أسوأ ما في أمريكا نظامها الصحي فلمَ نتبعه؟! بقلم د. عبدالرحمن محمد السلطان

الاقتصاد الآن

629 مشاهدات 0


يعاني القطاع الصحي في المملكة من ضغط كبير ومن مشكلات تنظيمية تجعل من الضروري إعادة صياغة هذا القطاع بصورة تسمح في تحسين مستوى الخدمات المقدمة وتجعله قادراً على مواكبة النمو الكبير في الطلب على الخدمات الصحية. ويبدو أن هناك قناعة كبيرة بأن التوسع في التأمين الصحي الخاص خيار مناسب للتعامل مع هذه الإشكالات وأن ذلك يمكن أن يسهم في الحد من متطلبات الإنفاق الصحي الحكومي مستقبلا وهذا وهم وخطأ فادح. فتجارب العديد من دول العالم المتقدمة في إدارة وتنظيم القطاع الصحي تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن التأمين الصحي الخاص خيار غير مناسب للمملكة كونه سيتسبب في الواقع في ارتفاع كبير في تكاليف الرعاية الصحية على الدولة ويقلل من كفاءة النظام الصحي وقيم العدالة فيه، وتجربة الولايات المتحدة خير شاهد على ذلك.

فالولايات المتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها نظام رعاية صحية شامل حيث يعتمد تمويل الخدمات الصحية بشكل رئيسي على التأمين الصحي الخاص الذي يغطي حوالي 67% من الأمريكيين، كما أن معظم المنشآت الصحية في الولايات المتحدة تملك وتدار من قبل القطاع الخاص، وتجربتها تظهر بما لا يدع أي مجال للشك أن التوسع في التأمين الصحي الخاص وعدم امتلاكها لتأمين عام شامل أسوة بما هو قائم في معظم الدول المتقدمة الأخرى تسبب في الواقع في ارتفاع هائل في تكاليف الرعاية الصحية وقلل من كفاءة نظامها الصحي بشكل حاد. فالإنفاق الصحي في الولايات المتحدة شكل في عام 2006 حوالي 15.3% من ناتجها المحلي الإجمالي بينما لم يشكل هذا الإنفاق في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، إلا 8.2% من ناتجها المحلي الإجمالي وفي أستراليا بلغت هذه النسبة 8.7%، كما أن نصيب الفرد من الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة بلغ 6,719 دولاراً في العام فيما لم يتجاوز في المملكة المتحدة وكندا 3,332 و3,302 دولار على التوالي.

بل إن النظام الصحي في البلدان المتقدمة التي تعتمد نظام التأمين العام الشامل لم يكن فقط أقل تكلفة إنما أيضا كان أكثر كفاءة مقارنة بالنظام الصحي الأمريكي. فرغم إنفاق الولايات المتحدة 15.3% من ناتجها المحلي الإجمالي على الخدمات الصحية وكون متوسط نصيب الفرد من الإنفاق الصحي هو الأعلى على مستوى العالم، فهناك حوالي 45 مليون أمريكي أو 15% من السكان دون تأمين صحي، إضافة إلى حوالي 25 مليون أمريكي لا يستطيعون تحمل الفرق بين ما يغطيه تأمينهم الصحي وبين فواتير علاجهم. كما أن العمر المتوقع عند الولادة في الولايات المتحدة يبلغ 78 عاما فيما يصل في أستراليا إلى 82 عاما وفي كندا 81 عاما، والعمر المتوقع بصحة جيدة عند الولادة لم يتجاوز في الولايات المتحدة 70 عاماً بينما وصل في أستراليا إلى 74 عاما وفي كندا 73 عاما، ووفيات الأطفال حديثي الولادة ووفيات الأطفال دون الخامسة كلاهما أعلى في الولايات المتحدة مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى. ما يعني أن التأمين الصحي الخاص في الولايات المتحدة لم يتسبب فقط في ترك شريحة واسعة من المواطنين دون تغطية تأمينية صحية أو بتغطية غير مكتملة وإنما أيضاً تسبب في ارتفاع هائل في تكلفة خدماتها الصحية مع تحقيقها مستوى أقل من الكفاءة مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى التي تبنت خيار التأمين الصحي العام الشامل الذي حقق لها عائداً أعلى على الإنفاق الصحي وقدرة أكبر لنظامها الصحي على الاستدامة الاقتصادية والمالية.

وعليه فإن التوسع الحالي في التأمين الصحي الخاص في المملكة أمر في غاية الخطورة وسيصنع واقعاً يصعب التخلص منه مستقبلا تماماً كما هو الحال في الولايات المتحدة التي تجد الآن صعوبة كبيرة ومقاومة شرسة لجهود إصلاح نظامها الصحي.. وللحديث بقية.

 

الآن:الجزيرة

تعليقات

اكتب تعليقك