توظيف معطيات العولمة لتعزيز الاقتصاد الوطني بقلم د. فهد السلطان

الاقتصاد الآن

641 مشاهدات 0


في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي وفي خضم التحديات التي نتجت عن عولمة الاقتصاد بوجه عام والتجارة البينية على وجه الخصوص، ونتيجة لحالة عدم الاستقرار في عرض السلع والخدمات في السوق العالمية وتأرجح العرض والطلب وزيادة الطلب ونقص المعروض في بعض السلع الأساسية في كثير من الأحيان وفي أماكن مختلفة.. اتجهت كثير من دول العالم المتحضر إلى صياغة سياسة تجارية خارجية للتعامل مع معطيات العصر ومستجداته بأسلوب عصري يقوم على منهج المبادرة Proactive والتخطيط والتنبؤ.

والمملكة كواحدة من منظومة الاقتصاد العالمي وكعضو في عدد من المنظمات الأممية (منظمة التجارة العالمية مجموعة العشرين، الاتحاد الجمركي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة، والمنطقة العربية الحرة الكبرى... إلخ) تتأثر وتؤثر في عجلة التجارة العالمية وفي تأرجح العرض والطلب العالمي على السلع والخدمات.

في ضوء تنامي المنظومات الاقتصادية الأممية وفوق الأممية وتشابك المصالح الاقتصادية واعتمادها على بعضها بعضا ووقوعها في دائرة نظم وقوانين وضوابط تلك المنظمات.. لم يعد بإمكان الاقتصادات الوطنية في أي دولة أن تعمل بشكل مستقل معزول عن بيئتها الإقليمية والدولية.. حتى وإن استطاعت من الناحية القانونية التحرر من بعض القيود التي تفرضها تلك التكتلات فإن مصالحها الاقتصادية الوطنية تقتضي توظيف قوانين ومبادئ السوق الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها الاقتصادية كلما أمكن ذلك.

في اعتقادي أن تميز أي اقتصاد وطني وقدرته على الحركة والإفادة من معطيات العولمة وانفتاح السوق العالمي لا يكمن فقط في قدرة تلك الدولة على مجرد الانضمام لهذا التكتل أو ذاك وإنما على قدرتها على توظيف ذلك الانضمام لخدمة مصالحها الاقتصادية الوطنية واستثمار الفرص التي يوفرها التكتل أو التنظيم وتحويل التحديات إلى فرص ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

خلال الفترة القصيرة الماضية مرت المملكة ببعض التحديات الاقتصادية كتلك المتعلقة بنقص المعروض من بعض السلع الأساسية سواء سلع غذائية أو غيرها كنقص المعروض من الحديد ثم الأسمنت وأخيراً الدجاج. ويبدو أن مستوى المعروض من السلع العالمية في المستقبل لن يكون بأحسن حال من الماضي إذا ما وضع في الحسبان زيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات في ضوء نقص المعروض العالمي بسبب عوامل كثيرة يصعب حصرها ولكن في مقدمتها عوامل التصحر وارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الطلب من الدول الصناعية الحديثة كالهند والصين على السلع الغذائية وغيرها.

والمتتبع للإجراءات والسياسات التجارية التي اتخذتها وزارة التجارة والصناعة في كثير من القضايا يلاحظ أنها خطوات مخلصة ومباركة. وكلي أمل أن تقوم الوزارة بمراجعة بعض السياسات المتعلقة بالتجارة الخارجية والداخلية على حد سواء. فعلى سبيل المثال أعتقد أننا في حاجة إلى سياسة تجارية واضحة تأخذ في الحسبان مصلحة الاقتصاد الوطني على المدى القصير والبعيد، وتدرس بعناية ومن خلال منهج علمي اقتصادي إيجابيات وسلبيات تلك السياسات حتى نكون على بينة من أمرنا. الأمر الذي سيساهم في دعم ثقة المستهلك والمستثمر المحلي وتشجيع المستثمرين الجدد من جانب وتقوية ثقة المستورد الخارجي من جانب آخر.

كثر هذه الأيام الحديث عن موضوع إيقاف تصدير بعض المنتجات الوطنية إلى دول الخليج العربية. لا شك أن إيقاف تصدير منتج وطني استمر تصديره لفترة معينة لن يقتصر أثره السلبي على المستورد فقط بل حتى على المواطن والمستهلك المحلي على المد البعيد.

من جانب آخر، فإنه حان الوقت الذي ننظر فيه إلى السوق الخليجية كسوق مهمة مكملة للسوق السعودية.. لا نريد أن يأتي اليوم الذي نبحث فيه عن هذه السوق فلا نجدها فهي سوق قريبة جغرافياً وعمق استراتيجي وتقارب حضاري وقوة شرائية.. فخسارتها لن تعوض بسهولة. هذا فضلاً عن توجه قيادتنا الرشيدة نحو تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين ـــ أيده الله.

ولعل قرار إيقاف تصدير الدجاج يمثل حالة جديرة بالدراسة والبحث، فإذا كانت نسبة المصدّر من الدجاج لا تزيد على 2 في المائة فقط فما هو العائد المتوقع على العرض من إيقاف تصدير مثل هذه النسبه من المنتج أو المعروض.. إذا صحت الأرقام التي تشير إلى ذلك فإنه يبدو أن التكاليف الاقتصادية التي نتجت عن هذا التوجه تفوق العوائد التي جناها المواطن والاقتصاد الكلي من جراء هذه السياسة، خاصة على المدى البعيد.

قلة هم أولئك الذين يختلفون على أن القرارات الفجائية تؤثر بشكل كبير في ثقة العميل الخارجي بالمنتجات وفي الاعتماد على استيراده منها مما قد يؤدي به إلى البحث عن مصادر أخرى وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على استثماراتنا المحلية الوطنية.. وتأثر ثقة المستورد الخارجي ليست بأقل أثراً سلبياً من تأثر ثقة المستثمر الداخلي وفي أي من الحالتين أو كلاهما فإن هناك تكلفة عالية على الاقتصاد الوطني خاصة إذا علمنا أن تنمية الاستثمارات المحلية ودعم الصادرات غير البترولية من شأنه أن يساهم مساهمة فاعلة في خلق فرص عمل جديدة ودعم برامج توظيف القوى العالمة الوطنية.

وباختصار فإن الذي أردت أن أشير إليه هو أننا أحوج ما نكون لمراجعة بعض السياسات التجارية الداخلية والخارجية وصولا لصياغة سياسة تجارية تقوم على قراءة الحاضر واستشراف المستقبل تتضمن الأسس السياسية التجارية الخارجية والداخلية بمفهومها الشامل، تطمئن المواطن والمستهلك والمستثمر الداخلي والمستورد الخارجي وتعزز ثقتهم باقتصادنا الوطني. وأنا على ثقة بأن القائمين على وزارة التجارة بما عرف عنهم من كفاءة وتميز قادرون على بلورة ذلك.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك