قرار المحكمة الألمانية سيحدد مستقبل صندوق إنقاذ منطقة اليورو.. بقلم كوينتين بيل

الاقتصاد الآن

596 مشاهدات 0


تم تحديد موعد يوم الحكم في ألمانيا بخصوص صندوق إنقاذ منطقة اليورو الذي يقدر بـ 500 مليار جنيه استرليني، يوم 12 أيلول (سبتمبر)، حيث سينظر ثمانية قضاة يرتدون الزى القرمزي الملف رسمياً في قاعة المحكمة في مدينة كارلسروه - المقر السابق لكبار حاملي لقب دوق في مدينة بادن، على الضفة الشرقية لنهر الراين - وإعلان مصيرها.

وستكون لحظة بالغة الأهمية، ليس فقط في النضال من أجل الحفاظ على اليورو واستقرار أكثر الاقتصادات المثقلة بالديون في 17 دولة في منطقة اليورو الذي استمر ما يقرب من ثلاث سنوات، بل إنها قد تحدد أيضا العلاقة بين ألمانيا وبقية شركائها في أوروبا في المستقبل القريب.

ظاهريا، من المفترض أن يقرر القضاة في المحكمة الدستورية الاتحادية ببساطة ما إذا كان إصدار أمر قضائي نظراً لتأخير إنشاء آلية الاستقرار الأوروبي في الوقت الذي ينظرون فيه إلى شرعيتها وفقا لـ ''جرند جيستس'' أو (القانون الأساسي)، كما يعرف بدستور البلاد. كما يتعين عليهم أيضاً أن يقوموا بالشيء ذاته بالنسبة لميثاق الاستقرار المالي، الميثاق الموازي الذي تمت الموافقة عليه في كانون الثاني (يناير) الذي يضع قواعد ميزانية صارمة لأعضاء العملة الموحدة.

قي الواقع، ومع ذلك، قد يكون المصير النهائي لليورو في يد الرجال الخمسة والنساء الثلاث في كارلسروه، حيث لا يمكن لآلية الاستقرار الأوروبي أن تأتي إلى حيز الوجود ما لم تصادق ألمانيا، الجهة الممولة الرئيسية لها، على الميثاق.

حتى لو كان القضاة سيعطونها الضوء الأخضر، فإن أي شروط يقوم بفرضها القضاة قد تؤدي إلى تصاعد التوتر مع الحكومة حول التكامل الأوروبي. ورغم نداء برلين لإصدار حكم سريع في شهر تموز (يوليو) عندما سمعوا عشر ساعات من الآراء المؤيدة والمعارضة، فإن القضاة سيأخذون كل الصيف لمناقشة الآثار المترتبة على هذه القضية. وسيتم اتخاذ قرارهم بخصوص الأمر القضائي باعتباره مؤشراً واضحاً لحكمهم النهائي على النقطة المركزية لجهود الإنقاذ في منطقة اليورو - ''جدار الحماية'' الذي يقدر بـ 500 مليار جنيه استرليني الذي يستخدم في الدفاع عن دول مثل إسبانيا وإيطاليا من ارتفاع تكاليف الاقتراض في الأسواق المالية.

''إذا كانوا سيقضون على آلية الاستقرار الأوروبي، ففي اليوم التالي سينتهي أمر اليورو، ''كما يقول أرنيم فون بوجداندي، مدير معهد ماكس بلانك للقانون العام المقارن في هايدلبيرج. واستطرد قائلاً: ''إنهم يرون ذلك، ولكنهم لا يستطيعون فعله''.

حتى أقوى المنتقدين في البلاد لتدابير الإنقاذ في منطقة اليورو ودور ألمانيا باعتبارها أكبر ضامن لإقراض الطوارئ، اعترفوا بأنهم لا يتوقعون فوز المدعين في هذا اليوم.

ويذكر المنافسون (بما في ذلك حزب لينكي اليساري المتطرف، الحزب الوحيد في البرلمان الذي صوت ضد المعاهدتين في المسألة؛ ودعم 35 ألف مواطن حركة مزيد من الديمقراطية) يقولون: إن آلية الاستقرار الأوروبي- الميثاق المالي - هي الأدوات التي ستقوض سيادة ''بوندستاج''، البرلمان الوطني وستنقل القوى إلى بروكسل دون رقابة ديمقراطية وستعرض البلاد إلى تكاليف مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها.

يقول أوليفر سوير من مركز السياسة الأوروبية، أحد مراكز الفكر المتشككة النادرة في ألمانيا نادرة التفكير: ''هم قد يعطون إشارة لاتخاذ مزيد من الخطوات لحماية الدستور''، ويضيف: ''يجب الحفاظ على اختصاصات معينة للدولة، حيث تتوافق كمية معينة من التكامل مع الدستور. لا أعتقد أنهم سيقولون إن [آلية الاستقرار الأوروبي أمر غير مقبول على الإطلاق. سيقولون: ''نعم، ولكن...''

هذا هو ''التحفظ'' الذي يهم، على الرغم من ذلك. اتخذ القضاة سلسلة من القرارات الأخيرة التي تؤنب حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بخصوص مسائل تتعلق بإدارة أزمة منطقة اليورو بشأن معاملة طالبي حق اللجوء والقانون الذي يحكم سير الانتخابات العامة المقبلة. فالسؤال في هذه المناسبة هو ما لمدى الذين سيسعون لتحقيقه في تقييد أيدي الحكومة والبرلمان الاتحادي - الذي وافق في شهر حزيران (يوليو) على المعاهدات بأغلبية الثلثين - في الماضي قدما في خطوات نحو ''اتحاد مالي''.

تزعم ميركل وولفجانج شويبله، وزير ماليتها، يدعمهما الاتحاد الديمقراطي المسيحي- يمين الوسط الحاكم والحزب الاشتراكي الديمقراطي يسار الوسط المعارض، أنها فقط مع اتحاد مالي - ما يعني نقل مزيد من سيادة الميزانية الوطنية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي - يمكن تحقيق وحدة نقدية مستقرة على المدى الطويل.

من المتوقع أن يبنى حكم المحكمة على سلسلة من القرارات - على معاهدة لشبونة عام 2009 التي أعادت تصميم مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والإنقاذ الأولي لليونان في عام 2011 على وجه الخصوص – تشكك في مدى توافق مزيد من التكامل مع الدستور الألماني، وإلى أي مدى يمكن لدافعي الضرائب الألمان ضمان صناديق الإنقاذ.

بخصوص لشبونة، قضى القضاة بأن أولوية السلطة القضائية الأوروبية، عندما تمارس في ألمانيا، ''تمتد فقط بقدر الذي توافق عليه جمهورية ألمانيا الاتحادية... وكان يحق دستورياً القيام بذلك''، على حد قول كريستيان كاليس من جامعة برلين الحرة. وتضيف: ''تعد التحفظات الوطنية مسألة بالغة الحساسية من وجهة النظر الأوروبية - على أساس أنه لا توجد وحدة وطنية دون سيادة''، كما كتبت في دراسة حديثة لكلية أوروبا في بروج. وتضيف قائلة: ''إذا حذت 27 محكمة دستورية في الدول الأعضاء حذو المحكمة الدستورية الألمانية، فإن القانون الأوروبي أصبح نظام قانون مشرذم في الواقع''.

وتعتقد هي والخبراء القانونيون الآخرون أنه يجوز للمحكمة أن تغتنم هذه الفرصة لاقتراح إجراء استفتاء وطني قبل تحول مزيد من القوى، مثل السيادة الميزانية، إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وحتى الآن، كانت فكرة إجراء هذا الاستفتاء مستبعدة بشأن المؤسسة السياسية، فكان الخوف من أنها ستقوض الديمقراطية البرلمانية، كما فعل النازيون عام 1930. نفس التاريخ المظلم شكل إنشاء المحكمة الدستورية. ''بعد دكتاتورية الرايخ الثالث، فكرت الأمهات والآباء الذين قاموا بوضع الدستور في التعامل مع حالة تكون فيها الأغلبية قد تنتهك حقوق الإنسان الأساسية،'' على حد قول كريستين هوهمان-دينهارت، وهو عضو سابق في المحكمة، والآن في مجلس إدارة شركة دايملر لصناعة السيارات الألمانية. ويضيف: ''قرروا آنذاك أننا كنا بحاجة إلى سلطة قضائية مستقلة التي يمكن أن تكون لها الكلمة الأخيرة لتوضيح مثل هذه المسائل''.

وتتمتع مدينة كارلسروه بتاريخ من الدفاع عن حقوق الأفراد- على سبيل المثال، حماية البيانات أو الحد الأدنى من مستوى المعيشة. ويقول الأستاذ الجامعي فون بوجداندي: إنهم يعطون أصواتهم لهؤلاء الأطراف التي تأتي في صف السكان الذين ليس لديهم نفوذ. ويضيف قائلاً: ''إنها ناجحة إلى حد كبير، كما أن المحكمة تتمتع بسمعة عامة مرموقة بين الجمهور''.

ولهذا السبب يعزف السياسيون والمعلقون عن توجيه النقد إليها. ففي بروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية يتعجب المسؤولون الذين يتفاوضون مع ألمانيا باستمرار من تأثيرها الفائق الحدود. ويشك البعض من أن السيدة ميركل ووزراءها يستخدمون هذه المحكمة كعذر لعدم تقديم تنازلات- مثال ذلك، في قبول تقديم سندات منطقة اليورو على أنها صكوك ذات مسؤولية مشتركة في أسواق الديون السيادية.

ويقول رومان هيرتزوج، رئيس المحكمة منذ أواخر الثمانينيات ورئيس ألماني في التسعينيات: إن لسلطتها جذورا تاريخية عميقة جداً. ويستطرد قائلاً: ''شهد القرن التاسع عشر في ألمانيا صراعا مستمرا بهدف زيادة سلطة البرلمان، ولكنه لم ينجح إطلاقاً. على الأقل حتى تنازل القيصر فيلهلم الثاني في 1918. وبدلاً من ذلك، فقط نمت وتطورت الديمقراطية في ألمانيا من خلال المحاكم.

وقال في البداية اعتقد الناس في النظام الملكي، وبعد ذلك اعتقدوا في حكمة التمثيل الشعبي. ولكن منذ 1930 على أقصى تقدير- وليس فقط منذ 1933- عرفنا أن الديمقراطية الممثلة قد تكون مسؤولة عن أي حماقة. وكان كل ما تبقى هو القضاء، وربما يكون هذا هو السبب وراء التفكير فيها على هذا النحو.

وثمة مخاوف من أن السيدة ميركل قد أصيبت بحالة من الإحباط بسبب المحكمة. وبعد الحكم الذي صدر أخيراً ومفاده أن الحكومة لم تواظب على إطلاع ''بوندستاج'' إطلاعاً كافياً بتحركاتها في أزمة منطقة اليورو، فقد وردت تقارير بأنها صرحت في اجتماع الاتحاد المسيحي التنفيذي التابعة له قائلة: لقد بلغت الحد الأقصى. ومع هذا فربما لن تقول هذا علانية. وشكواها أنه في الواقع مطلوب منها الكشف عن أساليبها في التفاوض في ''بوندستاج'' قبل تطبيقها في بروكسل.

إن القضاة غير نادمين. وما يكمن في جوهر اهتمامهم هو ''فقرة الخلود'' في الدستور التي تنص على أنه: لن يطرأ تغيير على مبادئ حقوق الإنسان الثابتة، وأن ألمانيا ''دولة ديمقراطية وذات اتحاد اجتماعي وأن سلطتها مستمدة من الناس الذين يمارسونها ''عن طريق الانتخابات وطرق التصويت الأخرى. (وعلى الرغم من ذلك توجد فقرة أخرى في الدستور تلزم البلاد بالعمل على التوصل إلى ''أوروبا المتحدة)''.

وفي حكمهم في قضية لشبونة ومرة أخرى في خطة الإنقاذ اليونانية وإيجاد مرفق الاستقرار المالي الأوروبي - وهو عبارة عن صندوق مؤقت الذي ستحل محله آلية الاستقرار الأوربي إذا وافقت عليها المحكمة- أعرب القضاة عن قلقهم من أن التحول الفعال للميزانية السيادية إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي قد أثر في أحد الركائز الأساسية للديمقراطية الوطنية.

وكشف أندرياس فوسكهيل، رئيس المحكمة الدستورية ورئيس مجلس إدارة غرفة مسؤولة عن الأحكام الأوروبية، عن بعض ما يفكر به في لقاء أجري أخيراً معه في صحيفة ''فرانكفورتر ألجماينة''. حيث وجه إليه سؤال حول تحويل الميزانية السيادية بشكل جزئي من ''بوندستاج'' إلى المؤسسات الأوروبية، فأجاب قائلاً: ''ليس هناك كثير من المساحة تركت حول نقل مزيد من ''بوندستاج'' إلى الاتحاد الأوروبي.'' وإذا كان من الضروري تخطي هذا الحد- الذي يكون من المؤكد مقبولاً ومرغوباً فيه سياسياً- فحينها يتحتم على ألمانيا أن يكون لديها دستور جديد. ولهذا فقد يصبح من الضروري إجراء الاستفتاء على ذلك.

كما تجرأ السيد شويبلة على إثارة احتمالية إجراء استفتاء عام لفتح المجال أمام مزيد من التكامل. وفي يوم الإثنين دعم سيجمار غبريل، قائد الحزب الديمقرطي الاشتراكي، خطة تدعو لصياغة تغييرات دستورية ليتم الاستفتاء عليها. وعلى الرغم من أن كافة الأحزاب مؤيدة للاتحاد الأوروبي إلا أن قرب الانتخابات العامة في شهر أيلول (سبتمبر) 2013 قد يجعل هذه المسألة سبباً في زيادة الخلاف بشكل أكثر.

وتنتاب حالة من الشك الأكاديميين مثال الأستاذ كاليس وفون بوجداندي حول أداة الاستفتاء، حيث لا يوجد عنها أي شيء في الدستور سوى في مسألة تغيير حدود الدول الاتحادية الست عشرة. وتساءل الأستاذ كاليس قائلا: ''هل الاستفتاء يلغي فقرة الخلود؟'' وأضاف: ''حيث قيل لنا إنه لا يمكن إلغاؤها إلا بقيام ثورة''.

وفي اختبار لدستورية آلية الاستقرار الأوروبي والاتفاق الضريبي، على القضاة في كارلسروه إحداث توازن بين المطالب المتنافسة لفقرة الخلود والالتزام بأوروبا المتحدة. ولكن الأمر الأكيد هو عدم رغبتهم في إحداث ثورة.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك