قراءات خاطئة في الاقتصاد! بقلم د محمد العسومى

الاقتصاد الآن

656 مشاهدات 0


عادة ما تؤدي القراءات الخاطئة في الاقتصاد والسياسة إلى خسائر جسيمة لا يمكن إصلاحها بسهولة، ففي الوقت الحاضر تتسارع التغيرات الاقتصادية والسياسية، بحيث لا تتيح للكثير من البلدان، وبالأخص في العالم النامي قراءات هذه التطورات بصورة صحيحة. في الأسبوع الماضي استغرب نجاد من الكيفية التي استطاع بها الغرب التخلي عن النفط الإيراني الذي هو بحاجة إليه، مضيفاً أن الأغرب من ذلك أن أسعار النفط انخفضت في ظل مقاطعة النفط الإيراني، بدلًا من أن ترتفع! ملقياً باللوم على عالم الاستكبار ومستخدماً ألفاظاً غير مناسبة.

والنتيجة خسائر تقدر بـ 133 مليون دولار يومياً لقطاع النفط الإيراني على شكل مبيعات نفط ضائعة، وتدهور اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة، في حين ذكر رجال أعمال إيرانيون، بما فيهم بعض تجار البازار المتذمرون الذين وقفوا مع الثورة في بدايتها أن العقوبات المفروضة تلقي عبئاً ثقيلاً على الأعمال التجارية غير المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني أو بالنظام الحاكم.

في ظل هذه الأوضاع تقدم قراءة خاطئة أخرى تدعو الإيرانيين إلى زيادة النسل لرفع عدد السكان من 70 مليون نسمة تقريباً في الوقت الحاضر إلى 200 مليون نسمة، وذلك في ظل ارتفاع معدلات البطالة وهجرة ملايين الإيرانيين للبحث عن عمل، وبالأخص في دول مجلس التعاون الخليجي الست القريبة جغرافياً.

أما من يقرأ التطورات الجارية بصورة صحيحة، فإنه لا يستغرب أبداً حدوث هذه التطورات في صناعة الطاقة العالمية، وذلك لأسباب عديدة سبق وأن تطرقنا إليها في هذه المساحة، إذ إن مثل هذه الوضعية تم التحضير لها منذ أكثر من ثلاثة عقود وتسرعت وتيرتها بعد سقوط نظام الشاه واندلاع أكثر من حرب في منطقة الخليج العربي.

والأمر الجدير بالذكر والذي يمكننا الإشارة إليه هو أن هذا التوجه الغربي سيستمر وإليكم بعض المؤشرات، فصحيفة 'وول ستريت جورنال' أشارت قبل شهر إلى توقع محللين في 'إدارة معلومات الطاقة' الأميركية تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط الخام من الشرق أوسط، وأن يتوقف الاعتماد عليه نهائياً بحلول عام 2035 وأن تستعيد الولايات المتحدة موقعها ضمن أوائل البلدان المنتجة للنفط والغاز. أما أستراليا، فمن المرجح أن تصبح أول منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم لتحل محل قطر بحلول عام 2020 وذلك نظراً لامتلاكها احتياطياً كبيراً جداً.

ومجمل هذه التطورات وغيرها، بما في ذلك تطوير أوروبا لمصادر الطاقة البديلة لم تأخذها إيران بعين الاعتبار، علماً بأنها مستمرة في التخلي عن سياسة الرئيس السابق خاتمي العقلانية الرامية إلى إقامة علاقات حسن الجوار، وبالأخص مع دول الخليج التي تبادل إيران باستمرار التعاون والصداقة والتي كان آخرها دعوة سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية في هذا الصدد.

وفي المقابل قرأت دول مجلس التعاون مجمل هذه التطورات بصورة صحيحة فعمدت إلى تطوير قطاعاتها غير النفطية وتنمية مصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الشمسية منها، حيث تستثمر دول المجلس مجتمعة أكثر من 200 مليار دولار في إنتاج الطاقة الشمسية، منها 109 مليارات للسعودية و62 مليار دولار للإمارات.

وبالإضافة إلى هذه القراءة الصحيحة، فإن بإمكان دول المجلس مواصلة قراءة بقية تداعيات التغيرات المرتقبة، بما فيها تكاملها وتحالفاتها وعلاقاتها الاستراتيجية، إذ إنه بعد عقدين من الزمن سوف ينخفض كثيراً اعتماد الغرب على النفط والغاز المستورد من دول الخليج العربية، وهنا بالذات لابد من التركيز على عاملين رئيسيين، أولهما يكمن في تعزيز التعاون والهوية الخليجية بالمزيد من التكامل والاعتماد على القوة الذاتية لحماية مكتسبات دول المجلس. أما الثاني، فيكمن في إعادة ترتيب التحالفات لتتناسب وتبادل المصالح وأمن وسلامة دول المجلس في ظل التغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة وإيجاد التوازن المطلوب بين ضفتي الخليج العربي.

الان - ووكالات

تعليقات

اكتب تعليقك