قواعد ذهبية لزمن غير ذهبي بقلم د محمد العسومى
الاقتصاد الآنأكتوبر 16, 2012, 12:43 م 806 مشاهدات 0
يعتبر الاتحاد الأوروبي الأكثر نجاحاً من بين التكتلات الاقتصادية في العالم، بل إنه غدا النموذج الذي تحاول التكتلات الأخرى السير على نهجه لبلوغ الأهداف المشتركة التي تحقق لكافة الأعضاء الأمن والتقدم الاقتصادي. ولذلك، فإن ما تعرض له الاتحاد الأوروبي أثناء الأزمة المالية وأزمة اليورو أوجد العديد من الشكوك حول قدرة الاتحاد الأوروبي، وبالأخص عملته الموحدة على الاستمرار، إلا أن قادة أوروبا برهنوا مرة أخرى على إيمانهم بالقول المأثور القائل إن 'الضربة التي لا تقتلك تقويك'.
ومن هنا وبعد مراجعة دقيقة وشاملة وضعت البلدان الأوروبية يدها على الجرح النازف والكامن في عدم الالتزام بالاتفاقيات والالتزامات المبرمة فيما بينها، وبالأخص القواعد المالية، مما حدا بالاتحاد الأوروبي إلى وضع ما يسمى بالقواعد الذهبية، وهي عبارة عن معاهدة مالية جديدة ترمي إلى تعزيز الانضباط المالي.
ومن بين أمور أخرى عديدة تتعهد البلدان الموقعة بتقليص الإنفاق والالتزام بسياسات اقتصادية تقشفية، مثلما يحدث حاليّاً في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث لاقت هذه السياسات التقشفية مقاومة شديدة من النقابات ومنظمات المجتمع المدني، بل إن الأخطر من ذلك هو بروز قوى معارضة لسياسة التقشف، وبالأخص مع وصول فرانسوا هولاند لسدة الرئاسة في فرنسا التي تعتبر أحد مهندسي معاهدة القواعد الذهبية إلى جانب ألمانيا.
وبالإضافة إلى فرنسا، فإن موقف اليونان يبدو أصعب وأكثر تعقيداً مع وصول معارضي المعاهدة للحكم ومع اشتداد أزمتها المالية، وذلك على رغم الموافقة على ضخ 250 مليار يورو في شرايين الاقتصاد اليوناني، إلا أن الدعوة للخروج من منطقة اليورو تنامت في الآونة الأخيرة مع المطالبة بعودة 'الدراخما'.
وإذن يبدو الاتحاد الأوروبي أمام امتحان قاس، فالقواعد الذهبية التي علقت عليها الآمال للخروج من أزمة اليورو جاءت في زمن غير ذهبي لأوروبا وللاقتصاد العالمي ككل، حيث تعتبر الخيارات محدودة، فرئيس البنك المركزي الألماني والممثل لأكبر اقتصاد أوروبي حذر الرئيس الفرنسي المنتخب من التمادي في رفض القواعد الذهبية.
ومن جانبه لا يمكن لفرانسوا هولاند التخلي تماماً عن وعوده الانتخابية، وإلا فقد مصداقيته قبل أن يبدأ ولايته الأولى، مما سيضع الاتحاد الأوروبي في مأزق حقيقي خلال الفترة القادمة، علماً بأن هناك مخارج عملية، إلا أنها تتطلب ما يشبه العمليات الجراحية لاستئصال العقبات التي تواجه مسيرة الاتحاد التي، في حالة حلها بنجاح، ستؤدي إلى تعزيز الاتحاد بصورة أقوى وأكثر تماسكاً.
وأول هذه المخارج يكمن في إيجاد توافق بين ميركل وهولاند من خلال الحلول الوسط والمساومات، فالأمر بالنسبة للبلدين غير قابل للعودة إلى الخلف، فأوروبا أصبحت تحت قيادتهما موحدة واحتلت موقعها الجديد والمهم في العلاقات الدولية، إذ يبدو هذا الاحتمال هو الأقوى والأقرب للتطبيق لاستكمال مسيرة الاتحاد.
أما المخرج الآخر، فيكمن في أسلوب القطط، فالقطة تأكل أحد مواليدها في كل مرة، حيث فسر ذلك باختيارها لأضعف مولود لتأكله خوفاً على مصيره ومن أجل حماية الصغار الآخرين الذين يشاركهم الحليب، وفي حالة أوروبا، فإن اليونان تعتبر الحلقة الأضعف في الاتحاد الأوروبي. ومن هنا ازداد الحديث عن إمكانية خروجها من منطقة اليورو وبقائها عضواً في الاتحاد فقط، مما قد يؤدي إلى حل العديد من المصاعب والتحديات المحيطة بالعملة الأوروبية الموحدة وسيقوي من مكانتها في أسواق المال والنقد العالمية وسيفتح أمامها آفاقاً جديدة.
وفي كل الأحوال، فإن أوروبا قادرة على حماية اتحادها وعملتها الموحدة، وخصوصاً إذا ما تمكنت من الالتزام بالقواعد الذهبية التي أوكلت إلى محكمة العدل الأوروبية مهمة مراقبة تنفيذها، مما يعزز الثقة في مستقبل الاتحاد وعملته الموحدة، ليقدم بذلك مثالاً حياً يحتذى به للاتحادات والتكتلات الأخرى في العالم.
تعليقات