أوروبا وجنون التقشف بقلم بول كروغمان
الاقتصاد الآنأكتوبر 15, 2012, 12:44 ص 1556 مشاهدات 0
كلام كثير عن الرضا عن النفس قبل أيام قليلة، الحكمة السائدة كانت أن أوروبا تمكنت أخيراً من إعادة السيطرة على الأمور. لقد أدت خطوة المصرف المركزي الأوروبي، عبر إطلاق وعد بشراء سندات خزينة الحكومات المضطربة إذا كان ذلك ضرورياً، إلى تهدئة الأسواق. وأكثر من ذلك، كل ما يجب على جميع الدول الدائنة فعله، هو الموافقة على المزيد من إجراءات التقشف وهو الشرط الذي فرضه المصرف المركزي وسوف تسير الأمور جيداً.
غير أن الراضين عن الحكمة التقليدية فاتهم أن الناس هم داخل هذه اللعبة. فجأة، بدأت اسبانيا واليونان تعانيان من موجة اضرابات وتظاهرات ضخمة. الناس في هاتين الدولتين في الواقع، يقولون انهم وصلوا إلى أقصى احتمالهم: مع مستويات البطالة والركود الكبير، ومع سابقة اضطرار عمال الطبقة الوسطى إلى التفتيش في القمامة بحثاً عن الغذاء، فإن سياسات التقشف ذهبت بعيداً. وهذا يعني أنه قد لا تكون هناك صفقة في نهاية الأمر.
ويشير العديد من التعليقات إلى أن مواطني اسبانيا واليونان يؤجلون المحتوم، ويعترضون على تضحيات يجب في الواقع أن تقدم. لكن الحقيقة هي أن المتظاهرين على حق. المزيد من التشقف لا يفيد، اللاعبون غير المنطقيين هنا هم حقيقة السياسيون الذين يزعمون أنهم جديون، والمسؤولون الذين يطالبون شعبهم بتحمّل المزيد من الألم.
لننظر في مشاكل اسبانيا. ما هي المشكلة الاقتصادية الحقيقة؟ من حيث المبدأ، تعاني اسبانيا من آثار الفقاعة الإسكانية التي تسببت بها فترة ازدهار اقتصادي ممزوجة بفترة تضخم جعلت الصناعات الاسبانية غير تنافسية مقارنة مع بقية الصناعات الأوروبية. وعندما انفجرت الفقاعة، وجدت اسبانيا نفسها أمام المشكلة الصعبة في استعادة التنافسية، وهي مسيرة مؤلمة قد تستغرق سنوات. وما لم تغادر اسبانيا منطقة اليورو وهي خطوة لا يريد أحد الإقدام عليها فهي محكومة سنوات طويلة من البطالة المرتفعة.
لكن هذه المعاناة المحتومة والمزعومة يتم تضخيمها من خلال تحجيم الإنفاق، وهذه الاقتطاعات في الإنفاق تسبب الألم من أجل الألم فقط.
أولاً، اسبانيا لم تعاني من مأزق لأن حكومتها كانت مبذّرة. بل على العكس، فعشية الأزمة، كانت ميزانية اسبانيا تسجل فائضاً ومستوى ديون منخفض. لقد بدأ العجز بالظهور عندما سكر الاقتصاد وأخذ معه العائدات، وحتى في تلك الفترة، لم يظهر أن اسبانيا كانت تعاني من عائق ديون كبيرة.
صحيح أن اسبانيا اليوم تواجه صعوبة في الاستدانة لتمويل عجزها. وهذه المشكلة تعود بشكل رئيسي إلى المخاوف من المشاكل الأخرى التي تعاني منها الدولة المخاوف من أزمة سياسية بسبب نسبة البطالة المرتفعة جداً. وإزالة بضعة بنود إنفاقية من الميزانية لن تحل هذه المخاوف. في الواقع، تشير أبحاث صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتطاع في الإنفاق في دول تعاني من الكساد الاقتصادي قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمر لأن هذه الاقتطاعات ستسرع من مسار الانحدار الاقتصادي.
بمعنى آخر، فإن النظريات الاقتصادية السليمة تشير إلى أن اسبانيا ليست بحاجة للمزيد من التقشف. يجب ألا تقيم احتفالاً، وفي الواقع، ليس لديها أي خيار بديل (باستثناء الخروج من منطقة اليورو) عن توقع فترة إضافية من الأوقات الصعبة.
لكن الاقتطاعات الوحشية من إنفاق الخدمات العامة، لمساعدة المحتاجين، والاستمرار على هذا الموال، سيؤذي في الواقع احتمالات نجاح محاولات التكيّف. لماذا إذاً طلب تحمّل المزيد من الألم؟
جزء من التفسير هو أنه في أوروبا، كما في أميركا، هناك الكثير من 'الأشخاص الجدّيين' الذين يروّجون لثقافة التقشف، لاعتقادهم بأن العجز في الميزانية، وليس البطالة المرتفعة، هو الخطر الجلي والحالي، وأن خفض العجز سيؤدي إلى حد ما لحل المشكلة التي تسبب بها إفراط القطاع الخاص.
وإلى جانب ذلك، هناك جزء مهم من الرأي العام في قلب أوروبا وتحديداً في ألمانيا ملتزم برؤية سريعة للوضع. تحدثوا إلى المسؤولين الألمان وسوف يرسمون أزمة اليورو كما لو كانت لعبة أخلاقية، أسطورة دول حلمت بالكثير وتواجه اليوم الواقع المحتوم. لا يبالون بحقيقة أن ذلك ليس فعلاً ما حدث والحقيقة المماثلة بأن المصارف الألمانية لعبت دوراً كبيراً في تعزيز الفقاعة الإسكانية في اسبانيا. الخطيئة ونتائجها في روايتهم واضحة، لكنهم مع ذلك يتمسكون بها.
والأسوأ أيضاً هو ما يعتقده العديد من الناخبين الألمان لأن ذلك هو ما أخبرهم به السياسيون. وخوفاً من ارتداد الناخبين الذين يؤمنون عن خطأ بأنهم يعانون مشكلة بسبب نتائج عدم مسؤولية أوروبا الجنوبية، لا يظهر السياسيون الألمان رغبة في الموافقة على تقديم مساعدات مالية طارئة إلى اسبانيا وغيرها من الدول التي تعاني، ما لم تتم معاقبة المديونين أولاً.
بالطبع، المطالب ليست مصورة بهذا الشكل. لكن هذه هي حقيقتها في النهاية. وحان الوقت لوضع نهاية لهذا المنطق الوحشي.
إذا كانت ألمانيا ترغب فعلاً في إنقاذ اليورو، عليها أن تدع المصرف المركزي الأوروبي يقوم بما هو ضروري لإنقاذ الدول المدينة وعليها القيام بذلك من دون طلب تحمّل المزيد من الألم غير الضروري.
الان - ووكالات
تعليقات