الإسبان التعساء يتفقدون حتى الفجر الكاذب بقلم توبياس بوك

الاقتصاد الآن

434 مشاهدات 0


لا يواجه روكي مارشال أي متاعب في تذكر التاريخ المحدد الذي بدأ فيه الانزلاق نحو الخراب المالي. حدث ذلك في التاسع من كانون الثاني (يناير) 2006، وكان ذلك هو اليوم الذي حصل فيه على رهن من البنك لشراء مبنى أقام فيه مشروعا صغيرا في مجال النجارة. وقد تم تأمين القرض البالغ 390 ألف يورو بضمان المبنى نفسه ومنزل عائلة مارشال جنوبي مدريد.

في ذلك الوقت، كانت إسبانيا لا تزال تنعم بثمار ازدهار مطول في قطاع الإسكان وكان العمل جيدا. لكن العقود تضاءلت، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 كان على مارشال أن يغلق الشركة.

ولأنه كان مصرا على ألا يفقد بيت العائلة، اقترض نقودا من بناته اللاتي أخذن بدورهن قروضا من المصارف باسمائهمن للمساعدة في تغطية نفقات الرهن الشهرية. ومع ذلك، وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2009، فشل في سداد القرض. وتم استرداد ملكية منزل عائلته العام الماضي وجرى عرضه للبيع في مزاد مرتين دون أن يتم بيعه. ومع استمراره دون عمل طوال السنوات الأربع الماضية، لا يزال مارشال يعيش في منزله، لكنه يخشى أن يتم طرده في أية لحظة.

وتتكرر قصة ازدهار الإسكان وكساده، والدين والبطالة في بلدات وقرى في جميع أنحاء إسبانيا. وهي قصة تسيطر على الحكومة الإسبانية في وقت تفكر فيه مليا في المخاطر السياسية والمزايا الاقتصادية لخطة إنقاذ من للاتحاد الأوروبي.

لكن بالنسبة للملايين من الإسبان من أمثال مارشال، يعتبر الركود الحاد في البلاد قبل كل شيء حقيقة من حقائق الحياة اليومية، تنعكس في واجهات المتاجر الخالية ومطابخ الصدقة المكتظة، في الدين الشخصي الساحق، ونفقات الرهن التي تم تخطيها، والتهديد بالطرد الذي يلوح في الأفق.

وقد ارتفع عدد العاطلين 128 ألف شخص في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وفقا لأرقام حكومية تم نشرها أمس الأول، وارتفع معدل العاطلين الشهري إلى ما يزيد على 25 في المائة للمرة الأولى في تاريخ إسبانيا الحديث.

واختفت خلف الأرقام الموجودة في العناوين إحصائيات ربما تكون أكثر إثارة للقلق. مثلا، تبلغ البطالة بين الشباب الآن أكثر من 52 في المائة، وهي أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط في جميع أنحاء العالم المتقدم.

وفي خمسة من أقاليم إسبانيا الـ 19، بما فيهم الأندلس وإكستريمادورا، حيث يكون عدد السكان كبيرا، يزيد معدل العاطلين على 30 في المائة، وهو ما يفوق معدل البطالة في قطاع غزة. وارتفع عدد العائلات الإسبانية التي يعاني جميع أفرادها البطالة إلى أكثر من 300 ألف خلال العام الماضي، ويعني هذا 1.7 مليون شخص، أي 10 في المائة من العائلات في كل أنحاء البلاد.

وترسم هذه الإحصائيات وغيرها من الإحصائيات الحديثة صورة للتعاسة التي لا هوادة فيها والتي يعتقد بعض المحللين والاقتصاديين أنها صحيحة جزئيا فقط. وهم يشيرون إلى صمامي أمان حيويين، لكنهما خفيان، قد يقطعان شوطا نحو تخفيف الضائقة الاجتماعية، وهما الاقتصاد الأسود الذي يمثل ما يصل إلى 25 في المائة من الناتج القومي وفقا للتقديرات، والشبكات العائلية.

وتقول كارمن جونزاليس إنريك، وهي محللة في معهد إلكانو الملكي، وهو مؤسسة بحثية مقرها في مدريد: ''تعتبر العائلة الملاذ الأساسي للشباب والعاطلين. ويعيش الجيل الأصغر الآن عادة مع الآباء، ومن معاش الآباء''.

لكن كما تُظهر حالة مارشال، يصبح من الصعب مع مرور شهر تتوفر فيه الاحتياجات الأساسية، حتى مع المساعدة التي يقدمها أفراد العائلة. ولا يوجد أمل كبير في التحسن، فالاقتصاد الإسباني مهيأ للانكماش أكثر في العام المقبل، ومن المتوقع أن يعاني مزيدا من الخسائر في الوظائف.

ويقول لويس جاريسانو، وهو أستاذ في كلية لندن للاقتصاد: إنه حتى وقت قريب كان يعتقد أن صورة إسبانيا أسوأ من الوضع الحقيقي، لكنه لم يعد يعتقد ذلك.

ويرى جاريسانو أن إسبانيا تواجه الآن تهديدا أكبر من قبل الضائقة الاجتماعية في الوطن، من ذلك النابع من أسواق رأس المال في الخارج، ويقول: ''إن كيفية تفجر الوضع الآن لن تكون من خلال الجانب المالي، ولكن في حالة ما إذا ارتفعت البطالة ثلاث أو أربع نقاط، وبدأ الناس يفقدون الأمل''.

وعلى أية حال تشير الصحف اليومية في إسبانيا إلى أنه في بعض الحالات يكون فقدان الأمل بالفعل مسببا للخسائر البشرية. فقد أتى الشهر الماضي بقصة رجل في الـ 53 من عمره من فالنسيا، قفز من شرفة شقته. ويقال: إن ذلك حدث قبل لحظات فقط من الوقت المقرر لاستلامه إشعارا بالإخلاء. وقد بقي على قيد الحياة، لكن في اليوم نفسه عُثر على رجل في الـ 54 من عمره ميتا في شقته في غرناطة. ولأنه كان أيضا يواجه مطالبة بالإخلاء، فقد شنق نفسه.

وهناك أيضا قصص تعتبر أقل مأساوية، لكن أكثر انتشارا بكثير تتعلق بإسبان وأجانب لم يعودوا يروا أن هناك مستقبلا لهم في إسبانيا. ووفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية، رحل ما يزيد على 365 أجنبيا ونحو 55 إسبانيا في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2012. وهذه الأعداد لا تعتبر إشارة لحالة نزوح جماعي، لكنها ترتفع بشكل مطرد.

وبالنسبة لمعظم الإسبان المتأثرين بالأزمة يوجد القليل مما يمكن فعله غير أن يبقوا في أماكنهم ويأملوا أن تأتي أوقات أفضل.

وبينما يفكرون في الماضي القريب، يتشارك كثيرون في الحيرة التي عبر عنها مارشال، حين يقول: ''في وجود سيارتي ومنزلي اعتبرت نفسي طوال حياتي أحد أفراد الطبقة الوسطى. كانت لدي حياة جيدة إلى حد كبير، ولم أفكر أبدا في أن هذا يمكن أن يحدث لي''.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك