عن الاختلاف بين 'إيران الثورة' و'مصر الإخوان'.. يكتب سامي خليفة
زاوية الكتابكتب سبتمبر 3, 2012, 11:21 م 1166 مشاهدات 0
الكويتية
إيران.. وإخوان مصر
د. سامي ناصر خليفة
بعد أكثر من 30 عاما من القطيعة بين أهم دولتين في المنطقة، وأكبرهما من ناحية الثقل البشري والتأثير السياسي، حطّت يوم الخميس الماضي طائرة الرئيس المصري محمد مرسي في مطار الإمام الخميني بطهران، هذا الإمام الذي قطع العلاقات مع النظام المصري بعد توقيع مصر اتفاقية «كامب ديفيد» المهينة مع الصهاينة، مسمياً أحد شوارع طهران بالشهيد خالد الإسلامبولي، ومعلناً عن موقف جمهوريته الإسلامية المنحاز للحركة الإسلامية المصرية التي يقودها تنظيم الإخوان المسلمين في صراعها السياسي مع الرئيس المصري المقبور أنور السادات مطلع الثمانينيات، ولتعلن إيران منذ ذلك اليوم دعمها ومساندتها الكاملين لصحوة شعوب دول المنطقة ضد حكامها الجائرين، وعلى رأسهم صحوة الشعب المصري، وإن تطلّب الأمر أن تدفع إيران الثمن غالياً على مستوى علاقاتها بالأنظمة العربية ومصالحها مع الحكومات الغربية.
ليس هذا فقط، بل جاءت «إيران الثورة» لتضع قضية حق الشعب الفلسطيني في استرداد أراضيه المحتلة كاملة، وتحرير القدس من دنس الصهاينة كأم القضايا والركيزة الأساسية، التي تتشكل على ضوئها سياسة إيران الخارجية، تلك الركيزة التي تعد نقطة التقاء مهمة جداً في العلاقة بين التنظيم العام للإخوان المسلمين وبين الجمهورية الإسلامية في إيران لقيادة هذا الملف على الصعيدين السياسي والحقوقي.
لذا كانت إيران -ومازالت- الداعم الأهم والأكبر لكل حركات التحرر وقوى الممانعة والمقاومة المتعلقة بفلسطين المحتلة، وعلى رأسها حركة حماس المنتمية للإخوان المسلمين.
ولذا لا يمكن الحديث عن أي علاقة مستقبلية بين إيران وبين «مصر الثورة» التي يقودها أحد كبار قادة الإخوان المسلمين، وهو محمد مرسي، دون أن نعي تلك المقدمة أعلاه، وخصوصا أن جل الأنظمة السياسية العربية باعت القضية الفلسطينية بأثمان بخسة، والبعض أغرقها في متاهات المصالح الضيقة مع الغرب الداعم لإسرائيل، وبين دهاليز ما يسمى بخطط «السلام»، التي لم تكن إلا استسلاما لمنطق الواقع، إلى درجة يمكن القول معها إن العقود الثلاثة الماضية كانت فترة انحطاط حقيقية للخطاب الرسمي العربي.
إيران اليوم بنت منظومتها الدفاعية في وجه العدو الصهيوني، والمسماة بجبهة المقاومة والممانعة، التي تمثّل هلالا يمتد من أراضيها إلى الجنوب اللبناني، مروراً ببغداد ودمشق ومعها قوى التحرر التقدمية والنضالية والإسلامية في فلسطين المحتلة وخارجها.
وقد استبشرت خيراً حين نجح الإخوان المسلمون في الوصول إلى السلطة لسببين أساسين هما: أن التيار المنتمي للمعسكر الغربي الداعم لبقاء إسرائيل سيخسر أهم ركيزة في المنطقة لمصلحة جبهة الممانعة التي تقودها إيران اليوم بكل اقتدار، وأيضا لأن السياسة الإيرانية الداعمة لاستنهاض الشعوب وصحوة حركات التحرر في المنطقة ضد أنظمتها الدكتاتورية بدأت تؤتي أكلها وتجني ثمارها لمصلحة المشروع العام. وهذا ما يجعلها بالتأكيد تمد يد الأخوة والمحبة والتعاون مع مصر الثورة لتساعدها على الخروج من المستنقع الآسن الذي كانت تعيش فيه حكومات مصر طيلة العقود الثلاثة الماضية.
وإيران قبل غيرها تدرك أن المسألة تتطلب وقتاً قد لا يكون قصيراً لرؤية مصر في مقدمة جبهة الممانعة والمقاومة لاعتبارات كثيرة منها: أن التنافس على الحكم القائم في مصر لم يحسم تماما لمصلحة الإخوان المسلمين، وخصوصا مع القراءة المتمعنة لاصطفافات الشارع المصري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومنها ما يتعلق بانتشار حالة من الحساسية الطائفية لدى التيارات السلفية الحليفة للإخوان، على الأقل في الظروف السياسية الحالية، ومنها بسبب الضغوط الدولية التي تمارسها الإدارة الأميركية على الرئيس المصري الجديد، ولاسيما أن هناك مؤشرات تروج لها واشنطن من أن وصول الإخوان إلى الحكم في مصر لا يمكن أن يتم من دون توافق غربي - إخواني على شكل الحكم القادم ما
بعد نجاح الثورة!
ومن الأسباب أيضا صعوبة تخطي القيادة الجديدة في مصر لمواقف بعض دول الخليج من إيران، وذلك لأسباب تتعلق بالاحتياج المادي، خصوصا أن النظام المصري السابق دمّر البنية التحتية لمصر، وحوّل هذا البلد الغني بثرواته إلى دولة غارقة في الديون.
ومن الأسباب أيضاً أن الرئيس المصري - وإلى هذه اللحظة - مقيد ببنود معاهدة كامب ديفيد المذلّة، ولم يوقف تزويد بلده بالغاز الطبيعي للصهاينة، ولم يُنهِ المشاركة في حصار قطاع غزة، ولم يتحرّر بعد من الهيمنة الأميركية على القرار السياسي والاقتصادي والأمني في بلده، ولاسيما أن سلفه (الرئيس المخلوع حسني مبارك) ربط مصر بجملة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تُعطي واشنطن حق التدخل في شؤون مصر الداخلية على الصعيدين الأمني والدفاعي!
ويظل التحدي الأبرز الذي يحول دون اندفاع مصر باتجاه طهران هو الاختلاف بين «إيران الثورة» و«مصر الإخوان» في الموقف من الأزمة القائمة في سوريا، هذا الاختلاف الذي تُشم منه رائحة عدم التوافق السياسي، في وقت يعلم الرئيس مرسي نفسه أن بعض التنظيمات الإخوانية تميل إلى الموقف الإيراني أكثر من ميلها للموقف الخليجي، هذا الموقف المتمثل بالانحياز إلى ضمان استمرار سوريا ركيزة أساسية في جبهة الممانعة والمقاومة، كما هي حال قادة حركة حماس في الخارج وبعض قادتها في الداخل.
ولا يمكن أن ينسى الكثيرون من الشخصيات الكويتية التي قابلت القيادي الإخواني خالد مشعل، في جلسة خاصة بالكويت قبل أسابيع قليلة، حين أكّد مشعل أهمية التحالف الإستراتيجي بين نظام سوريا و«حماس فلسطين»، وكمّ المساعدات والدعم والإسناد الذي وفرته القيادة السورية لحركات التحرر والمقاومة الفلسطينية ودعم صمودها في وجه الاحتلال طيلة العقود الماضية.
ولكن، وبالرغم من كل ذلك، فإن التاريخ الجهادي والنضالي بين إيران وإخوان مصر، والتوافق في الأهداف العامة والرؤى الخاصة حول الكثير من قضايا الساحة، والتحديات الكبيرة التي ستواجه كليهما، بالتأكيد ستكون كفيلة برفع العلاقات بينهما إلى سقف يمكن له أن يعيد إلى الأمة الإسلامية توازنها الإستراتيجي، بل ودورها الريادي في عالم لا مكان فيه للضعيف.
قد أكون متفائلا نوعا ما في هذا المنحى، ولكن التعويل كل التعويل على إدراك إيران وإخوان مصر لعظم المسؤولية التاريخية التي يتحملانها معاً من جانب، ولتطلعات شعوب المنطقة للوحدة التي تعيد إلى المسلمين - عرباً وعجما - مكانتهم بين شعوب الدول الأخرى من جانب آخر.
تعليقات