نحو ثقافة إدارة الأزمات بقلم د خالد الخاجة
الاقتصاد الآنأكتوبر 16, 2012, 12:32 م 722 مشاهدات 0
مليئة هي الحياة بالمتاعب والمصاعب، منها ما قد يستطيع الفرد أن يتغلب عليه، وينهض من عثراته، ويلملم نفسه ليقف على قدمين ثابتتين، ويواصل رحلته مع الحياة التي لم تكن - ولن تكون أبدا- خالية من المنغصات والتحديات، وهي المحطات التي نتعلم منها أن قيمة الإنسان تكمن في قدرته على التغلب على ما يعترضه من أزمات، والخروج منها أقوى مما كان، وقديما قال الشاعر: 'على قدر أهل العزم تأتي العزائم'.
ولأن الحياة كذلك 'يوم لك فلا تفرح، ويوم عليك فلا تحزن، فكلاهما سينحسر'، ولأن قدر الناس قادة وشعوبا في ميزان التاريخ بقدر ما قدموه لغيرهم وبحجم التحديات التي واجهتهم، وتاريخ دولتنا المجيد، الماضي والحاضر، خير شاهد.
ولأن النصر لا يأتي لمن يدخل المعركة على غير إعداد لها وتخطيط، ويضع الخطط البديلة لكافة الاحتمالات، كما أنه من غير المنطقي مطالبة الجنود بتعلم فنون القتال أثناء المعركة، ولكن لا بد من التأهب وعمل التشكيلات العسكرية، وإجراء المناورات حتى ولو لم تكن الجيوش في حالة حرب.
ولكن تحسبا لقيام حرب تتطلب أن يكون الأفراد على أتم الاستعداد؛ لأن التهاون في ذلك عواقبه وخيمة، بل إن الاستعداد الدائم والجاهزية لدخول المعارك قد تكون أحد أهم أسباب عدم اشتعال فتيلها، وهو ما يسمى بــ'الردع النفسي'.
وإذا كان هذا يجري على المستوى العسكري وبأدواته وآلياته وظروفه، فإنه ينبغي أن يتم كذلك على المستوى المدني بأدواته وآلياته، حتى لو اختلفت طبيعة التحديات، فضلا عن تباين ميدان المعركة وجبهة القتال.
لقد كانت الأزمة أحد أشكال المواجهة ومصاحبة لمسيرة الرسل، ألم نعرف السبع العجاف التي وضع لها سيدنا يوسف خطة للمواجهة قبل حدوثها، وكان ذلك سببا في تجنيب البلاد أزمة اقتصادية كادت تهلك الحرث والنسل؟
إن كثيرا منا يخاف أن يتحدث عن أزمات قد تواجه مسيرتنا كأفراد، متعللين بأنه 'لا يجب أن نقدر البلاء قبل وقوعه'، على الرغم من أنه من الحكمة أن نقدر البلاء الأزمة - قبل وقوعه، فإذا وقع كنا مستعدين لمواجهته، وكانت الخسائر في أضيق حدودها، وإذا لم يقع فلن نخسر شيئا.
من هنا فإن ثقافة إدارة الأزمة يجب أن تكون جزءا أصيلا من حياتنا، وأن ندرب أنفسنا وأبناءنا على مواجهة الأزمات، لأن ذلك يقوي البناء النفسي لنا ولأبنائنا، ويصنع منهم رجالا بحق، لديهم الطاقة النفسية القادرة على تحمل المسؤولية، كما يكسبهم القدرة على تحليل معطيات الواقع ومهارة التحسب للمستقبل والاستعداد له، عبر التخطيط العلمي لا اعتمادا على ردود الأفعال.
والبعض منا عندما يستمع إلى كلمة أزمة، تستدعي ذاكرته القضايا السياسية دون غيرها، ويوكل مواجهتها إلى المسؤولين في الدولة أو المؤسسات الرسمية، بالرغم من أن الأزمات تشمل أشكالا متنوعة مما يواجهه الفرد، ومواجهتها ليست قاصرة على المؤسسات الرسمية وحسب. وهنا أقول إن مواجهة الأزمات 'مسؤولية الجميع'؛ لأنه بغير تضافر جميع الطاقات البشرية وتوحدها بعد اقتناع، مهما كانت أدوارهم، فإنه من الصعب التغلب عليها أو الخروج منها.
كما أن الأزمات قد تختلف في أشكالها، بدءاً بما يحدث في منازلنا وعلاقاتنا بأولادنا وأزواجنا، 'فمن الحماقة أن نشعل نيرانا لا نعرف كيف نطفئها'، كما أن قدرتنا كأفراد على إدارة الأزمات التي تعترض حياتنا، سوف تخفف أحمالا كثيرة ملقاة على عاتق المؤسسات الرسمية للدولة؛ بدءا من وزارة الداخلية، ومرورا بالمحاكم والدوائر القضائية.
إنني أتساءل كيف نعلم أبناءنا في الفصول الدراسية أن 'الوقاية خير من العلاج'، وأن 'درهم وقاية خير من قنطار علاج'، ثم لا تتحول هذه الكلمات المجردة إلى برامج عمل؟ ولماذا لا يتم تدريبهم على إدارة أزمات؟ ولتكن برامج بسيطة على مستوى مدرستهم، ويعرض كل تلميذ رؤيته لكيفية المواجهة.
وهي من العمليات التي تتيح لكل فرد فتح آفاق غير محدودة للعصف الذهني، الذي لا شك سيكشف لنا عن طاقات ذهنية تستحق الرعاية والاهتمام، كما أنها نفس المهارات التي سيستخدمها في حياته الخاصة عند مواجهة الأزمات، لتصبح ثقافة وجزءاً أصيلا من سلوك نشأ وتربى عليه.
أما على مستوى المؤسسات فإنني أتوقف عند تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، القليلة في عدد كلماتها الكبيرة والعميقة في معناها ودلالتها، عندما أتى بنجار لخلع كل أبواب المديرين القابعين خلف مكاتبهم، فكيف بالجالس خلف الباب أن يشعر بإرهاصات الأزمة فضلا عن سبل المواجهة؟
وأذهب إلى أبعد من ذلك، إلى أنه قد يكون هو أحد الأسباب الفاعلة في استمرار الأزمة، بتجاهلها أو ادعاء عدم وجودها أو التردد والبطء في أخذ القرارات الفعالة أو عدم امتلاك شجاعة الاعتذار وتحمل المسؤولية، بل الأخطر من ذلك أن هناك من يعتقد أن كل الأزمات تحل بالصبر عليها، وبمرور الوقت تفقد زخمها وتأججها دون أن يقدم على سلوك إيجابي، وهو في ذلك كمن يخفي رأسه في الرمال.
إن للقيادة الإدارية صفات ومهارات يجب توافرها، وإذا كنا نهتم بالفحص الطبي للأفراد للاطمئنان على سلامة صحتهم البدنية، فلابد كذلك أن نتأكد من لياقتهم النفسية. ففي عالم تكسرت حدوده وانفتحت سماواته وتشابكت مصالح وأقدار الشعوب فيه مع بعضها، لم يعد أحد بمنأى عن تداعيات الأحداث في أي مكان مهما بعدت المسافات.
من هنا فإن العمل تحت الضغط، واتخاذ القرارات الابتكارية بعيدا عن الحلول التقليدية، باتت صفة لا غنى عنها لمن يتصدى للعمل الإداري، مهما كان مستوى المسؤولية الموكلة إليه، فضلا عن وسائل إعلام أصبحت متابعة للأزمات وهي الغذاء الذي تعيش عليه، مما يتطلب سرعة الحركة ودقتها، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة.
وإذا كانت إدارة الأزمات تدرس في المرحلة الجامعية، فإنني أدعو إلى أن يتم تدريسها في المرحلة قبل الجامعية، كشكل من التدريب الذهني، فضلا عن إشاعتها كأسلوب حياة. فمن لا يستطيع التغلب على الأزمات التي تواجهه في حياته الخاصة، فمن الصعوبة بمكان مواجهته لما هو أبعد من ذلك.
تعليقات