وسيصطدم إن عاجلاً أو آجلاً بالمقاومة السياسية في الدول المدينّة.
الاقتصاديون على حق في شيء، ولكن أيضا فاتهم شيء آخر. فمن خلال شكواهم من أن السياسيين لا يفهمون الاقتصاد، فشلوا في فهم السياسة.
فكرة أن ميركل كان من الممكن أن تخبر إيطاليا وإسبانيا بنسيان أمر الإصلاحات المؤلمة، والاستمرار في الإنفاق والاقتراض، من خلال توقع أن ألمانيا ستسقط الدين، ينتمي إلى مجال الخيال السياسي.
والانتقاد الذي يحدث التأثير المرغوب هو ما يقول إن ألمانيا لا يمكنها توقع أن يخفض الآخرون من حالات العجز الموجودة في حساباتهم الجارية، ويحتفظون في نفس الوقت بالفائض الخاص بها.
هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فالدرس المُستفاد خلال العامين الماضيين، هو أن ذلك لن يحدث. وقد وعدت ميركل بألا تكون هناك خطط إنقاذ من خلال المساعدة بالمال، ووقّعت منذ ذلك الحين على سلسلة من خطط الإنقاذ التي تشمل الدعم المالي.
يوجد بمنطقة اليورو الآن نظام إنقاذ دائم وبنك مركزي يتصرف، في حالات الضرورة القصوى، على أساس أنه مقرض الملاذ الأخير. ويشير كل شيء إلى أن ألمانيا ستستمر في تكييف السياسة مع الظروف.
أفضل طريقة للنظر لما يحدث في منطقة اليورو، هو أنه تفاوض تقليدي بين الدائن والمدينين المعسرين.
وتعرف ألمانيا أن المدينين لا يستطيعون الدفع بالكامل، ولكن قبل أن توافق على الإعفاء من جزء من الدين، تعتزم أن تستخرج ضمانات على عدم ألا يكرر التاريخ نفسه.
لقد قررت ميركل أن تدفع المطلوب كاملاً، ولكن في المقابل تحتاج إلى ضمانات كافية لإقناع المقترعين الألمان، بأن هذه ليست مجرد الشريحة الأولى.
لا يستطيع أحد أن يقدم حججاً على أن هذه طريقة فعالة لإدارة الأزمة، فأوروبا لا يمكنها أن تضعف سبيلها للخروج من المحنة. ولكن اليورو كان دائما مشروعاً سياسياً واقتصادياً بنفس القدر، وطالما كانت ألمانيا هي التي توقّع على الشيكات، بات من حقها أن تضع القواعد.
تعليقات