زيادة الإنفاق الحكومي وتطوير مؤسسات الدولة بقلم فهد الصّدي

الاقتصاد الآن

552 مشاهدات 0


  تذكرت إحدى المقولات الشهيرة لنابليون بونابرت، وفقاً لنابليون، يحتاج القائد إلى ثلاثة أشياء حتى يتمكن من خوض أي حرب. أولاً يحتاج إلى المال. ثانياً يحتاج إلى المال، أما ثالثاً فهو يحتاج إلى المال. في الحقيقة، لا أعرف إن كان قد غيّر رأيه أو لم يغيّره بعد أن لقنه حاكم موسكو، فيودور روستوبشين، درساً قاسياً من دروس الحياة مفاده أن هناك أشياء، وإن كانت قليلة، لا تُشترى بالمال.   بعد انتصار نابليون في معركة بورودينو التي كانت تُعتبر أكثر الحروب دمويةً في التاريخ البشري إلى ذلك الحين وتراجع الجيش الروسي إلى ما وراء موسكو، دخل نابليون المدينة معتقداً أن القيصر سيطلب منه البدء في محادثات السلام، إلا أن حاكم موسكو رفض الاستسلام وفضّل أن يحرق موسكو ليلاً عن بكرة أبيها على أن يُسلّمها للمتعجرف الفرنسي. نتيجةً لذلك، انهزم الفرنسيون، ما أدى إلى دخول الجيش الروسي باريس عام 1814 ومات نابليون منفياً على شواطئ جزيرة ''القديسة هيلانة'' وهو يهمس باسم زوجته جوزفين في سكرات الموت.   تذكرت مقولة نابليون وأنا أقرأ عن المواجهة الساخنة بين الدكتور طلال بكري، عضو مجلس الشورى، ووزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة في الأسبوع الماضي. واجه الدكتور طلال بكري وزير الصحة ''لقد كان سلفكم حمد المانع يتمنى أن تصل ميزانية الصحة إلى 24 مليارا، وها أنتم اليوم تحظون بـ60 مليارا، لكننا لا نزال نسمع جعجعة ولا نرى طحينا''. لكن، قد يكون المال أهم العوامل في الحروب العسكرية أو حرب وزارة الصحة مع المرض، إلا أنه لا يتعدى كونه عاملا واحدا من عوامل النجاح. لا أستطيع أن أتكلم عن الحروب العسكرية، لكن مما لا شك فيه أن إدارة مؤسسات الدولة تحتاج إلى أكثر من المال، تحتاج مؤسسات الدولة إلى أربعة عوامل لتطوير أدائها ورفع كفاءتها.   أولاً تحتاج الوزارة أو الهيئة إلى خطة موضوعية قابلة للتطبيق، وأنا لا أتكلم عن قوائم الأمنيات التي يكتبها حديثو التخرج في المكاتب الاستشارية العالمية. إن معدل تحقيق الاستراتيجيات أهدافها يكون نحو 63 في المائة من الأهداف المحدّدة عند اعتماد الاستراتيجية إلا أن هناك بعض الشركات والمؤسسات اشتهرت في الماضي بتحقيق نسب عالية تصل في بعض الأحيان إلى 100 في المائة مثل شركة داو كيميكال وسيسكو وشركة الأدوية السويسرية ''روش''. طبعاً، استطاعت هذه المنشآت تحقيق أهدافها الاستراتيجية بنسب عالية على مر السنين بتطبيق عدد من الممارسات الاحترافية مثل اعتبار وضع الخطة وتطبيقها مهمة واحدة. بذلك، لا يطلب التنفيذيون أداء أفضل عندما يكون الضعف في الخطة، كما لا يطالبون بتغيير الخطة عندما يكون الأداء هو المشكلة. أيضاً، تبسيط الأهداف الاستراتيجية بعيداً عن التعابير والمصطلحات الرنانة يساعد على تحقيق الأهداف وتضييق مساحة المراوغة، وهذا من وجهة نظري من الممارسات التي تستحق أن يتم التركيز عليها لأن ما تطلبه قيادة الوطن والمواطنين محدد ومن الممكن وصفه بطريقة بسيطة. ومن هذه الممارسات الاحترافية أيضاً، تحدي الافتراضات التي بُنيت عليها الخطة ومناقشة توزيع الموارد في مراحل متقدمة من التنفيذ.

ثانياً الأبحاث الميدانية أو ''أبحاث السوق'' إذا صح التعبير، لا بد لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة أن تكون فاعلة وبشكل مستمر في عمل أبحاث ميدانية لتحديد الأولويات وتحديد الفئات المستهدفة حتى تستطيع اتخاذ القرارات التكتيكية استناداً إلى الحقائق المدعومة بالأرقام لتتمكن من تحقيق الأهداف الاستراتيجية. ثالثاً تحتاج مؤسسات الدولة إلى كوادر محترفة من منسوبي المؤسسة حتى لا تضيع أهداف المؤسسة وتختلط مع رغبات المكاتب الاستشارية. في الغالب عند حدوث أي مشكلة أو البدء في مشروع معين، تقوم المؤسسة بإحضار مكتب استشاري لإنجاز مهمته وتتمنى أن ينجزها ويذهب إلى الأبد، بينما يأتي المكتب الاستشاري ويحل المشكلة ثم يقترح حل مشكلة أخرى ويستمر في الاقتراح متمنياً أن يبقى إلى الأبد. لذلك، فإن وجود الكوادر المدربة والمحترفة من منسوبي المؤسسة أمر ضروري، إذ إنه من البديهي استحالة تطبيق استراتيجية تتفوق على القائمين عليها. لهذا السبب، فإن كل الاستراتيجيات الناجحة قامت بوضع آليات لتحفيز وتطوير فرق العمل ذات العلاقة المباشرة بالخطة وتدريب الفريق التنفيذي المسؤول عن التطبيق والمتابعة والتقييم. رابعاً تحتاج المؤسسة إلى المال، بفضل الله وبفضل الحرص الشخصي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله وأطال في عمره - على سد الحاجات الأساسية للمواطنين والرقي بالمستوى المعيشي للمواطن السعودي، فإن المال هو الجزء الأسهل من المشكلة في الوقت الحالي.   بهذه العوامل الأربعة تتحول النوايا الصادقة إلى نتائج ونرى طحيناً بعد الجعجعة. إلا أننا عندما نتكلم عن وزارة صحة مرهقة من النسب العالية للإصابة بأمراض السكري والسرطان بين مواطنيها ناهيك عن عدد حديثي الولادة المصابين بالإيدز. نتمنى للدكتور عبد الله الربيعة وفريقه التوفيق في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لقيادتنا الرشيدة.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك