مفارقة تحوّل الولايات المتحدة إلى قوة انتقائية عظمى.. بقلم فيليب ستيفنز
الاقتصاد الآنسبتمبر 15, 2012, 1:22 م 659 مشاهدات 0
نادراً ما تركّز الانتخابات الرئاسية الأمريكية على السياسة الخارجية. وهذه الانتخابات هي أقل حتى من المعتاد في ذلك الخصوص. عندما تحدث ميت رومني في مؤتمر الجمهوريين، لم يتحدث عن الشباب الأمريكي اليافع الذي يقاتل ويقتل في أطول حرب للبلاد. في مؤتمر الحزب الديموقراطي، كذلك لم يتحدث أوباما عن أفغانستان إلا في إشارة عابرة – وليقول فحسب، إنه سيعيد القوات للوطن قريباً.
في مسار الحملة الانتخابية لا يتم ذكر أحوال العالم كثيراً. أنتقد رومني الرئيس أوباما أمام وفد من الجمهوريين بشكل وجيز ونمطي قائلاً إنه متساهل مع الخصوم ومهملاً للحلفاء، وخاصة إسرائيل. أوباما في عرض صغيرً لمنجزاته خارجياً أعاد التأكيد بفخر على قوة الولايات المتحدة في المحيط الهادي وعلى مقتل أسامة بن لادن.
مقتل دبلوماسيين أمريكيين هذا الأسبوع في بنغازي، والعنف المنتشر تجاه السفارات الأمريكية في الشرق الأوسط كردة فعل على فيلم يسخر من الإسلام، وضع العالم مرة أخرى على الصفحات الرئيسة. لا تستطيع الولايات المتحدة تحاشي تبعات نفوذها العالمي الذي لا يضاهى، حتى لو كانت ساحتا المعارك الانتخابية الحقيقية هما الاقتصاد وموقف الطبقة الوسطى الحرج.
لربما ينظر المؤرخون في المستقبل إلى الوضع الحالي ويرون هذا كنذير تحولٍ مهم لدور أمريكا في العالم. منذ أمدٍ ليس ببعيد تصور العديد في واشنطن أن الهيمنة الأمريكية دائمة، فالحروب كانت تشن والخطط توضع لمشروع للأجيال لفرض الديمقراطية في الشرق الأوسط. ثم كانت هناك تلك الأحاديث بخصوص نشر القوى الناعمة إلى جانب القوى الضاربة لتجديد وإعادة إحياء النظام العالمي لما بعد الحرب، واحتضان الدول الصاعدة في الشرق والجنوب كجهات معنية مسؤولة.
سواء أكان أوباما أو رومني هو من سيقود، فستستمر الولايات المتحدة في رؤية نفسها بلداً هو الأكثر قوة على الصعيد العالمي. لكن تركيزها وطموحها في رؤيتها العالمية أصبح أضيق. إدارتها لكواليس إسقاط معمر القذافي في ليبيا، ومقاومتها الشديدة للتدخل في سورية، أصبحت معالم للمستقبل. كذلك الأمر بالنسبة للرغبة الشديدة في الخروج من أفغانستان و'إعادة التوازن' من قبل أوباما مع آسيا.
صورة الولايات المتحدة عن نفسها ككفيل للصراعات العالمية استبدل بتقييم أكثر حدة للمصالح القومية. صنع الكلام المتكلف حول بناء نظام عالمي جديد الطريق لنظرة استراتيجية للولايات المتحدة، على أنها في مركز عودة عالم التوازنات وبناء التحالفات للقوى العظمى. يمكنك القول إن أمريكا ستصبح سريعاً القوة الانتقائية العظمى.
في بعض الجوانب يرجع هذا ببساطة إلى الحقائق. والباقي، خاصة، نمو الصين بأسرع مما توقع أي شخص. بعد التجارب المؤسفة في العراق وأفغانستان، فقد المصوتون الحماس للمغامرات الخارجية. الموازنة الوطنية العامة المكتوبة بخطٍ أحمر تقول إن الولايات المتحدة لا يمكنها على أية حال أن تتحمل مثل هذه التشاحنات أكثر من هذا.
يمكن أن يعدا رومني بغير ذلك، لكن ميزانية الدفاع تواجه تقليصاً طويل الأمد لها للتعامل مع عجز الموزانة الكبير والدين المتراكم. إذا كان على القوات البحرية أن يكون لها سفن للتأكيد مجدداً على قوة الولايات المتحدة في آسيا، سيتبقى للجيش قواتٍ أقل للانتشار في أوروبا أو الشرق الأوسط.
على أن تخفيض النفقات هذا لا يبدو مدفوعاً 'بالاحتياجات الواجبة' فحسب، فحالة التراجع هذه حدثت بقوة بسبب ثروة أمريكا الجيدة، الحدود الجغرافية الآمنة، ووفرة الموارد الطبيعية، والجامعات الممتازة، والتكنولوجيا المتقدمة، والنشاط الاقتصادي، والتنوع المناخي، أضفت بالفعل على الاكتفاء الذاتي الذي لا يضاهى في الولايات المتحدة، كما أن الفائض الكبير من إنتاج النفط والغاز من الرواسب الصخرية يعد باستقلال في الطاقة وبالمزيد.
هناك 17 مليون برميل من النفط تعبر مضيق هرمز كل يوم، ستكون أمراً أكثر أهمية لسنواتٍ عدة مقبلة. لكن ما حجم الدم والثروة الذي تستعد الولايات المتحدة لأن تخسره عندما تنافس صادراتها من النفط تلك الخاصة بالسعودية؟ على عكس الصين التي تطوقها الشكوك من الجيران وتعتمد بشدة على الموارد الواردة من الخارج. فهل يمكن أن يكون للصين قريباً الحصة الأكبر في الاستقرار النفطي السعودي.
هذه الأشياء من بين المواضيع التي تشكل تحليلاً للمشهد الأمني بعيد المدى لأمريكا، والذي على وشك أن يقدم لأوباما أو رومني قريباً بعد يوم الاقتراع في تشرين الثاني (نوفمبر). مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي ينهي آخر ممارساته التي تتم كل أربع سنوات للتنبؤات الاستراتيجية. هدف تقرير التوجهات العالمية هذا أن يعطي للإدارة القادمة من الديمقراطيين أو الجمهوريين، تقديراً لما يمكن أن يبدو عليه العالم عام 2030.
هذا الأسبوع اختبر مؤلفو التقرير بعضاً من استنتاجاتهم الأولية في اجتماع شاثام هاوس المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن. من بين أشياءٍ أخرى، اطلعوا على أهمية الاكتفاء الذاتي من الطاقة في الولايات المتحدة في إعادة تشكيل الدوافع والمبررات الداخلية للسياسة الخارجية الأمريكية. أشار الجزء الأكبر من المناقشة إلى أن التفكك البطيء للنظام العالمي الحالي يفسح المجال لعودة التنافس بين القوى العظمى، وإن كان سيُشكل على الأرجح من خليطٍ متعدد. في مثل هذا العالم، لربما ستظل الولايات المتحدة تمارس دور الشرطي في تلك المناطق التي لا مصالح محددة فيها بالفعل، تاركة للآخرين الحفاظ على السلام في الأماكن الأخرى.
علم الجغرافيا السياسية ليس بهذه البساطة بالطبع، فالهجوم الأخير على بعثات الولايات المتحدة هو تذكرة بأن إطار اهتمام الولايات المتحدة سيتطلب منها الإبقاء على الحضور في كثير من الأحيان أكثر من الغياب. حتى وإن كانت تسعى إلى تخفيف التشابك مع الشرق الأوسط، فإن تحالفها مع إسرائيل وطموح إيران النووي ينذر بعودتها مرة أخرى. حتى وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يبذل ما في وسعه لابتزاز الولايات المتحدة كي تشن حرباً اختيارية أخرى.
في عالم تتخلى في الولايات المتحدة عن دور الداعي للاجتماعات والكفيل للنظام العالمي، لمصلحة الدور الخاص بأن تكون قوى عظمى انتقائية، سينتقل إلى الحلفاء والمنافسين المحتملين عبء الحمل على عواتقهم المسؤوليات التي يترددون في تحملها. الجانب العكسي لزيادة التنافس سيزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، فللسلام الأمريكي عيوبه، لكن من ينتقدونه الآن، ربما أصبحوا ممن يترحمون على أيامه لاحقاً.
تعليقات