الريال والتضخم.. والحكومة بقلم د. حمزة بن محمد السالم

الاقتصاد الآن

997 مشاهدات 0


 تحدثنا في مقالات سابقة عن سيناريو التضخم المتوقع في السنوات القادمة نتيجة للضخ الهائل للنقد الذي حدث في السنوات الماضية وصعوبة امتصاص هذه التريليونات عن طريق رفع أسعار الفائدة في ظل نمو متواضع للاقتصاد الأمريكي طالما لم يأت الأمريكان باختراع جديد. وتحدثنا عن أثر هذا التضخم المتوقع على احتياطاتنا الأجنبية المُشتراة على أساس كسبنا لعوائد الفوائد المنخفضة اليوم مقابل خسراننا للقوة الشرائية لهذه السندات مستقبلا. واليوم نكمل الموضوع بالحديث عن القوة الشرائية للريال وربطه بالدولار في ظل التضخم المتوقع القادم.

ولكي يتضح الفرق بيننا وبين دول العالم غير المعتمدة على النفط والتي تعمل بنظام الأسواق الحرة -أي غير المعتمدة على الحكومة-، سأستخدم النفط في تقريب مفهوم الإنفاق الحكومي على الرواتب وعلاقة الريال بالتضخم. فلو كان (زيد) موظفا حكوميا وراتبه الشهري عام 1980م هو 7500 ريال أي 2000 دولار. وقد كانت أسعار النفط في ذلك الوقت حول 40 دولار. إذن فزيد كان يكلف الحكومة 50 برميلا شهريا. وعند ما ذهبت طفرة النفط ووصل البرميل إلى 8 دولارات في 1999م، أصبحت كلفة راتب زيد على الحكومة 250 برميلاً شهريا أي تضاعفت خمسة أضعاف. فأكلت الرواتب فوائض الدولة كما حملتها الديون. أضف إلى ذلك أن إنتاج البترول قد نقص إلى النصف تقريبا، مما زاد عبء رواتب الموظفين على الحكومة متضاعفا تقريبا عشرة أضعاف، وكل ذلك بسبب الربط بالدولار. وإلا فقد كان بالإمكان تعويم الريال أو تعديل سعر الصرف ليصبح 1$ = 18.75 لتستمر كلفة راتب زيد كما هي 50 برميلاً شهرياً، وخاصة في عدم وجود للتضخم في السعودية آنذاك -لعدم وجود النمو-. إذن فالربط الحازم بالدولار كما أنه هو الذي حمى المواطن من انهيار قيمة الريال الشرائية، إلا أنه تسبب بعجز الدولة عن الإنفاق في أي مجال من مجالات التنمية والمجاهدة في المحافظة على صرف الرواتب. هذه التضحية الغالية كانت من أجل أن اللعب في سعر صرف الريال يسبب الهروب منه، ويكثر المضاربات عليه مما يجعله عملة هامشية في السعودية وسيتعامل الناس بالدولار وغيره مما يؤثر على السيادة الوطنية.

ثم إن راتب زيد هذا -على افتراض استمراره 7500 ريال- أصبح في عام 2007 يكلف الدولة 13 برميل نفط شهرياً، فأصبحت الفوائض تتراكم للحكومة بعد أن تسددت الديون. فتقوية الريال برفع سعر الصرف بدعوى التضخم ما هو إلا استنزاف للفوائض. والفوائض هي أسفنج واقي وماص لصدمات تقلب أسعار النفط، كما أنها (كاش) قريب يستخدم في الاستثمارات الممكن استيعابها في الاقتصاد السعودي.

ورفع قيمة الريال، المستفيد الأكبر منه هم الشركات والتجار والأجانب، وقد كتبت كثيراً في ذلك قديما. لذا فإذا افترضنا أن الحكومة تعمل في الصالح العام وما يخدم السياسة الاستقرارية، فإن رفع قيمة الريال بسبب التضخم القادم هو رأي مرجوح سياسياً واقتصادياً. فسياسياً، فبعكس رفع قيمة الريال، فإن رفع رواتب الموظفين له أثر مباشر إيجابي وملموس في نفوس الشريحة الأعظم في البلاد وهم الموظفون، كما أنه أقل كلفة بكثير من رفع قيمة الريال كما هو واضح بمثال براميل النفط أعلاه. ولكن رفع الرواتب سيرفع من أسعار العقار خاصة دون غالب البضائع الأخرى (لأن وضع البضائع هو مجرد إعادة للطلب العام إلى قوته الشرائية دون انعكاس هذه الكلفة على المنتج لأن المنتج هو مستورد غالبا).

ورفع الرواتب مرتبط بزيادة الإنتاجية، وإنتاجية الموظف الحكومي لا تزيد برفع الرواتب، والرواتب هي القسم الأكبر في ميزانية الدولة، فزيادة الرواتب قد تكون عدلا اجتماعيا مع التضخم ولكنها ظلما اقتصاديا عاما باعتبار وضع الإنتاجية الضعيفة، لذا فطالما أننا لم نتجه إلى المشاريع الصناعية الضخمة الممولة من الحكومة، والمراقبة من جهات رسمية وأخرى محلية، والمدارة بكفاءات وطنية وأجنبية كبدايات أرامكو حتى نتمكن من إحلالها بالسعوديين، على أن تكون معزولة كأرامكو عن تطفل الثقافة المبتدعة المتسلطة، فإن المسكوت عنه هو أننا سنستمر في استنزاف البترول بزيادة تضاعفية على مجتمع اقتصادي بسيط يعيش ليأكل.

 

الآن:الجزيرة

تعليقات

اكتب تعليقك