هل يدخلنا بسمارك الخليجي تحت المظلة النووية الإسرائيلية؟
عربي و دوليإبريل 18, 2008, منتصف الليل 640 مشاهدات 0
يقول بسمارك عن الرسول محمد (ص):
(يا محمد إني متأثر من أنْ لم أكن معاصراً لك، إن الكتاب الذي نشرته ليس من قريحتك وإنكار أُلوهيته هراء.. إن البشرية رأت قدوة ممتازة مثلك مرةً واحدة.. ولن ترى ذلك مرة أخرى.. فبناءً على ذلك أنا أعظمك بكمال الإحترام راكعاً لحضورك المعنوي)...
ويقول فيلسوف فرنسا فوكو عن بسمارك :
'لعبة التاريخ الكبرى تتمثل فيمن يفوز بالقواعد ويستأثر بها ويستعملها في معنى مغاير ويعكسها لترتد إلى نحور الذين فرضوها.' وعند قراءة ذلك يقفز إلى الذاكرة اسم 'بسمارك' رجل السياسة الألماني الذي استطاع في القرن التاسع عشر التلاعب في الإمارات المحيطة ببلدة،ثم بدهاء منقطع النظير راح يتقلب بين قرارات ونفوذ ومصالح الدول الكبيرة، مسيطرا على الأحداث الكبرى ومحققا السلام في أوروبا عبر توقيع معاهدات كثيرة ،ولقد كانت موهبة بسمارك الكبرى كسياسي _كما يقول منتقدوه_ هي موهبته في طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها, وتحويلها إلى ميزة في صالحه.أما محبوه فقد بنو له تمثال في كل ساحة ألمانية وسموا الشوارع الكبرى باسمه في كل مدينة وقرية .
زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني
وفي الأسبوع الماضي قامت القائمة بأعمال رئيس الوزراء وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بزيارة لدولة لقطر استغرقت ثلاثة أيام. ولاشك أن أهداف زيارة الوزيرة الإسرائيلية هي وضع خطوة مهمة أخرى في مسيرة التطبيع المحفوفة برفض شعبي عارم في المحيط العربي والخليجي على حد السواء، لكن أهداف الزيارة الآنية تراوحت ضمن المعلن بين إلقاء الوزيرة ليفني الكلمة المركزية في منتدى الدوحة للديمقراطية والتطوير والتجارة الحرة وبين بحث قضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت الذي أسرته مجموعات فلسطينية في قطاع غزة عام 2006م، وبين زيارة لمقر قناة الجزيرة القطرية إحدى حلقة التطبيع المزمع تفعيلها لترويض الرأي العام العربي الجامح ضد التطبيع .
وقد التقت ليفني أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والتقت رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أحد الشخصيات السياسية المميزة في الخليج و المثيرة للجدل في الوقت نفسه نتيجة جرأته في الإبحار في محيطات لا خرائط لها، كما أجرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية في الدوحة يوم الاثنين 14-5-2008، محادثات مع نظيرها يوسف بن علوي.
وتعتبر دولة قطر وسلطنة عمان النافذة الخليجية المفتوحة جزئيا على الكيان الصهيوني، ويعود فتح هذه النافذة إلى 1996م حيث تراوحت أشكال الاتصال بين لقاءات في الأمم المتحدة إلى فتح مكاتب تمثيل في البلدان الثلاثة، وحول نتائج اللقاء مع ليفني, قال بن علوي إن 'الاجتماع ليس معدا لان يكون له نتيجة وإنما نسمع منها وسمعت منا'.
وتساعد هذه الكلمات الدبلوماسية المنمقة الموحية بأن هناك ما يتم طبخه في الخفاء على فتح أبواب التأويل للمغزى الحقيقي للزيارة، حيث نلتقط كلمات وزيرة الخارجية الإسرائيلية حين قالت في خطابها في المنتدى أن الطموح الإيراني النووي، الذي يقلق إسرائيل وجيران الجمهورية الإيرانية في المنطقة، مثال حي على 'إيديولوجية المتشددين' ثم أضافت :' نحن المعتدلون في المنطقة، أعضاء في ذات المعسكر'.
المظلة النووية الإسرائيلية
إن المراقب لإشكالية الأمن في الخليج لا يستبعد أن الانكشاف الاستراتيجي لدوله قد دفع بالكثير من رجال الحكم فيه إلى استلهام حلول لهذه المشكلة الأمنية. ومن تلك الحلول قراءة معمقة لسيرة المستشار الحديدي بسمارك وهو الذي لعب بالتاريخ واستعمل القواعد في معنى مغاير ضد الذين فرضوها كما قال ميشيل فوكو، واستطاع توحيد الإمارات الألمانية في مملكة واحدة سميت المملكة الألمانية أو الرايخ الألماني الثاني.
يرى البعض أن خطوات إقامة المعسكر الذي قالت ليفني أننا أعضاء فيه قد بدأت بالفعل، وان هناك مباركة خليجية لنكون هنا تحت المظلة النووية الإسرائيلية لتحمينا من التهديد النووي الإيراني. هذه المباركة جاءت على لسان د. سامي الفرج رئيس مركز الكويت للدراسات الإستراتيجية ومستشاراً الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي و مستشار رئيس الوزراء ووزارة الخارجية وجهاز الأمن الوطني في الكويت، حيث قال لوكالة رويترز من لندن انه' إذا تمكنت إيران من تصنيع قنبلة نووية، فإن الدولة اليهودية قد تكون إحدى الدول، إلى جانب الولايات المتحدة،التي ستطلب منها دول الخليج العربية توفير مظلة نووية لضمان أمنها'. وأضاف 'دول الخليج تركن إلى إسرائيل في التعامل مع إيران نووية ولا تمانع في مظلّة حماية نوويّة إسرائيلية'.
وعلى الجانب الأخر رأت وزارة الخارجية الإيرانية، أن دعوة وزيرة خارجية إسرائيل للمشاركة في مؤتمر الديمقراطية في قطر هو إجراء مشبوه ومرفوض تماماً. ونقلت وكالة 'مهر' الإيرانية عن مصدر سياسي إيراني قوله: 'بينما تبلغ الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني ذروتها، ويعيش آلاف المواطنين الفلسطينيين في ظروف مأساوية في ظل الحصار والعدوان الصهيوني وتقتل يومياً مجموعة من الأطفال والنساء والشباب الفلسطينيين من هذا الكيان الإرهابي المحتل، فإن دعوة مسئول صهيوني للمشاركة في مؤتمر الديمقراطية هو توجه مريب ومرفوض تماماً'. وأضاف المصدر الإيراني إلى 'أن مثل هذه الإجراءات تتعارض بشكل صارخ مع إجماع الدول ومصالح الأمة الإسلامية، وتعد وصمة عار على جبين الديمقراطية، وتعد استهزاءً بالقيم والمبادئ الإسلامية والوطنية وتمهد لانتهاك مزيد من الحقوق الأولية لسكان فلسطين الأصليين. وكان يتوقع من الدولة المضيفة (قطر) عقد مؤتمر لدراسة سبل كسر الحصار وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني المضطهد بدلاً من إعطاء فرصة للكيان الصهيوني لاستغلاله دعائياً والتستر على جرائمه'.
وهنا نتساءل إن كانت خطوات إدخالنا تحت المظلة النووية الإسرائيلية لا زالت في مستويات متواضعة، أم أنها في مرحلة التسريبات المقصودة لجس نبض الشارع الخليجي المناهض للتطبيع ، وفي ذلك يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أن 'الدول العربية صاحبة القرار في العالم العربي بدأت تدرك أن إسرائيل ليست المصيبة الكبرى.'
نحن لا نسوق للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي شربنا حليب مناهضته،لكن المظلة النووية الإسرائيلية لا تختلف عن مثيلاتها الأميركية والفرنسية بل وحتى الإيرانية التي نحاول اتقاء شرها لأنهم جميعا شر مطلق. كما لا تختلف مناورات السياسة الدولية في نهاية القرن التاسع عشر عن مناورات مطلع هذا القرن فمادامت المصالح هي عملة التداول في العلاقات الدولية فإن الثوابت تتراجع أمام ارتفاع وانخفاض تلك العملة ، ويبقى البيع والشراء مع الشيطان نفسه مباح بتلك المقاييس. وما ننتظره في دول مجلس التعاون هو إجراءات بسمارك الخليج و طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها, وتحويلها إلى ميزة في صالحه كما فعل بسمارك ألمانيا.
تعليقات