'أنا الدولة، أم الشعب هو الدولة' ؟!

زاوية الكتاب

عن الشعب، والحد من سلطات الحاكم، يكتب عبدالهادي العجمي

كتب 4720 مشاهدات 0

د.عبدالهادي العجمي

' أنا الدولة' ام الشعب الدولة!؟

عبدالهادي العجمي
استاذ التاريخ بجامعة الكويت

لا أدري لماذا أقارن بين جملة قالها أحدهم وهي' الأسر الحاكمة خلقت الدولة' وبين مقولة الملك الفرنسي لويس الرابع عشر منذ ما يزيد عن ثلاثة قرون إبان حكمة الملكي المطلق وهو يقول عبارته الشهيرة  ' أنا الدولة '، وذلك قبل أن تأتي الثورة الفرنسية وتطيح بالملكية في فرنسا عام 1789م.

فقد تذكرت هذه العبارة وأنا أستمع لبعض الزملاء الذين ينادون بفكرة  الإمارة الدستورية ،  ولعل العرض التاريخي لتطور مصطلح الإمارة الدستورية يستوجب أن نذكر أن اللفظ الدارج هو (المملكة الدستورية) ، وأساسه مرتبط بشكل مباشر بالتجربة الأوربية ، حيث شهد الغرب عدداً من الملكيات التي كان  الحكم فيها (مطلقا بلا قيود أو مسائلة ) ، حيث كانت رغبات الحاكم وأوامره هي الدولة ، وهي الحق ، بل كل ما يفعله من قول أو فعل أو تقرير يصبح تشريعاً وقانوناً يتم العمل به .

ولعل نموذج 'لويس' هذا  توافق مع فكرة ابن خلدون ، الذي كان أكثر إيضاح وجرأة حين قال أن الملك ' حمل الكافة علي مقتضي الشهوة والرغبة' ، حيث الملك يقود الجميع (شعبه) لمقتضي شهوته ومصالحه الذاتية ، وليس ما يحتاجه المجتمع ، وبهذا فإن ابن خلدون عرض لنا تصوره في الملك بأنه في الغالب (تتعارض أفكاره ومصالحه مع أفكار ومصالح الشعب) بحسب الشهوة والرغبة

وهذا بالفعل ما تنبهت له المجتمعات الأوربية مبكراً حيث توجب ، أن يكون هناك أليه توضع تجبر الحاكم أو السلطة على القبول بأن الأمة فقط هي مصدر السلطة ، وأن مصلحة المجتمع هي المعيار الذي يجب أن تقاس عليه كافة الأمور، وقد كان نتاج هذا ما عرف بالوثيقة “الدستور' التي تحد من صلاحيات الحاكم المطلق ، والملكية المطلقة ، لتتحول هذه الملكية المطلقة إلى ملكيه دستوريه، فأتاحت هذه الوثيقة 'الدستور' أن تكون السيادة للشعب و أن تكون صلاحيات الحاكم والسلطة عموماً مقيده بنصوص واضحه تتحدد من خلالها ما هو مسموح وما هو غير مسموح وأن تقوض فكرة الإطلاق .

والحقيقة أننا لو عدنا للمفاهيم والمعاني المشتركة الحديثة بين الأمم ، لفكرة إنتاج وثيقه تحدد أطر و شكل وهيكلية التعايش والاتفاق المجتمعي على أساس وطبيعة العلاقة المشتركة بين أفراد المجتمع وبين السلطة (الحاكم) سنجد أن أغلب هذه المفاهيم والمعاني تصب عند مطلب رئيسي واحد هو إعطاء الحاكم سلطة للحكم ولكن من خلال سلطة أكبر وهي سلطة (الشعب )، هذا الشعب الذي يجب أن يكون هو مصدر كل السلطات ، وهو أيضا الجهة الوحيدة التي  تستطيع الحد من سلطة الحاكم  وهذا ما عرف في العصر الحديث بالملكيات الدستورية .

لذا فإنني أعتقد أن الجدل الدائر الأن وفي هذه الفترة حول مصطلح الامارة ، والمطالبة بإمارة دستورية ، ما هو في حقيقتة إلا جدل مبرر في أمر واقع ،  فالدستور الحالي بالكويت لا تنقصة النصوص التي تضمن لكل سلطة حدودها ولا تنقصة النصوص التي تنظم شكل العلاقة بين الحاكم والشعب بل أن الدستور الحالي  يتيح التصويت على تنصيب الحاكم وتنحيته ، وهناك الحادثة التاريخية التي تؤكد ذلك عندما تم تنحية (الشيخ سعد ) ، كذلك أعطى الدستور للنواب (ممثلي الشعب) القدرة على تمرير قوانين ترفضها السلطة، لذلك من يقول أنا ضد الإمارة الدستورية فهو بلا شك ضد الحكم القائم ويريد حكم مطلق بلا دستور!

والسؤال لماذا تضمنت مطالبات القوي الشبابية الإمارة الدستورية؟ ولماذا تطالب بها القوي الإصلاحية في المجتمع أذا كانت موجودة!؟

الواقع أن المطالبة بإمارة دستورية إنما تعني هنا في تصوري ضمن مطالبات الاصلاح المتعدده ، أن يكون هناك ( واقع ملموس، وليس واقع منصوص) ، فما الفائدة من أن يحتوي الدستور على نصوص مكتوبة تقيد السلطة ، ولكن في الحقيقة لا تطبق.

إن القوي الشبابة ومطالب الإصلاح التي تنادي بإمارة دستورية لا تعني الإنقلاب على النظام أو السلطة ، فالإمارة دستورية (موجودة) لكن هذا الوجود يعاني من الصورية والتجميد والترهل ، وعدم ملامسته لأرض الواقع ، والإبتعاد عن الشعب ، والعجز عن تحقيق مطالب المجتمع .

إنني أؤكد أن القوى الشبابية استطاعت بالفعل أن تشخص موضع الخلل ، وأدركت أن المطالبة بإمارة دستورية لاتعني الإنقلاب على الدستور ، بل هو التأكيد على تطبيق ماجاء فيه من نصوص ومبادئ  ، و الحد من السلطة المطلقة لأي جهة ،  فالشعب فقط هو مصدر السلطة ، ويجب إعطائه حيزاً أكبر في الواقع السياسي الموجود بعيداً عن سلطة 'خلق الدولة أو سلطة 'أنا الدولة'.

بقلم الدكتور : عبدالهادي العجمي

تعليقات

اكتب تعليقك