رشوة الهيئة بقلم سلمان الدوسري
الاقتصاد الآننوفمبر 13, 2012, 4:19 م 1461 مشاهدات 0
لأننا تعودنا أن تأتينا الأخبار من الخارج لا الداخل، ها هي وزارة العدل الأمريكية تحقق في قضية منح مصرف باركليز البريطاني مدفوعات غير سليمة (بالعربي رشوة) للحصول على رخصة من هيئة السوق المالية، عندما منح المصرف الموافقة النهائية في أيار (مايو) 201o، وقالت هيئتنا الموقرة حينها إنها ''تحققت من أن المصرف يفي بجميع الشروط''.
وسأبدأ من الفقرة الأخيرة من أن الهيئة ''تحققت'' من جميع الشروط، وهو أمر جميل، لكن غير الجميل أنها غضت البصر عن شبهة فساد تتعلق بدخول أحد أكبر المصارف العالمية للسوق السعودية، وحين فُضح الأمر، بعد كشف صحيفة ''فاينانشيال تايمز'' القضية، فاجأتنا الهيئة بردة فعل باردة لم تتجاوز القول إنها لا تعلم عن الأمر شيئا.
أفهم ألا تكون وزارة العدل الأمريكية قد أخطرت الهيئة بذلك، وهو احتمال وارد، لكن ما نتوقعه أن تبادر الهيئة بالإعلان عن فتح تحقيق رسمي فور تسرب تلك الأنباء، وطمأنة الرأي العام السعودي بكشفها نتائج تلك التحقيقات فور الانتهاء منها، وهذا ما لم نجده قط في بيان الهيئة المقتضب الذي أرادت منه فقط ذر الرماد في العيون وترك الكثير من الأسئلة، الخبيث منها والطيب، معلقا، فكل إجابات تلك الأسئلة طلاسم لا تفصح عنها الهيئة بتاتاً، وكأننا نتعامل مع مؤسسة استخباراتية عسكرية!
بالتأكيد ليس شرطاً أن يفضي التحقيق إلى ثبوت شبهة الفساد، فما هذه إلا اتهامات لم تثبت حتى الآن، وهذا ما كان يمكن أن تفعله هيئة السوق لو كانت أكثر صراحة وفصّلت الأمر للرأي العام، فتجاهل الموضوع بهذه الطريقة الاستفزازية يرسخ انطباعاً بأن الهيئة غير عابئة بتحسين صورتها أمام المواطنين، وهنا أنقل دعوة أحد قراء ''الاقتصادية'' معلقاً على الخبر بالموقع الإلكتروني للصحيفة عندما طالب السلطات الرقابية والقضائية في السعودية بالتأكد من عدم وجود ممارسات خاطئة من قبل هيئة سوق المال ''ولو بأثر رجعي''، وعلينا أن نتذكر أننا عندما نتحدث عن الأسواق المالية عموماً فإننا نتحدث عن بيئة مغرية للفاسدين الباحثين عن ثغرات للنفاذ منها والاستفادة بطرق غير مشروعة.
قبل فترة قريبة أعلنت وزارة العدل الأمريكية قضية فساد مماثلة لإحدى الشركات الأجنبية المتعاملة مع ''أرامكو''، عندها قامت الشركة السعودية بالحد الأدنى، أعلنت أنها ستفتح تحقيقاً وستعلن نتائجه فور الانتهاء منه، وهذا ما حدث على الرغم من أن القضية كانت قد أقفلت أساساً، مع أنه كان حرياً بـ ''أرامكو'' أن تعلنها في حينه وليس بعد إعلان وزارة العدل الأمريكية، ومع ذلك فقد كانت ''أرامكو'' أفضل حالاً من هيئة السوق المالية التي تبرأت من القضية بجرة قلم، وكأن لها الحق في استغفال المتعاملين من شركات وهيئات ووزارات وأفراد. نذكّر الهيئة بأنها ليست فوق القانون أبداً وليس من حقها التعامل باستعلاء، خصوصاً في قضايا الفساد .. فهل بعد هذه شبهة؟
قبل 171 يوماً كتبت هنا مقالاً بعنوان ''مَن يحاسب الهيئة؟''، تساءلت فيه عن الجهة التي تحاسب هيئة السوق المالية عن أخطائها وغراماتها التي يشتكي منها الجميع، وها هي الهيئة تؤكد ذلك في طريقة تعاطيها مع شبهة فساد بترك التحقيق فيها لجهات رسمية خارجية، بينما أول جهة مسؤولة عن كشف الحقائق تتقاعس عن دورها تاركة الجمل بما حمل!
تعليقات