هل كانت المصارف البريطانية أدوات لتحقيق مآرب سياسية؟ بقلم زياد محمد الغامدي

الاقتصاد الآن

550 مشاهدات 0


 في رأيي الشخصي نعم، ففي مقالات سابقة تطرقت إلى استحالة تورط المصرفين البريطانيين ستاندرد تشارترد وإتش إس بي سي في عمليات غسيل أموال تقدر بمئات المليارات من الدولارات، دون علم مسبق وضوء أخضر من إدارات هذه المصارف العليا. ومثل هذه القرارات تتخذ بعد معرفة مفصلة من الجهات الإدارية العليا بجميع مخاطر وعواقب القيام بمثل هذه العمليات، التي تعد مشاركة مباشرة في الجرم، والتي ينبغي لها أن تواجه جنائيا وليس ماليا فقط. وأود أن أضيف أنه لا يتبوأ المناصب العليا والتنفيذية (التي تقدر أجورها بعشرات وفي بعض الأحيان مئات الملايين من الدولارات) في هذه المصارف الكبرى، إلا من يتسم بالعلم الغزير والدراية الإدارية العميقة والحنكة والدهاء الحاد والذكاء الشديد. فما الذي جعل من هم بهذه الصفات يقدمون على مثل هذا العمل المخزي لهم إنسانيا، الذي يشكل وصمة عار مهنية وأخلاقية ليس باستطاعة أحد محوها أو حتى الدفاع عنها؟   إنها الضمانة السياسية من الملاحقة القانونية المقدمة من جهات عليا تمثل مصالح بريطانيا في المنطقه والعالم. وهذه الجهات السياسية العليا تعد تحقيق المصالح البريطانية فوق كل الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية مهما بلغت من قساوة وانحلال ورذالة، الطرق المؤدية لتحقيق هذه الغايات والمصالح. وليس المجال هنا لذكر التاريخ البريطاني الأسود في المنطقة ابتداء من مواقف هذه الدولة تجاه قضايا العرب في فلسطين المغتصبة، وانتهاء بالتضليل الإعلامي والسياسي الممنهج تجاه قضايا حقوق الإنسان في الخليج العربي. فالمتتبع لتاريخ المصارف البريطانية وانتهاكاتها للقوانين والأعراف يلاحظ أنه تاريخ مليء بالوعود الكاذبة التي لا تهدف سوى لإطفاء غضب الرأي العام الساخط أصلا على هذه المصارف، التي لم تتسبب سوى في الأزمات الاقتصادية الخانقة سواء للشعب الغربي أو شعوب العالم أجمع. والمتتبع لتفاصيل المراسلات التي حدثت بين موظفي هذه المصارف المنذهلين من عمق هذه المخالفات، التي تشير بشكل واضح إلى شعورهم بالخوف الشديد مما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، بسبب هذه الممارسات الدنيئة التي يندى لها الجبين، تجعل من المستحيل القبول بالأعذار الواهية التي قدمها كبار التنفيذيين في هذه المصارف للجهات القضائية الأمريكية، والتي تصب معظمها في خانه (أعتذر فلم أكن أعلم أن الأمور بهذا السوء)، والحقيقة أن لسان حالهم يقول (افعلوا ما شئتم فأنا في مأمن من الملاحقة).   حتى رئيس مجلس إدارة ''إتش إس بي سي'' الذي قضى حياته المهنية في التشدق بضرورة الالتزام بالأخلاق قبل الالتزام بقواعد الصيرفة، ما زال يلتزم الصمت تجاه مصرفه الملطخ بعمليات تغطية على تحركات أموال النظام الإيراني الأرعن، وعصابات الاتجار بالمخدرات في المكسيك. وحتى فضيحة اللايبور، (التي لم نعد نقرأ عنها)، والتي تنسف نظرية أن أسعار الفائدة تحدد من قبل قوى العرض والطلب دون أي تأثير آخر، لم يكن لها أن تشهد النور لولا تواطؤ رؤساء البنك المركزي البريطاني المتعاقبين - كما يشير كثير من التقارير. أما الإعلام البريطاني الذي يدعي المهنية والحياد بحثا عن الحقيقة، فلم نجد له تغطية إعلامية جادة لانتهاكات مصارفه. وأذكر أني كنت أشاهد أحد البرامج المالية البريطانية بداية فضيحة تصرفات وأعمال المصارف البريطانية، ولم يكن من المذيعة وضيفها سوى التهكم على الاتهامات ومحاولة التخفيف من وطأتها والتعليق بسخرية على ارتفاع سعر سهم ''إتش إس بي سي'' يوم أعلن فيه عن بداية هذه التحقيقات.   الحقيقة مفادها أن سمعة وشعبية الساسة البريطانيين لم تصل إلى الحضيض من فراغ، بل هي نتاج تاريخ طويل وغامض ومليء بكل أنواع الدسائس والمؤامرات والأكاذيب والتضليل الممنهج والمقصود. وشعوب العالم لا ينقصها الذكاء الفطري لمعرفة كل ما تتآمر به هذه الدولة الاستعمارية التي تضرب بعرض الحائط جميع الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية، حين يأتي الأمر لمصالحها المادية وأطماعها الجشعة في المنطقة وفي العالم كله. وما الفضائح المصرفية البريطانية وأعمالها التي يندى لها الجبين سوى حلقة صغيرة من سلسلة طويلة من المؤامرات والحيل البريطانية لتمرير أجندتها السرية غير المعلنة في العالم. ويشهد التاريخ القديم والحديث أن هذه السلسلة الطويلة ملطخة بدماء الأبرياء في العالم. وهؤلاء الساسة البريطانيون الذين لا يجدون ضيرا في استخدام المجانين في الحكومة الإيرانية والقتلة من تجار المخدرات، لا خير يرتجى منهم، ولا صدق يصدر عنهم، ولا نفع يرتجى من أعمالهم. والغريب فعلا أن العالم كله يعلم هذه الحقيقة، ولا يجهلها (أو يتجاهلها) إلا هم وعملاؤهم الذين لا يقلون دناءة عنهم. أما من يصدقهم، فنسأل الله له الهداية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك