تعليقاً على طعن الحكومة في قانون الدوائر
محليات وبرلمانالسعدون: اذا كان الغرض من الطعن العدالة كان واجباً على الحكومة السعي لتحقيقه من خلال مجلس الأمة
سبتمبر 14, 2012, 9:43 ص 2440 مشاهدات 0
اصدر رئيس مجلس السابق احمد السعدون بيانا صحافيا عبر حسابه على تويتر تعليقا على طعن الحكومة امام المحكمة الدستورية في قانون الدوائر الانتخابية ، وجاء في بيان السعدون ما يلي:-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181الأعراف)
على الرغم مما سبق لي أن علقت به أكثر من مرة وبشيء من التفصيل من خلال هذه الصفحة في تويتر على الطعن الذي قدمته الحكومة إلى المحكمة الدستورية في شأن القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية ، فإنني أجد من المناسب كذلك التعليق على ما ورد في الطعن المذكور في الفقرة التالية :
' وكان هذا التفاوت بسبب التوزيع غير العادل للدوائر فاهتزت القيمة الإنتخابية لصوت المواطن بين دائرة وأخرى، مما أخل بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وهو ما يمثل إخلالاً جسيما للأحكام الدستورية، وتحديدا المواد ٢٩،٨،٧ من الدستور.''(انتهى)
ولا شك أن هذه الصحوة المفاجئة للحكومة وهذا الإكتشاف المتأخر لما أسمته :
'' إخلال بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين التي نص عليها الدستور وتحديدا في المواد ٢٩،٨،٧ منه ''
أمر إذا كان الغرض منه الإلتزام بما نصت عليه هذه الأحكام من عدالة تامة ومساواة مطلقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين على الرغم من أن الحكومة سبق أن رفضت جميع الإقتراحات بقوانين التي قدمت من الأعضاء وكانت غايتها تحقيق هذه الأهداف ، فإنه كان ولا يزال متاحاً لها بل واجباً عليها السعي لتحقيقه من خلال مجلس الأمة صاحب السلطة الأصيلة في التشريع (باستثناء مجلس٢٠٠٩ الذي أسقطه الشعب الكويتي) وليس بإقحام السلطة القضائية في مسألة تشريعية بحتة وهو ما يتعارض مع أحكام المادة (٥٠) من الدستور ، أما إذا كان الغرض من كل ذلك وما تسبب فيه سلوك الحكومة من شلل سياسي ودستوري بل وشلل تام أصاب جميع المناحي الذي أوصلت البلد إليه ووضعته فيه ، لم يقصدمنه في الحقيقة الإلتزام بأحكام الدستور وإنما هو من أجل إيجاد غطاء لها من خلال حكم قضائي تسعى إليه الحكومة ليوفر لها ما تعتقد أنه المبرر الدستوري للتفرد بالقرار واغتصاب سلطة التشريع التي قررها الدستور لمجلس الأمة ومن ثم إعداد الدوائر الانتخابية وإصدار مرسوم بقانون يشترك في وضعه وتفصيله على المقاس المطلوب كل من الحكومة والقوى والأطراف التي ناصرتها وأيدتها وشجعتها وتحالفت معها للتحكم في مخرجات الانتخابات - وهذا ما تدعو اليه كذلك وتسعى إلى تحقيقه تحالفات قوى الفساد والإفساد والأطراف المعادية للنظام الدستوري - فإن الحكومة تكون بذلك قد أهدرت كل ما احتجت به من ادعاء الحرص على الإلتزام بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين التي نص عليها الدستور وأدخلت البلد في نفق لا أحد يعلم نهايته لأنه وبكل بساطة لا يمكن لمن يسعى لإيجاد المبرر لإغتصاب سلطة مجلس الأمة أن يدعي أنه يسعى في الوقت ذاته لتحقيق تلك المبادئ السامية التي نص عليها الدستور وذلك لتعارض المسلَكَينْ.
والآن وبعيدا عن كل ذلك وتعليقا على ما تقول الحكومة أنها تدعو إليه من تحقيق للعدالة التامة والمساواة المطلقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين من خلال القيمة الانتخابية لصوت المواطن فإن ما يمكن تأكيده أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من خلال أي من الإقتراحات التي سربتها الحكومة ربما لجس النبض أو طرحتها بعض الأطراف حتى تلك التي خفض فيها التفاوت في أعداد الأصوات بين الدوائر الانتخابية الى أدنى حد أمكن لهذه الأطراف التوصل إليه بل لا يمكن أن تتحقق العدالة التامة والمساواة المطلقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين من خلال القيمة الانتخابية لصوت المواطن كما تطرح الحكومة حتى لو أمكن التوصل إلى تَسَاوي أعداد الناخبين في جميع الدوائر كأن يكون في كل دائرة انتخابية في حالة الدوائر الخمس مثلاً (٨٤٠٠٠) ناخب من إجمالي الناخبين إذا كان عددهم (٤٢٠٠٠٠) ناخب ، بل حتى لو تحقق ذلك دون تفرد الحكومة بالسلطة واغتصابها وإنما تم كل ذلك بالإجراءات الدستورية من خلال مجلس الأمة ، ذلك أنه وإن كانت العدالة النسبية وهي في هذه الحالة تَسَاوي أعداد الناخبين في جميع الدوائر، قد تحققت ، فإن القيمة الانتخابية لصوت المواطن كما تقول الحكومة أنها تسعى إليها، لن تتحقق بشكل مطلق ما دام يعلن فوز أول عشرة مرشحين حققوا أعلى الأصوات في أي دائرة في حالة الدوائر الخمس مثلاً وهناك من جاء ترتيبه بعد الفائز العاشر في دائرة ثانية ولكنه من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها أعلى من مرشحين أعلن فوزهم في دوائر أخرى مما تصبح معه القيمة الانتخابية لصوت المواطن في هذه الحالة في هذه الدائرة أدنى من الدوائر الأخرى ومثال ذلك :
(١) لو حصل الفائز العاشر في الدائرة (أ) على عدد من الأصوات ولنقل مثلاً (٨٠٠٠) صوت
(٢) وحصل مرشح في الدائرة (ب) جاء ترتيبه بعد الفائز العاشر على عدد من الأصوات ولنقل مثلاً (٩٠٠٠) صوت وبالتالي لا يعتبر فائزا
فإنه على الرغم من تَسَاوي أعداد الناخبين في جميع الدوائر إلاأن القيمة الانتخابية لصوت المواطن ليست متساوية في تأثيرها في النتائج إذ أنها في الدائرة (أ) أفضل منها في الدائرة (ب) وبالتالي فان الفرص ليست متكافئة وذلك لفوز من حصل على (٨٠٠٠) صوت وعدم فوز من حصل على (٩٠٠٠) صوت بسبب وجودهم في دائرتين مختلفين ، ذلك أن تحقيق القيمة الانتخابية لصوت المواطن كما تدعو لذلك الحكومة إنما يكون كذلك بتأثير هذه القيمة في النتيجة النهائية بحيث لا تكون هذه القيمة أفضل في دائرة منها في دائرة أخرى ، وهذا ما لم يتحقق ، مما يجعل - ولو نظرياً - الأسباب التي استندت إليها الحكومة في طعنها بتعارض ذلك تحديداً مع أحكام المواد ٢٩،٨،٧ من الدستور قائمة.
وعليه فإن العدالة التامة والمساواة المطلقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين كما تقول الحكومة أنها تدعو إليها لا يمكن تحقيقها إلا بالدائرة الإنتخابية الواحدة سواء كان ذلك بالقوائم النسبية -وهو الإجراء الأمثل- أو بالترشيح الفردي أو بالدوائر المتعددة (بالصوت الحر) وايضاً سواء كان ذلك بالقوائم النسبية أو بالترشيح الفردي ، ذلك أن العدالة التامة والمساواة المطلقة وتكافؤ الفرص بين المواطنين متحققة لكل من الناخب والمرشح على حد سواء ، فحرية الناخب مطلقة في التصويت للقائمة التي يختارها أو للمرشحين الذين يختارهم في حالة الترشيح الفردي على مستوى الدولة، والعدالة والمساواة في عدد الأصوات التي يحتاجها كل مرشح سواء كان ذلك ايضاً بالقوائم النسبية أو بالترشيح الفردي دون تفضيل مرشح للفوز على آخر وتكافؤ الفرص محققة كذلك بصورة مطلقة ، إذ أن الفوز لا يمكن أن يتحقق لأي مرشح إذا كان احد غيره من بين المرشحين قد حصل على عدد من الأصوات أكثر منه ولو بصوت واحد على مستوى الدولة ولم يعلن فوزه. وغني عن البيان التأكيد على أن مشروعية ذلك إنما تتحقق من خلال مجلس الأمة صاحب الحق الأصيل الذي أوكل إليه الدستور سلطة التشريع .
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (٢٦ص)
تعليقات