قضي الأمر الذي فيه تستفتيان

بعد أن عبّر نبي الله يوسف رؤيا صاحبيه في السجن قالا إنما كنا نلعب فرقاً من صدق تعبير يوسف لرؤياهم فقال لهما قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. فاليوم قـْضي الأمر الحاسم في مصير العملية الانتخابية على أن تكون خمس دوائر بصوت واحد لكل ناخب بمرسوم من مراسيم الضرورة التي أعلن عنها الأمير. هذا المرسوم  على الرغم من وجود من يعترض عليه إلا أنه أخذ الصفة الرسمية والدستورية ما لم يتبيّن غير ذلك. لقد رأى أعضاء الأغلبية بأن هناك تعديل قد يخل بالعملية الانتخابية حسب زاوية رؤيتهم و قد تحققت تلك الرؤى, فها هي خمس دوائر بصوت واحد لكل ناخب.  المراقب للوضع السياسي في دولة الكويت بالأخص إبتداءا من مجلس 2009 ذو الغالبية القبيضية ثم إبطال مجلس 2012 ذو الغالبية الشعبية بحكم دستوري مروراً باستفتاء الحكومة لتعديل الدوائر وإنتهاءاً بالنظام الجديد للعملية الإنتخابية لا يشعر بوجود حسن نية في عملية الإصلاح السياسي المحلي بل على العكس يشعر بأن هناك وزن يرجح الكفّة المضادة لكفّة الشعب.
أما على الطرف الأخر من الجبهة, فإن التصعيد المبالغ فيه من نواب الأغلبية في ديوان النملان و الخليفة وما قيل في ساحة الإرادة بمس علني للذات الأميرية ليس من أصول العملية السياسية الحكيمة التي تقتضي بالخوض فيما هو مسموح به. ولـّدت هذه الحدة في الخطاب تعاطفاً سياسياَ كبيراَ حتى أن بعضاً من أعضاء الأغلبية رفض تلك اللهجة القاسية العلنية, ولعلها كانت أحد الأسباب في الاستعجال لحسم الأمر في عملية التنظيم الانتخابي لوجود الزخم التعاطفي الكبير للسلطة آنذاك.
حتى لا أُعتبر متخاذلاً فأنا إلى أبعد حد يُسمح به العرف والتقليد والقانون ضد أن تُسلب الحريات بعد منحها كتقليص عدد الأصوات لكل ناخب, وكصورة من صور التعبير عن الرأي الخروج في مسيرة سلمية -وليس الخروج على الحاكم كما يتوهمه البعض-  حتى تصل رسالتنا لمن يهمه الأمر دون الحياد عن الآداب العامة من قول أو فعل. اليوم تحققت هذه الرسالة بمشاركة أعداد غفيرة من المواطنين على الرغم من استخدام القوة ضد المشاركين بالمسيرة. بالإضافة إلى ما سبق, تعتبر مقاطعة الانتخابات نوع أخر من أنواع التعبير عن الرأي والذي سينتهجها الأغلبية من الشعب الكويتي بما فيهم نواب الأغلبية على حد زعمهم.
ماذا بعد ذلك؟ التصعيد والمبالغة في رد الفعل ليس خياراً حكيماً و إن كان سلوكاً يُـنتهج من قِـبل البعض, ومادتهُ إما جـُهال ليس لهم ناقة ولا جمل أو عقول الشباب التي تكون متحمسة دائماً وأرضية خصبه لأصحاب الأفكار والأهواء السياسية. على المرء في هذه الأوضاع أن يرى الأمور بأوسع من مدارك الأبصار وأن يقلب صالحها وطالحها ويقيس الأمور بمقياس العقل والحكمة لا مقياس التعجل والطيش و أثبتوا لمن وصفكم بالغوغائيين بأنكم صدقاً أصحاب قضية منبعها ومصبها وطنية بحتة.
مما يؤسف له حقيقة هو بث أغاني وطنية على إذاعة دولة الكويت تزامناًً مع المسيرة, حتى ظننت أنه سيتكلم شخصاً ما ليقول بيان رقم واحد.

نواف بعيجان المطيري