الشعب يرفض ضرورة المرسوم
زاوية الكتابهل هذه الممارسة مطلقة للأمير حتى مع معرفته برفض الشعب لمرسوم معين أن يصدره ؟
كتب نوفمبر 3, 2012, 11 م 7985 مشاهدات 0
أنا أحيي وأميت (كرامة وطن)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) البقرة
حق الإحياء والإماتة عبارة تشرح تخيلات السلطة لحدود صلاحياتها ولعل مشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي الشهير شرح هذا المعنى في كتابه (يجب حماية المجتمع) فقد قدم فوكو أن السلطة معتزة بممارستها حق الإماتة بل تجاوزت ذلك لاعتماد حق الإحياء والإماتة وهو حق تحتكره السلطة. ويعلق فوكو إذا كان هدف العقد الاجتماعي حماية الحياة فكيف يتضمن ذلك حق الإماتة؟!
المراد أن الفكرة المتعلقة بسعة صلاحيات الحكم في أي مجتمع هي مقياس مقدار حرية وكرامة هذا الشعب، فالفعل السياسي بذاته محاولة للتعبير عن رأي في فعل عام ومؤثر علي عدد واسع من الناس. وإذا كانت الفكرة الرئيسية لمشروع المشاركة السياسية أن تنعكس تصورات الناس على الفعل السياسي فعليه يصبح أي خلاف في معاني الإمكانيات السياسية للأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية يجب أن يحسم في سياق لا يسمح فيه بتغيب أي طرف فاعل أو إعطاء طرف حق الإطلاق.
إن محاولات تقزيم المشهد واختزاله قد يكون غير منطقي فإن شعباً يخرج بأكثر من مئة وخمسين ألفًا أو يزيد، بصورة سلمية، لا يمكن أن يكون مطلبه بسيطًا في حقيقته. إن هذا الصراع وإن بدا واضحًا أنه حول موضوع التصويت فإن حقيقته تدور حول مساحة فعل الشعب في تقرير مصيره .فإذا كان الدستور بذاته هو ممارسة للحد من سلطات الحاكم إذ أن الحاكم المطلق هو من لا يحده قانون أو قيود يضعها المتفقون على الدستور . والخلاف اليوم هو في ذاته خلاف في الخروج من صورة ما قبل الدستورية وهي صورة الحاكم المطلق والدخول في عصر القيود الدستورية؛ وإن كان البعض سيبادر إلى أن هذه القضية بذاتها تدخل ضمن الصلاحية الدستورية! ولا شك عندي أن الدستور بوضوح يعطي الأمير، وهو ممثل أحد أطراف وثيقة الدستور (الأسرة-الشعب)، حق إصدار المراسيم في غيبة المجلس ممثل الشعب؛ ولكن يقيد ذلك أن يكون هناك ضرورة تستدعي هذا الفعل . ولكن يصبح الخلاف هنا هل هذه الممارسة مطلقه بحيث يجوز للأمير حتى مع معرفته برفض الشعب لمرسوم معين أن يصدره؟ ولعل الخبراء الدستوريين مجمعون على أن قيد الضرورة تقديري ولكن يعلم كذلك الجميع أن حالة الضرورة لا يمكن أن تكون في أمر أجمعت جميع القوى السياسة على رفضه، فكل حركة سياسية سواء إسلامية أو ليبرالية أعلنت مقاطعتها للانتخابات في حالة التغير.مما يجعل الحديث عن 'ضرورة' غير مبرر إذ إن الحالة تحمل معنى آخر وهو الخلاف بين الشعب والسلطة في موضوع أساسي في الفعل السياسي. إن المسيرات وإن كانت تتحدث عن موضوع الانتخاب إلا أني أعتقد أن اختيار اسم كرامة وطن هو في ذاته إعادة لفكرة أن الشعب يمتلك صلاحيات طبيعية لكي يقنع السلطة بعدم الإطلاق وأن الدستور يقيد الصلاحيات ولا يطلقها ولا يصح أن تكون رخصة الضرورة أداة لتغيير ما يتفق الشعب في كل قواه السياسية على رفضه، فهنا صوت الشعب واضح وجلي أن هذا المرسوم غير موافق لمطالبه وعليه فإن المخلصين ينصحون أن يتم أخذ رأي الشعب في الاعتبار.
فشعبنا من أرقى شعوب العالم فهم من يسير شبابه في مسيرة سلمية تتسامى في سلميتها واحترامها للممتلكات والحقوق بصورة مشرفة في ظل توتر السلطة وارتباكها الشديد واستخدامها أساليب العنف والقمع واستفزاز المتظاهرين؟
لقد سقت الحديث دائماً دون محاولة توجيه النصائح للسلطة ولكن لهذا الشعب الواعي أقول إن مسار التاريخ تصاعدي وفق صيرورة تاريخية للأفضل فتفاءلوا.
الدكتور عبدالهادي العجمي
استاذ التاريخ
جامعة الكويت
تعليقات