مؤتمر عالمي في دبي لوضع لوائح تحكم مستقبل الإنترنت ..بقلم دانيال توماس
الاقتصاد الآنأغسطس 29, 2012, 3:32 م 986 مشاهدات 0
في منتصف ملعب واسع قام رجل بالضغط على زر على جهاز حاسب قديم يشبه الصندوق، مما أدى إلى انتشار رسالة بسرعة عبر الظلام أمام مليار مشاهد في جميع أنحاء العالم، تقول إنه للجميع.
كان هذا السير تيم بيرنرز لي، الذي ساعد على إنشاء شبكة الإنترنت العالمية ومن ثم تخلى عن التحكم بها. أظهر هذا الحدث، الذي نظم في قلب حفل افتتاح هائل للألعاب الأولمبية في لندن، كيف أن اختراعه أشعل الثورة الرقمية بنفس أهمية المشاهد السابقة للثورة الصناعية والاجتماعية.
بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على اختراعه، فإن مستقبل هذا العالم الرقمي هو موضوع نقاش حاد لتحديد هل سيكون للجميع بالفعل أم لا.
في كانون الأول (ديسمبر)، سيضع المؤتمر العالمي للأمم المتحدة الخاص بالاتصالات الدولية الذي سيعقد في دبي، إطارا واسعا من اللوائح الخاصة بشبكة الإنترنت - تحظى الشبكة العالمية للشبكات التي تربط أكثر من ملياري شخص - بأكثر من نصف مليون مستخدم يومي، وتعتبر هي الأساس الذي أنشئت عليه شبكة الإنترنت. لكن أهداف المؤتمر تسبب قلقاً.
من الناحية الفنية، يركز المؤتمر على الاتفاقات الدولية التي تنظم الاتصالات، ولكن تمتد بعض المقترحات إلى أبعد ما يريده الكثيرون في مجال إدارة الإنترنت.
تدور رحى معركة بالفعل خلف أبواب غرفة الاجتماع في ''الاتحاد الدولي للاتصالات''، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة. لا تريد الدول الغربية - مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - على وجه الخصوص أن تعطي الاتحاد سلطة إضافية يمكن أن تستفيد بها الأنظمة الاستبدادية بشكل غير مباشر في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا، حيث إنهم متهمون باستغلال الفرصة لتعزيز قدرتهم على السيطرة على شبكة الإنترنت، واتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضين السياسيين.
''لو كان قد تم وضع قواعد الإدارة الجديدة لإحكام السيطرة على شبكة الإنترنت قبل بضع سنوات لما كان ربيع عربي'' - وفقاً لأحد الدبلوماسيين البارزين في الاتحاد الأوروبي. ويضيف: ''يجب ترك خدمة الإنترنت المجانية بدون لمس، فكلما قل العبث بها، كان الأمر أفضل''.
سيتوقف الكثير من الجدل على لغة اللوائح التي سيجري رسم خرائطها في دبي، حيث تعتبر بعض المقترحات التي نشرها الاتحاد وصدرت إلى الدول الأعضاء بمثابة توفير بيئة جيدة لتدخل الدولة في المحتوى والوصول. وبسبب اللغة المبهمة التي يمكن أن تعني حجب أي شيء بداية من الرسائل غير المرغوب فيها إلى المواد السياسية التي ينظر إليها على أنها غير قانونية.
يخشى المؤيدون لشبكة إنترنت بدون قيود، أن تستخدم بنود واسعة بخصوص السيادة الوطنية كستار يختفي وراءه إضفاء شرعية للرقابة والرصد السري وحجب المواقع على شبكة الإنترنت.
يقول فينت سيرف، ''رئيس مبشري الإنترنت'' في شركة جوجل: ''هناك العديد من المقترحات حسنة النية لكنها ستعطي شرعية أيضا لجميع أنواع قمع حرية التعبير''.
تقول جمعية الإنترنت، وهي مجموعة غير ربحية، على ما يبدو أن المقترحات الفنية الخاصة بتسمية وترقيم وتخصيص عناوين المواقع على شبكة الإنترنت، يمكن أن يساء استخدامها ''وتفرض أعباء ضارة'' على الحرية والانفتاح.
''مستقبل الإنترنت في خطر''، كما يقول سيرف. ويستطرد قائلاً: ''بعض الدول تبحث عن مزيد من السيطرة الوطنية على شبكة الإنترنت. ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن تكون الدول الاستبدادية هي وراء ذلك وعلى رأسها الصين وروسيا''.
في الحقيقة، قد تحدث المبادئ التوجيهية التي ستصدر من دبي فرقا حقيقيا في أكثر الأنظمة الاستبدادية، فدول مثل إيران وكوريا الشمالية تفرض رقابة أو حظرا على الإنترنت. هذا الشهر، تم تحديث قائمة الكلمات المحظورة في الصين – تتسبب في فرض إجراءات صارمة على الإنترنت - لتشمل إشارات إلى جو كايلاي، التي كانت زوجة بو شي لاي، وحتى وقت قريب واحدة من أكثر المسؤولين البارزين في الصين. وقد حكم عليها بالإعدام مع وقف التنفيذ بتهمة القتل.
وإلى جانب هذه المخاوف بشأن السياسات وحقوق الإنسان، فإن الجدل الدائر حول ملكية شبكة الإنترنت هو أيضاً أمر تجاري جداً.
والأهم من ذلك، سيتناقش مندوبو 193 دولة ممثلين في دبي حول ما إذا كان ينبغي السماح لمجموعات الاتصالات تحصيل رسوم مختلفة من مزودي المحتوى على شبكة الإنترنت للدخول إلى شبكاتهم.
يعبر العديد من شركات الاتصالات عن الإحباط المتزايد بشأن آليات كيفية إدارة الإنترنت. فهم يشعرون بأنهم يقومون بعمل شاق لإرساء البنية التحتية المادية ولكن يتم استبعادهم من حمى الذهب الرقمية كونت ثروات شركات مثل ''جوجل''. في إطار تشبيه أحد مسؤولي التنفيذ في قطاع الاتصالات، إنهم يتحملون تكلفة بناء طرق، لذا يحتاجون لرؤية بعض العائد على استثماراتهم. وفي غضون ذلك، ترغب ''شركات صناعة السيارات'' أن تكون شبكة الإنترنت بدون قيود.
تسعى بعض شركات الاتصالات للحصول على الحق في فرض رسوم على مزودي المحتوى المربح للغاية في مقابل ضمانات بأن البنية التحتية ستعمل بسلاسة. وهناك العديد من السياسيين الغربيين ونشطاء الإنترنت المعادين لفكرة الرسوم، معتبرينها ''ضريبة'' على شبكة الإنترنت. فالتهديد الضمني هو أن شركات الاتصالات يمكن أن تبطئ المواقع، مما يزيد من احتمال وجود المواطنين من الدرجة الثانية في العالم الرقمي الجديد.
ونظرا لهذه التوترات السياسية المتنافسة والتجارية، فليس من الغريب أن الدكتور حمدون توريه، الأمين العام للاتحاد، يعترف بأن اجتماع دبي سيكون شاقا.
إنه يأمل أن الاجتماع يجب أن يضع ''عشر وصايا'' أو مفاهيم عالمية للاتصالات العالمية. بدلا من وضع قواعد توجيهية ومحددة، ويقول إن هذه الوصايا سوف ''تمهد الطريق لنمو المنافسة والابتكار والاقتصادية''. ولكن حتى ذكر لمناقشة الاقتصاد في الإنترنت سيكون لعنة بالنسبة للكثيرين الذين يرون شبكة الإنترنت على أنها معقلاً للسوق الحرة ووصيِّا على المجتمع الحر.
كانت آخر مرة التقت فيها المجموعة لمراجعة لوائح الاتصالات الدولية في عام 1988، فعندما كانت شبكة الإنترنت في بدايتها. يقول الدكتور توريه إن اللوائح تحتاج إلى تحديث.
ويقول: ''في عام 1988، لم يكن هناك سوى صوت واحد فقط''، ويضيف: ''أصبح الآن الوقت والمسافة والموقع غير ذي صلة.. فعلى كل شخص أن يشق الطريق''.
إنه يرفض ''القول إن الأمم المتحدة تسيطر على الإنترنت''، ويقول: ''إن كل شخص يحتاج للعمل الجماعي''. فيجب أن يتم إشراك جميع أصحاب المصلحة. فهذا هو السبب في أن الهاتف المصنوع في الصين سوف يعمل في البرازيل. تعريف حتى مشكلة.. لذلك نحن بحاجة للعمل مع القاسم المشترك الأدنى، وإطار مشترك. وأما مسألة الفشل فهي غير مطروحة''. ولكن يمكن أن يكون بعض الحاضرين حريص على الفشل والحفاظ على الوضع الراهن. فهم يرون أن الاتحاد يفرط في استخدام سلطته خارج منطقة نفوذه التقليدية المتمثلة في الاتصالات، وعند القيام بذلك، يعطي للمصالح الخارجية فرصة للسيطرة على الإنترنت.
أسفر توسيع اختصاص الاتحاد الدولي للاتصالات في المجال الجديد الخاص بالإنترنت عن نتائج ''غير مرغوب فيها للغاية''، وفقا لتوني روتكوسكي، اختصاصي الإنترنت الذي ساعد في ترتيب اجتماع المؤتمر العالمي للاتصالات السابق في عام 1988. ويضيف أن بعض المندوبين يلاحقون ''أجندات متطرفة'' في اجتماع لمختلف الأسباب الدينية والسياسية والاجتماعية. ومن المقرر أن تكون حيادية الإنترنت هي أكثر القضايا الشائكة على وجه الخصوص، وهذا المفهوم يكمن في صميم النقاش القائم حول هل بإمكان شركات الاتصالات أن تفرض أسعاراً متباينة على مزودي المضمون. ويناقش عدد من الحكومات الأوروبية مسألة استصدار قانون لمنع حيادية الإنترنت، ولكن قطاع الاتصالات يعرب عن أن هذه الأمور قد تتصادم والحاجة إلى دعم البنية التحتية المادية للإنترنت من الناحية المالية.
''حيادية الإنترنت هي عبارة عن حجم يناسب الجميع، وماذا تخمنه؟ إن حجما واحدا لا يناسب الجميع'' - على حد تعبيرً بن فيرواين، الرئيس التنفيذي في شركة الكاتيل لوسنت، ويضيف: ''إن مجموعة شركات الاتصال هي الرابط المفقود في سلسلة القيمة الكائنة بين مزود المحتوى وصانع الأجهزة''.
وتحتاج البنية التحتية لشركات الاتصالات إلى المزيد من الاستثمار لتلبية زيادة الطلب على البيانات عبر الإنترنت التي تتضاعف حتى في الدول المتقدمة كبريطانيا والولايات المتحدة في كل عام. وبدخول أجزاء كبيرة من القارتين الإفريقية والآسيوية في عالم الإنترنت، فإن هناك مخاوف من أن البنية التحتية لن يكون بمقدورها التكيف مع هذا.
وفيما يبدو دعماً ضمنياً لسبب المطالبة بمجموعات من شركات الاتصالات ذات حجم أكبر، يشدد الدكتور توريه على الحاجة إلى ضمان الاستثمار في المستقبل، وتساءل قائلاً: من سيقول ببناء الشبكة؟ وهل ستنمو هذه الشبكة بدون استثمار؟ بالطبع لا.
وقدمت ''إتنو''، هيئة الضغط من أجل شركات تشغيل الاتصالات الأوروبية الكبرى، اقتراحاً بأن تقر الأمم المتحدة بقدرتها على فرض رسوم على مزودي المحتوى مقابل تحديد أولويات حركة المرور، ويقول لويجي غامبارديلا، رئيس مجلس الإدارة في منظمة إتنو: تحتاج عائدات شركات التشغيل إلى أن تكون متصلة باحتياجات الاستثمار الناشئ عن النمو في حركة المرور عبر الإنترنت.
ويرفض ستيفن ريتشارد، الرئيس التنفيذي لشركة فرانس تيليكوم، هذا المقترح لأنه ''ضريبة'' على الإنترنت، ويضيف: أعتقد أننا لسنا في موقف تجاري يمنحنا الفرصة في إمكانية الحصول على هذه الخدمة من ''جوجل'' أو أي منتج كبير لحركة المرور.
ومع ذلك يقول النقاد إن من لم يدفع من هؤلاء سوف يتم وضعه في ''المسار البطيء''، كما توجد هناك شكاوى من أن هذه المقترحات قد تحتاج إلى شكل من أشكال الإشراف على الإنترنت الذي يمكن إساءة استخدامه.
ورغم ذلك، تعتقد إنتو أنها تتمتع بتأييد من البلدان في آسيا والشرق الأوسط، وعلى ثقة من أنه يمكنها الفوز بتأييد أمريكا الشمالية وأوروبا على الرغم من المخاوف الأولية بين السلطات.
كما أن المفوضية الأوروبية لا تزال تدرس موقفها بشأن ترتيبات تجارية من هذا القبيل، وصرحت نيلي كرويس، مفوضية الاتحاد الأوروبي لقطاع الاتصالات، لـ ''فايناننشال تايمز'' بأنه كان هناك ''مجال للمفاوضات التجارية حول دعم الاستثمارات التي سوف تسمح لجميع المشاركين في سلسلة القيمة الاستفادة من النمو الضخم المحتمل في اقتصاد الإنترنت.
ولكن كيرف يقول: هياكل التسعير تتناقض مع شبكة الإنترنت لأنها ربما تضييق الخناق على عملية الابتكار والإبداع. ويضيف: عندما أطلق لاري بادج وسيرجي برين شركة جوجل، لم يتحتم عليهما الذهاب إلى كل مزود خدمة إنترنت في جميع أنحاء المعمورة لإبرام صفقة معه. بل هو شكل من أشكال تصويب بندقية نحو الرأس حيث تقول: ''إنك تجني أرباحاً مالية كثيرة، فاعطنا نصيبا منه. وبدلاً من ذلك قد يكون من الأحرى المنافسة - قم بتحسين خدماتك ذات القيمة المضافة''.
ويعتقد العديد من الخبراء أن اجتماع دبي سوف يكون حاسماً.
ولكل دولة عضو حق التصويت في الاتحاد الدولي للاتصالات، مع تشكيل بالفعل لاتفاقيات معقدة بقيادة الدول المؤثرة، ولكن توريه يصر على أنه لن يكون هناك أبدا صوت معارض أثناء توليه المنصب.
ويضيف: ''لن يتم تمرير أي اقتراح بدون توافق''.
ولكن يعتقد العديد من المراقبين أن هذا الأمر مستحيل نظراً لمدى المناقشة مثلما تقف المقترحات، ومع النقاش القائم بين جماعات الضغط الآن فإن المقترحات المثيرة للجدل حول الحوكمة قد يتم، على الأقل، تأجيلها للعام المقبل.
ويعارض الاتحاد الأوروبي معارضة شديدة لإعطاء المزيد من الصلاحيات للاتحاد الدولي للاتصالات لتنظيم شبكة الإنترنت ككل.
وهذا يجعله يتماشى مع الولايات المتحدة. حيث تقول المقترحات الأولية التي نشرت في 3 آب (أغسطس) إن واشنطن ستعارض أي محاولة لزيادة قوة الاتحاد الدولي للاتصالات على إدارة الإنترنت أو المحتوى. وقال روبرت ماكدويل، وهو مفوض في لجنة الاتصالات الاتحادية، في حزيران (يونيو): إن أي توسع في التنظيم لشبكة الإنترنت يحتاج إلى وقفه. وأضاف: مع القدرة على النمو بسرعة كبيرة إلى حد ما، وتعديلات موارد تكنولوجيا المعلومات المقترحة التي تظهر صغيرة الحجم اليوم يمكن أن تكون أخبث وقاتلة لانتشار الازدهار والحرية غداً.
تعليقات