صناعة الطغاة.. صناعة عربية محضة

زاوية الكتاب

كتب 2443 مشاهدات 0


منذ القدم، اعتادت الشعوب العربية على قبول فكرة أن تكون ملحقة وتابعة وخانعة.. يبدو أن هذا الوضع كان يشعرهم بالأمان، أن يكونوا خلف حائط كبير، أو تحت ظل شجرة عملاقة.. بالنسبة لهم هذا هو الأمن والأمان، فقد تبلورت الثقافة العربية على نمط التابع والمتبوع، ونمط السيد المطاع والعبد المطيع، مهما تعددت أشكال هذه العلاقة وتنوعت..
في الجاهلية اتجهوا إلى صناعة الأوثان بأيديهم، صنعوها من الحجر ومن التمر.. وبدل أن يفخر الصانع بما صنعت يداه، جعله بين يديه فعظمه وعبده وانكسر أمامه.. وعلى الرغم من أن الإسلام بحضارته ورقيه جاء ليحرر الانسان من ربقة العبودية، وقيودها،  ومشاعرها الكريهة، إلا أننا لا نزال ما بين صفحة وأخرى من صفحات التاريخ نعيد اجترار تلك العقلية القديمة التابعة، ونحييها بشكل أو بآخر، وعلى هذا نشأت النفسية العربية المهزومة المتخاذلة التي تحتفي بفشلها وتعده جزءا لا يتجزأ منها، وتخشى من عدوها وتحبه.. تتودد إليه، ولا تمانع من العيش على فتات مائدته..
فلا عجب أن تكاثر في بلادنا العربية الطغاة، فلا بيئة أنسب لهم من هذه البيئة...!!
في الزمن المعاصر.. الشعوب العربية أعادت صناعة الطغاة بشكل آخر، صنعتهم هذه المرة من أبنائها وبني جلدتها.. وما طغاة العرب الذين اضطهدوا شعوبهم واختطفوا مقدراتهم وأذاقوهم الأمرين إلا نتاج هذه الصناعة الخاسرة.. التي أطالت أمد الإذلال والقهر..وما هزيمة العرب النفسية التي نشهدها اليوم إلا نتاج قرون من العبودية والاضطهاد عايشها العرب على أيدي المستعمر تارة، وعلى أيدي حكام طغاة في أحيان اخرى..
أما اليوم يبدو ان العرب مؤخرا بدأوا يتخلون عن هذه الصناعة المذلة، حين انطلقت حناجرهم تدوي بصرخات الاحتجاج والمطالبة بالكرامة من أدنى بلادهم إلى أقصاها على اختلاف في الشكل والحدة، ولم تكن الصفعة التاريخية التي هوت على المواطن التونسي إلا القشة الصغيرة التي قصمت ظهر البعير، لتعيد مرة أخرى الشعوب إلى حالة الوعي، ولتعيد القلوب إلى التناغم مع معاني الحرية والكرامة.. لتنشدها وتهفو إليها..
ولأن الثمن الذي دفعه العرب كان كبيرا وهائلا وقاسيا.. فإن من الواجب الآن أن يتم تحصين هذه الثورات كحركات إصلاحية نابعة من الشعوب، وحمايتها حتى لا يتم سرقتها أو اختطافها واختزالها في مسمى محدد لجهة أو حزب .. فالثورات قامت بها الشعوب، ويجب أن يكون أمرها بيد الشعوب..


كوثر المسلم

 

 

بقلم: كوثر المسلم

تعليقات

اكتب تعليقك