الإضرابات تهدد اقتصادات الربيع العربي الهشة بقلم فرح حليم
الاقتصاد الآننوفمبر 9, 2012, 11:53 ص 498 مشاهدات 0
النزاعات المتصاعدة بين الاتحادات العمالية وأصحاب العمل في شمال إفريقيا تهدد بعرقلة الانتعاش الاقتصادي بعد الثورات التي أطاحت بالحكام الطغاة في المنطقة. فقد نظم آلاف العمال، المعززين بروح التغيير السياسي، في مصر وتونس سلسلة من الاحتجاجات، ووصلوا إلى طريق مسدود في مفاوضات حول الحد الأدنى للأجور. وبينما يقول العمال إنهم يطالبون بحقوقهم التي حرمتهم منها الأنظمة الاستبدادية المطاح بها، تقول الشركات والمستثمرون الأجانب إن عدم الاستقرار الناتج من الإضرابات التي تقودها الاتحادات يعرض اقتصادات المنطقة للخطر. ويقول جاد مرابط، الشريك الإداري لدى شركة محاماة في تونس تدعى مرابط أدفوكاتيس: 'إن النقابات وصلت إلى درجة من القوة في تونس وهي تستغل نفوذها للضغط على الحكومة، فمن سيرغب في الاستثمار في دولة يحكمها العمال'. وهناك عمليات إغلاق قسري للمصانع والشركات في مصر وتونس، ما يهدد اقتصاد البلدين الهش بعد الثورات التي أطاحت بالأنظمة السابقة في العام الماضي. ويسمح مشروع قانون عمل في مصر قدمه أحمد البرعي، وزير العمل السابق، للنقابات للمرة الأولى بأن تقام خارج معايير 'اتحاد نقابات العمال المصرية' الخاضع لسيطرة الحكومة. لكن كان هناك تأخير في إنفاذ القانون بشكل كامل، الأمر الذي وضع آلاف العمال في فراغ قانوني. ويقول البرعي إن على الحكومات العربية أن تعترف بحقوق النقابات. فحتى مع زيادة الأجور الطفيفة، فإن العمال لا يزالون ضعيفي الأجر، إذا ما قارنا بينهم وبين عمال أوروبا. ويقول مستثمرون ورجال أعمال إن الإضرابات في شمال إفريقيا قللت من اجتذاب هذه البلدان للاستثمارات، على الرغم من تمتعها بقوة عمل كبيرة ورخيصة نسبيا، ومناخ ضريبي جاذب للمستثمرين الأجانب على مر التاريخ. وتعد شركة كرافت للصناعات الغذائية في الولايات المتحدة واحدة من الشركات التي واجهت صدامات مع العمال في مصر وتونس حول عقود العمل والمطالبة بأجور أعلى. وقالت كرافت التي لم تعلق على عملياتها في تونس لأن لديها حصة ضئيلة هناك: 'إن عددا قليلا من العمال كانوا يحرضون على الإضراب في الأسكندرية في مصر، حيث منعوا الآخرين من التوجه إلى العمل، الأمر الذي كان له أثر كبير وخسائر في أعمالنا. لقد اختاروا أن يتجاهلوا المسار القانوني الطبيعي الذي ينظم توقف العمل'. ويطالب العمال بزيادة الأجور 15 في المائة، وهو أمر قالت كرافت إنها 'كانت تتوقعه بالفعل وقد طبقته'. وذكرت الشركة أن القضية قيد النظر أمام محكمة العمل المصرية. وقالت كرافت: 'نحن نتفهم أنه في السياق المصري الحالي تتعرض شركات أخرى محلية وعالمية لمثل هذا النوع من تصرفات العمال العفوية'. واستجابت شركات أخرى في شمال إفريقيا لما سمته إضرابات غير قانونية. فموانئ دبي العالمية، مشغلة الموانئ التي تتخذ من دبي مقرا لها، اضطرت إلى إيقاف ميناء العين السخنة المصري مؤقتا في شباط (فبراير) الماضي بسبب الإضرابات. لكن العاملين في الميناء نظموا هذا الشهر إضرابات للمطالبة بعودة زملاء لهم قالوا إنهم يعتقدون أنهم فصلوا من العمل ظلما. تقول موانئ دبي العالمية إن قضايا العمال سببت تباطؤا كبيرا في العمليات، ما أثر على كل من العملاء والاقتصاد المصري. وفي تونس عمقت الإضربات أزمة اقتصادية أدت إلى طفرة في معدل البطالة، لتصل إلى 18 في المائة، في وقت تلقى فيه الاقتصاد الذي كان مرغوبا فيما مضى من قبل المستثمرين في الأسواق الحدودية، ضربة قوية بسبب الأزمة المالية الأوروبية. ويقول حاتم كشك، المؤسس والرئيس السابق لبنك تونس العربي، إن تأثير الإضربات 'هائل'، ويؤدي تكرار الإضرابات في جميع القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والأمن والبيع بالتجزئة، إلى تراجع جاذبية البلاد للاستثمار. وكانت تونس رغم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، جيدة في نظر المستثمرين الأجانب، وذلك يرجع لطبقتها الوسطى الكبيرة المتعلمة ونظامها الاجتماعي الليبرالي. وأصبحت المغرب المجاورة سوقا خارجية أكثر جذبا وأخذ المستثمرون يحولون اهتمامهم إليها. ويخلق النفوذ المتنامي للاتحاد الأكبر في تونس، وهو الاتحاد العام التونسي للعمل، توترا في أوساط رجال الأعمال. وقال مرابط، المحامي، إنه على الرغم من أن العمال كانوا من بين الفئات المهمة التي أطاحت بالنظام في العام الماضي، إلا أنهم أصبحوا قوة خطيرة، مع مطالب مستمرة لزيادة الأجور وإضرابات متكررة يحتمل أن تكون 'كارثية بالنسبة الاقتصاد'. وترى منظمات العمل الدولية أن الحكومات مسؤولة جزئيا عن غياب الحوار مع النقابات. ويقول بين موكسهام، من قسم العلاقات الدولية لدى مجلس الاتحاد التجاري الإنجليزي: 'لقد أبدت الحكومات رغبة ضعيفة في تشجيع النقابات الديموقراطية، بدلا من إبقاء الأمر على ما هو عليه'. ويعتقد موكسهام أن على الحكومات أن تتخذ تدابير لتهدئة العمال من خلال 'مكاسب مشتركة'، بما في ذلك مزيد من الأمن الوظيفي، مع عقود طويلة الأجل، وضمانات خاصة بالصحة والسلامة، وزيادات في الأجور.
تعليقات