صفعة وكالات التصنيف الائتمانية للاقتصاد العالمي بقلم محمود احمد
الاقتصاد الآنأكتوبر 16, 2012, 12:37 م 785 مشاهدات 0
“ماذا يمكن أن نتوقع من طريق سريع بدون ضوابط للسرعة أو خطوط طريق”، هكذا وصف التقرير الصادر في يناير/كانون الثاني 2011 من اللجنة الخاصة المُشكّلة من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي للبحث في أسباب الأزمة المالية، هكذا وصف التقرير سبب الأزمة المالية العالمية، ولكن اللجنة انتهت إلى أن سبب الأزمة لم يكن جشع المصارف الكبيرة فقط، بل كذلك جشع واستهتار وكالات التصنيف الائتمانية الكبرى، ولكن لماذا خلُص التقرير إلى هذه النتيجة؟ ولماذا تم زج وكالات التصنيف الائتمانية في أزمة كانت المصارف سببها؟
إن وكالات التصنيف الائتماني بشكل عام هي أحد أهم اللاعبين في الأسواق المالية وبالخصوص أسواق السندات والديون، حيث إنها تقوم بتقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الديون، سواء كانت ديوناً لشركات أو حكومات، وتُعد قدرة الشركة أو الدولة على الوفاء بأصل الدين وفوائده المترتبة في أوقات السداد المتفق عليها من أهم المؤشرات التي تُقاس عليها الجدارة الائتمانية للشركات والحكومات من قبل هذه الوكالات، لذا فإن الشركات أو الدول ذات التصنيف الائتماني الجيد تستطيع الحصول على قروض بفائدة أقل من الشركات أو الحكومات التي يكون لها تصنيف أقل، بمعنى أنه كلما ارتفع التصنيف الائتماني فإن مخاطر عدم الوفاء أو التخلف عن السداد في المواعيد المحددة تقل، ما يؤدي إلى احتساب نسبة منخفضة على الفائدة المقررة، ويُعد التصنيف كذلك من أهم المؤشرات التي تدفع المستثمرين إلى الاستثمار في شركات أو دول دون غيرها .
ومن أبرز شركات التصنيف الائتماني التي تُهيمن على هذا السوق الحيوي عالميا ومحليا، شركة “ ستاندرد آند بورز” و”فيتش” و”موديز”، وهي تمتلك ما يقارب90% من حجم سوق التصنيفات الائتمانية الذي يبلغ قرابة 3 ملايين تصنيف سنوي .
وقد بدأت هذه الشركات ببسط سيطرتها ونفوذها على سوق الدين والسندات بعد أن أصدرت هيئة الأوراق المالية الأمريكية (SEC ) تنظيماً في عام 1975 يعتمد هذه الشركات الكبرى مزوداً لخدمات التصنيف الائتماني، ويُلزم بعض الصناديق الاستثمارية والمؤسسات المالية بالاستثمار في أدوات الدين ذات الجدارة الائتمانية المرتفعة، ما أدى إلى تسابق الشركات للحصول على تصنيفات ائتمانية مرتفعة حتى تكون ديونها مرغوبة من قبل شريحة كبيرة من المستثمرين، الأمر الذي ساعد على احتكار وتغول هذه الشركات .
وبالرجوع إلى صلب الموضوع فإن سبب هذا الاتهام المباشر من قبل المشرع الأمريكي لهذه الوكالات يعود إلى أن في الفترة ما بين عامي 2004 و2007 قامت الوكالات بإعطاء تصنيفات AAA للكثير من إصدارات السندات المدعومة بالرهن العقاري التي قامت المصارف بإصدارها، واعتمدت الوكالات في تقييمها لهذه السندات على فرضية أن أسعار العقارات ستواصل ارتفاعها، ولم تفترض احتمال حدوث تخلف جماعي بسبب الركود، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها من قبل المستثمرين بسبب فرضية أنها استثمارات آمنة لن تتأثر بتقلب الأسواق، الأمر الذي تسبب بدوره في انخفاض أسعار الفائدة على الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وبالتالي حدوث ما يمكن وصفه ب(الفقاعة العقارية)، وكان الرابح الأكبر هو الوكالات التي جنت مبالغ طائلة من تصنيف هذه السندات المدعومة بالرهن العقاري، فكان تضارب المصالح وغياب الحيادية أبرز الاتهامات التي وُجهت إلى هذه الوكالات وأثرت في صدقية تقييماتها .
ولعل واقعية هذه الاتهامات تدعمها حقيقة أن وكالة التصنيف تتقاضى مقابلا مجزيا من الأطراف التي تطلب تصنيفها أو تقييمها ائتمانياً، لذا فإن شبهة محاباة العميل قائمة، إضافة إلى أن وكالات التصنيف تفتقر إلى وجود الشفافية وكفاءة معايير الرقابة الداخلية، فهذه الوكالات لا تقوم بتوثيق الأسباب والمعايير التي اتبعتها لجنة التصنيف التابعة للوكالة لخفض أو رفع تصنيف شركة أو دولة، كما أشارت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوربية في تقريرها الذي صدر في ديسمبر من عام 2011 .
وقد بدأت الجهود لكبح جماح هذه الوكالات في عام 2008 حينما قامت هيئة الأوراق المالية في الولايات المتحدة(SEC) بإصدار مشروع قانون للحد من تعارض المصالح في هذا القطاع المهم يرتكز على زيادة الإفصاحات العامة والإفصاح عن النموذج المعتمد في التحليل والإجراءات المعتمدة في إعادة التقييم وعدم إلزام بعض الصناديق الاستثمارية على الشراء من السندات أو الديون ذات الجدارة الائتمانية المرتفعة، وكذلك عمل مراجعة شاملة لجميع التقييمات الخاطئة التي تمت من قبل هذه الوكالات للوقوف على أسباب هذه الأخطاء .
إلا أنه بسبب الضغط من قبل (لوبي) الأعمال،فإن هذا القانون تم اختزاله، واقتصر على منع الوكالات من تصنيف السندات والديون التي قامت بالمشاركة في هيكلتها، ومنع الموظفين العاملين في الوكالة من تلقي هدايا من العملاء بقيمة 25 دولاراً أو أكثر .
وفي مايو/أيار 2010 قام مجلس الشيوخ الأمريكي بإصدار قانون لإنشاء مجلس تابع لهيئة الأوراق المالية الأمريكيةSEC بحيث يُعهد له بوضع المعايير اللازمة لهيكلة هذا القطاع المهم ووضع المبادئ الأولية لقانون عام 2008 الذي لم يخرج لحيز التنفيذ، وبالفعل قام المجلس بإصدار بعض التشريعات للحد من تضارب المصالح، ولكن تلك التشريعات لم تصل إلى الحد اللازم لتكبيل الوكالات ومنع تغولها على الأسواق .
وقد قام الاتحاد الاوروبي كذلك أسوة بالولايات المتحدة في مايو/أيار من 2012 بإصدار قانون لإنشاء أول هيئة رقابية أوربية يُعهد لها بوضع المعايير والقواعد اللازمة للرقابة والإشراف على الوكالات وكسر احتكارها، وإجبار الوكالات الراغبة في العمل في دول الاتحاد الأوربي على زيادة الشفافية والإفصاح عن المعايير والإجراءات المتبعة فيها التي تكفل حماية جمهور المستثمرين .
أما في اليابان فإن هيئة الأوراق المالية اليابانية قامت في عام 1985بالترخيص لوكالة التصنيف الائتمانية اليابانية(JCR) ، وذلك لكسر احتكار الوكالات الكبرى الأجنبية وضمان عدم بسط هذه الوكالات لهيمنتها وأجندتها على الاقتصاد الياباني .
وبدورنا فإنه يجب طرح مبادرة خليجية لإنشاء وكالة تصنيف خليجية تُعنى بالتصنيفات وتتلافى العيوب الحالية في عمل الوكالات العالمية وتُلبي حاجة الأسواق إلى وكالة تتميز بالشفافية والحيادية، وكذلك يجب عمل مراجعة شاملة للقوانين التي تنظم عمل هذه الشركات في دول الخليج .
تعليقات