الطلب على النفط في الصين إلى أين؟ بقلم د. نعمت أبو الصوف

الاقتصاد الآن

664 مشاهدات 0


لا يزال نمو الطلب على النفط في الصين يشكل لغزا لأسواق النفط العالمية. في أيلول (سبتمبر)، عادت الصناعة النفطية في الصين مرة أخرى إلى مستويات قياسية من النشاط بعد ستة أشهر من ركود الطلب على النفط وانخفاض معدلات تشغيل مصافي النفط. حيث تشير مؤشرات الاقتصاد الرئيسية في الصين الآن إلى انتعاش معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها من أدنى مستوى وصل إليه خلال عقد من الزمان.

تشير معظم التوقعات حاليا إلى أن الطلب على النفط في الصين من المتوقع أن يرتفع بنحو 200 ألف برميل في اليوم فقط في هذا العام، ويعتبر هذا الارتفاع أدنى نمو سنوي في الطلب على النفط فيها منذ عام 2005. لقد تحولت محفزات نمو الطلب على النفط من الصين إلى الاقتصادات الآسيوية النامية الأخرى، دول الشرق الأوسط الخليجية وأمريكا اللاتينية، حيث إن اقتصادات جميع هذه المناطق قوية وأيضا تقدم دعما على نطاق واسع لأسعار المنتجات النفطية التي تحفز استهلاك النفط.

تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر بلد في العالم مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة، من المتوقع أن تصبح الأول قريبا، لكنها ليست بمنأى عن المشكلات التي تعانيها اثنتان من أسواقها التصديرية الرئيسية. حيث إن ضعف مبيعاتها من السلع إلى أوروبا والولايات المتحدة، أدى إلى انكماش النمو في قطاع الصناعة التحويلية فيها. كما أن قرار الحكومة الصينية لكبح جماح التضخم أدى إلى خفض معدلات الاستثمار في القطاعات المختلفة، خصوصا في قطاع البناء والتشييد. نتيجة لذلك تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها لسبعة أرباع متتالية (نحو سنتين)، من المتوقع الآن أن ينمو اقتصادها في المتوسط بنحو 7.8 في المائة فقط في هذا العام، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1999. في هذا الجانب يشير صندوق النقد الدولي إلى أن صادرات الصين من السلع المصنعة سترتفع فقط بنحو 5 في المائة في هذا العام مقارنة بمتوسط نمو 9 في المائة على مدى السنوات الأربع الماضية.

لقد أثر هذا التباطؤ في الاقتصاد والصادرات سلبا في استهلاك النفط في الصين. على وجه الخصوص بالكاد نما الطلب على وقود الديزل هذا العام، نتيجة انخفاض وتيرة النشاط الصناعي وتباطؤ في قطاع النقل التجاري. لقد بدأت شركات التكرير النفطي بخفض معدل طاقاتها التشغيلية في آذار (مارس)، حيث تراجعت هوامش أرباحها نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام وفرض ضوابط على أسعار البيع بالتجزئة في السوق المحلية. نتيجة لذلك تم تأجيل العديد من مشاريع تكرير النفط، ما أدى بالكاد إلى ارتفاع إنتاجية المصافي خلال الفترة الممتدة من نيسان (أبريل) إلى أيلول (سبتمبر) مقارنة بالعام الماضي. لقد وصلت معدلات تشغيل المصافي الصغيرة في الصين إلى 35 في المائة فقط. كما تراجعت معدلات استيراد النفط الخام في آب (أغسطس) إلى 4.4 مليون برميل في اليوم من مستوى قياسي ستة ملايين برميل في اليوم في أيار (مايو)، ما أدى إلى خفض الطلب على نفط دول الشرق الأوسط الخليجية في نهاية الربع الثاني ووضع ضغوط تنازلية على أسعار النفط العالمية.

مع ذلك لا تزال الصين تعتبر المحرك الأساسي للطلب العالمي على النفط. قد يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها في أقل مستوياته في عقد من الزمن إلا أنها لا تزال قريبة من 8 في المائة ومن المحتمل أنها بدأت تنتعش بالفعل. في هذا الجانب يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينتعش الاقتصاد الصيني إلى 8.5 في المائة بحلول عام 2014. لقد ارتفع المؤشر الرسمي لمديري المشتريات Official Purchasing managers’ Index في تشرين الثاني (أكتوبر) فوق 50 نقطة، مشيرا إلى إمكانية تعافي النشاط الصناعي بعد ثلاثة أشهر من التباطؤ. لقد عادت معدلات التضخم تحت السيطرة، ما سمح للحكومة الصينية بضخ أموال في قطاع البناء والتشييد لدعم مشاريع البنية التحتية الكبيرة. كما أن التغيير الأخير في القيادة الصينية قد يمهد الطريق لقيادة جديدة تسعى للحفاظ على الاقتصاد ووضعه على الطريق الصحيح لتوفير فرص عمل وتسمح برفع مستويات المعيشة.

جميع هذه الفعاليات هي في حاجة إلى النفط. إن وقود الديزل هو الوقود الرئيس في أي توسع في النشاط الصناعي، في حين أن الطلب على البنزين سيرتفع مع ارتفاع معدلات شراء السيارات الشخصية. خلال العقد الماضي نما الطلب على النفط في الصين بنحو ثلثي معدل ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي. لكن في هذا العام كانت النسبة أقل من النصف فقط، حيث ارتفع الطلب على النفط بأقل من 3 في المائة من كانون الثاني (يناير) إلى أيلول (سبتمبر). هذا الانخفاض في معدل نمو الطلب قد يكون مجرد استقرار بعد معدلات النمو المرتفعة التي شهدتها الصين بعد الخروج من الركود، أو أنه قد يشير إلى انخفاض اعتماد الاقتصاد الصيني على النفط على خلفية بناء صناعة جديدة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة حلت محل الصناعة القديمة غير الكفؤة.

انتعاش الطلب على النفط في الصين في أيلول (سبتمبر) كان كبيرا جدا، حيث قفز استخدام المصافي للنفط الخام إلى مستوى قياسي جديد بلغ نحو 9.5 مليون برميل في اليوم، وارتفع معدل الطلب على المنتجات النفطية بنحو 9 في المائة عن العام السابق. إن بيانات شهر واحد فقط لا تعني أن الطلب على النفط قد تعافى بالكامل. نمو الطلب على النفط قد يكون أقل بكثير من المتوقع إذا لم تقم المصافي بخفض مستوى مخزون المنتجات. لكن إذا عاد الاقتصاد الصيني إلى معدلات نمو عالية، فإن نمو الطلب على النفط سيتبع لا محالة.

على الرغم من ضعف الطلب على النفط في هذا العام، فإن من السابق لأوانه في الوقت الحاضر تجاهل تأثير الصين في أسواق وأسعار النفط. حتى لو كانت معدلات نمو الطلب الصيني على النفط في المستقبل أقل من معدل نمو البلدان النامية الأخرى، فإن الحجم الكبير للاقتصاد الصيني سيجعله أساسيا لنمو معدلات الطلب على النفط العالمية.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك