النيباري يشرح ويفصل الإمارة الدستورية
زاوية الكتابكتب أغسطس 29, 2012, 5:16 ص 2526 مشاهدات 0
الإمارة أو الملكية الدستورية في المشهد السياسي:
تأييد عالٍ متحمس.. وخوف مبالغ فيه
أصبح شعار الملكية او الامارة الدستورية مطروحا للتداول في المشهد السياسي الكويتي بين التأييد العالي المتحمس، لى درجة قول مؤيديه إن مطالبنا سقفها السماء، مقابل رفض أو تحفظ أو خوف مبالغ فيه أيضا، إلى درجة القول بأنه مشروع انقلاب.
لكن الطرح المتداول يشوبه الغموض والالتباس، فلم يوضح رافعوه ماذا يقصدون به، كما لم يوضح رافضوه أو المتحفظون إزاءه لماذا يتخوفون منه. وليس واضحا ما إذا كان الطرفان يدركان ان واقع الحال هو ان النظام السياسي الكويتي وفقا لدستور 1962، هو نظام ملكي أميري دستوري.
فبعد صدور دستور 1962، كما أشار الأخ أحمد الديين (عالم اليوم 16/8/2012) تخطت الكويت مرحلة الحاكم المطلق، الذي بيده كل الصلاحيات وأصبحت صلاحيات سمو الأمير رئيس الدولة مقيدة بأحكام الدستور، يمارسها وفقا لضوابطه، مستخدما الادوات والاجراءات التي حددها الدستور، وهو ما يجعل بعض الشعارات التي تطلق أحيانا حول طاعة ولي الأمر، أو الأمر عند صاحب الأمر، أو أن سمو الأمير أصدر الأوامر، او التعليمات، كلاما لا يتفق مع ضوابط الدستور وقيوده، بل حتى مطالبة سمو الأمير بحل مجلس الأمة أمر مخالف لأحكام الدستور، وهي مطالبة بتجاوز أو بالتعدي على الدستور، وأصبح هذا الأمر واضحا جليا بعد حكم المحكمة الدستورية بإبطال حل مجلس 2009، لأن المرسوم الصادر والاجراءات التي مر بها مخالفة للضوابط التي نص عليها الدستور.
شروط
الدستور الكويتي لعام 1962 حدد الشروط التي يجب توافرها فيمن يشغل منصب الامير، وشروط وإجراءات توليه، وأهمها مبايعة مجلس الأمة بأغلبية أعضائه لتعيين ولي العهد، وهو الطريق لتولي مسند الامارة، كما حدد إجراءات تعيين الأمير في حالة خلو منصب الامير قبل تعيين ولي العهد أيضا بمبايعة أغلبية أعضاء مجلس الأمة بناء على عرض مجلس الوزراء.
لكن النظام الكويتي الأميري الدستوري غير مكتمل لشروط النظام الملكي الدستوري المطبق في الأنظمة البرلمانية الديموقراطية في الدول الأوروبية واليابان وتايلند وبوتان.
ففي النظام الكويتي يملك الأمير صلاحيات تشريعية وتنفيذية لا يملكها الملوك في تلك الأنظمة. فهو في النظام الدستوري الكويتي يتولى سلطات تشريعية مع مجلس الأمة، وسلطات تنفيذية يتولاها مع مجلس الوزراء. وبموجب ذلك يحق للأمير اقتراح القوانين وردها، ولكن مجلس الأمة يستطيع تجاوز الرد، بموافقة الثلثين أو بأغلبية أعضاء المجلس في دور انعقاد لاحق.
والأمير يعين رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية، من دون شرط الالتزام بها، ويعفيه من منصبه، كما يعين الوزراء بناء على ترشيح رئيس الوزراء ويعفيهم من مناصبهم.
صلاحيات
والأمير يمارس صلاحياته التنفيذية من خلال وزرائه، ويعين الأمير الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين لدى الدول الأجنبية، لكن ذاته مصونة، أي لا يمكن مساءلة الأمير بأي وجه.
والأهم هو حق الأمير في حل المجلس، وإن كان ذلك مقيداً بصدور مرسوم يبين فيه أسباب الحل وعدم حله لذات الأسباب مرة أخرى.
والمرسوم يقتضي موافقة مجلس وزراء مكتمل الشروط. وإلى جانب هذه الصلاحيات الدستورية، فإن الوضع السياسي والاجتماعي في الكويت أتاح للسلطة اتخاذ قرارات وتصرفات قد تعتبر مخالفة أو متجاوزة للدستور روحاً إن لم تكن نصاً، كالقرارات المالية أو قرارات تعيين الموظفين من أبناء الأسرة الحاكمة، من دون الالتزام بشروط تولي الوظيفة، أو من دون التقيد بمعيار العدالة والمساواة بين المواطنين.
وبالمقارنة بين ما هو مطبق في الدول الديموقراطية ذات الأنظمة البرلمانية، نجد أن الأمر مختلف.
ففي تلك الدول تقلصت صلاحيات الملك إلى ان أصبح وفق التعبير القائل بأنه يسود ولا يحكم، فهو رمز وحدة الأمة، وقد تقلصت صلاحياته التشريعية والتنفيذية، فلا يحق له اقتراح القوانين، ولا يستطيع ردها، ففي النظام الانكليزي لم يرد الملك قانونا أقره البرلمان منذ العام 1707، ومن حقه اختيار رئيس مجلس الوزراء، ولكن يلتزم بتعيين زعيم الأغلبية، وإذا لم يوجد حزب يملك الأغلبية يعين رئيس أو زعيم الحزب الذي يملك أكبر عدد من النواب، وليس للملك سلطة اختيار الوزراء أو أعضائهم، بل وليس له أن يقابل أو يلتقي الوزراء أو اصدار تعليمات لهم، رئيس الوزراء فقط هو الذي يقابله مرة في الأسبوع.
وتنص الدساتير في تلك الأنظمة ألا يتولى أعضاء الأسر الحاكمة مناصب وزارية أو حتى إدارية.
وفي هذا النظام للملك ثلاثة حقوق، فمن حقه أن يستشار من دون إلزام، ومن حقه أن يشجع بمعنى يستحسن، ومن حقه أن يحذر. وليس من حقه حل البرلمان إلا بناء على طلب رئيس الوزراء، في حالة فقد الحكومة للثقة أو التصويت بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان بحل المجلس والعودة إلى الانتخابات.
والاختلاف الرئيس هو أن الوزارة في الأنظمة البرلمانية تشكل من أعضاء البرلمان، ويختار زعيم الأغلبية أعضاءها ويعفيهم.
إذاً، فعلى الرغم من أن نظامنا أميري دستوري، فإنه غير مكتمل شروط الملكية الدستورية، من حيث إن صلاحيات الأمير واسعة وفقاً للدستور، وممارساته في أحيان تتجاوز الدستور روحاً إن لم تكن نصاً.
وهناك أمور كثيرة لا يجاري فيها نظامنا الأنظمة البرلمانية في الدول الديموقراطية.
مكتمل الشروط
وبالتالي، فإن التحول إلى نظام برلماني أميري دستوري مكتمل الشروط يتطلب تقليص حدود مركزية القرار والحد من سلطة الانفراد بالقرار، وقد يتطلب ذلك تعديلات دستورية، وهنا نواجه بقيد دستوري، وهو ان التعديل يتطلب توافق ارادتين، ارادة البرلمان وارادة الأمير.
والسؤال المهم والتحدي الأكبر هو كيف نصل إلى توافق الارادتين؟ بطبيعة الحال من خلال الدستور وبالطرق السلمية.
حالياً نحن مازلنا نمر بمرحلة عدم الالتزام بتطبيق الدستور والتقيد بأحكامه. نحن نمر بمرحلة الانفلات من تطبيق القانون، فنحن أبعد ما نكون عن الدولة القانونية، دولة المؤسسات، ونحن متخلفون في ذلك، ليس مقارنة مع الدول المتقدمة، بل حتى مقارنة مع بقية دول الخليج العربي.
أما كيف نصل إلى مرحلة النظام الأميري أو الملكي الدستوري، بإجراء تعديلات بالدستور أو بالتطبيق الصادق والأمين والحازم للدستور والقوانين، فذلك يتطلب أن يكون لدينا مجلس أمة يحظى بثقة الشعب وممارساته تطمئنه، لا أن تثير مخاوفه وقلقه، برلمان يعكس التوافق الذي يعزز الوحدة الوطنية، وليس الصراع الفئوي الذي يمزقها، برلمان يعبر عن الارادة الحقيقية للشعب، لا برلمان يعبر عن الانتماءات الفئوية، ولا برلمان همّ أعضائه إعادة إنتاج أنفسهم، وحكومات لا يراعى فيها المحاصصة على حساب الكفاءة، برلمان يختاره الناخبون على أساس برامج مدروسة واضحة يلتزم بها، وليس شعارات وليدة اللحظة.
طريق التحول
إن طريق التحول إلى نظام برلماني ديموقراطي أميري دستوري طويل، وقد يكون وعراً، وهو بحاجة إلى صبر وأناة يتيحان لنا مرحلة من الاقتراب من النضج.
النضج
لا يكفي أن نقول إننا حققنا النضج، لأنه مضى على تجربتنا 50 عاماً، فالنضج لا يقاس بالسنين فقط، بل نحتاج إلى مراجعة أنفسنا ومحاولة تطويع نزعاتنا ورغباتنا الذاتية .... فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
بقلم عبدالله النيباري
تعليقات