مجتمعاتنا انحرفت على 'كبر'.. جعفر رجب ساخراً
زاوية الكتابكتب أغسطس 30, 2012, 12:10 ص 943 مشاهدات 0
الراي
تحت الحزام / 'فلو باك' لو سمحت
جعفر رجب
هناك واقع حقيقي وواقع مصطنع... تذهب للديوانية تسلم على الناس، وتستمع لحديثهم، تخرج الى ديوان اخر تشاهد الاشخاص انفسهم، ديوان عاشر الوجوه ذاتها، وكلماتهم هي هي، ومواضيعهم ذاتها، وتعليقاتهم نفسها...!
يتم افتتاح سوق شرق، فيتجمع جمهور المولات هناك، افتتحت المارينا فاتجهوا اليها تاركين خلفهم الفلول، فتحت ابواب الافينيوز فتجمعوا هناك تاركين المارينا للوافدين، تم افتتاح مول 360 المجيد، فذهب الناس اليه زرافات وفيلة... فمن لا تراه في الافينيوز تجده مرابطا في 360، ومن تهرب منه في المارينا «يطيح عليك» في «الكوت» وبهذه المناسبة نشكر حكومتنا على تجميع الكويتيين في هذه الملاجئ المكيفة...!
تخرج من الواقع الى الواقع المصطنع في الانترنت، وتكتشف ان جمهور المولات موجود في الـ«واتساب، فيس بوك، تويتر واخيرا انستغرام...» ومن كنت تتهرب منه في الواتساب يلحقك في التويتر، ومن تتحاشاه في التويتر «يصيدك» في الانستغرام!
ولا فرق كثيراً بين الشخصيات في الواقع، والواقع المصطنع في شبكات التواصل الاجتماعي، ومن كان يجلس في المول لساعات يتابع تحركات الناس، والنساء خاصة، الان يدخل مواقع التواصل ويتجول في بروفايلات النساء والبنات، ثم يلقي بسؤاله المشهور «ممكن نتعرف»؟ وهي جملة توازي في شهرتها جملة «لدي حلم» لمارتن لوثر كينغ!
وكما يجلس في المقهى المزدحم، ولا يفتح فمه بكلمة، ويتابع ما يقوله الاخرون في الطاولات حوله، يقوم بالاسلوب ذاته بمتابعة ما يقوله الناس ومتابعة احاديثهم في التويتر، رغم انه لا يعرفهم ولا يعرفونه، وتعتبر متابعة الحوار النسائي من اولوياته الاستراتيجية، ثم يكتب لاحداهن دون معرفة ولا سلام «ممكن دايركت»؟!
وكما يمارس هواية ملاحقة الفتيات في الشارع والمولات ومواقف السيارات.... ويقول لهن «شدعوة عطونا ويه»، يلاحقهن في التويتر والانستغرام «شدعوة عطونا فلوباك» شدعوة عطونا «لايك»...!
وكما يسمع نكتة او تعليقا في ديوانية ما ويحفظها، ليقولها في ديوانية اخرى وينسب المقولة والنكتة لنفسه، يقوم في شبكات التواصل بعمل «كوبي بيست» لمن يتابعهم، لاظهار ظرافته وحكمته العميقة!
ومثلما يكشخ وهو جالس بغترته المنتشاة بلا حراك في المقهى، ويضع امامه نظارته التقليد، ومفتاح سيارة «البورش» رغم انه راعي «وانيت»، فهو في «الانترنت» بنسفته ذاتها الخشبية مع نظرة تفكير عميقة او ابتسامة ساحرة، ولا يخلو انستغرامه من صورة مفتاح سيارة الـ«بورش» على الطاولة، ويبدو لي انه مفتاح واحد يوزع على الجميع للتصوير معه!
ومثلما يحاول التفلسف في الدواوين والمقاهي بكلامه الفاضي، واظهار علاقاته المتشعبة، يمارس هواية اقطع والصق، من الكتب ليضعها في موقعه، ولا ينسى ان يكتب بعض الجمل الغريبة كتعريف لذاته «انا لا اعبر عن نفسي بل اعبر النهر، وامشي حتى لا اصل، وفي الاصل كانت التفاحة تبيع الحقيقة...» ثم رسمة قلب مكسور لزوم اظهار حزنه والمه على خيانة حبيبته!
في الغرب، اخترعوا هذه المواقع سموها «شبكات التواصل» فزاد من ترابط المجتمعات الغربية، من خلال حواراتهم، ونقاشاتهم اليومية في مختلف الشؤون الثقافية والرياضية وفي اخر الطابور السياسية، هنا المجتمعات التي يظهر على ملامحها الترابط، كشفت مواقع «التناحر الاجتماعي» هشاشتها، تتابع بوضوح الحقد الطبقي، العنصري، الطائفي، الفئوي، وجميع الامراض الاجتماعية والنفسية، يدخل الناس الشبكة افواجا، وكانهم داخلون للحلبة، من اجل مصارعة جماعية والبطل من يرمي الجميع في الخارج!
وما يقهرني، بعد نهاية يوم مليء بالشتم الفتنة في «التويتر»، يكتب احدهم «كلنا سنة وشيعة وبدو وحضر فدا تراب الكويت، وانا شيعي وصديقي سني رايحين لبدوي عازمنا على مطعم صاحبه حضري...» عندها اتمنى ان ادخل التويتر «وازنطه»حتى الموت، رغم بانه معذور فهو ابن مدارس الحكومة التي تعلم ان الوطنية تعني حفظ اغان وطنية، وشعارات سنة وشيعة، بدو وحضر، خيار وطماط، جبن وزيتون...!
مجتمعاتنا تعيش مراهقة متأخرة، ومتزمتة وانحرفت على «كبر»، نتعامل مع الحريات كما يتعامل مراهق احمق مع ثروة ورثها... انه لا يمارس غير تبديد الثروة على ملذاته، ونحن لا نمارس غير تبديد حريتنا على التافه من الامور!
تعليقات