بعد إحالة قانون 'الإنتخاب' للدستورية

زاوية الكتاب

رأي قانوني يتضمن الحجج والأسانيد لعدم قبول الطعن

كتب 6282 مشاهدات 0


حصلت على رأي قانوني للمحامي الدكتور/ خالد فلاح الكفيفة استاذ القانون العام، حول الحجج والأسانيد القانونية لعدم قبول الطعن الدستوري المقدم من الحكومة بخصوص قانون الانتخاب، فيما يلي نصه:


لاشك بأن الدستور الكويتي ووفقاً للمادة 173 كفل حق الحكومة للجوء للمحكمة الدستورية بإدعاء مباشر للطعن في دستورية القوانين واللوائح،وقد نظم هذا الحق قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم14لسنة1973 وكذلك مرسوم لائحتها.
ومن المسلم به أن الدعوى الدستوريه سواء المقدمة من الحكومه أو مجلس الأمه أو ذوي الشأن تنفرد بإجراءات لتحريكها وشروط خاصة لقبولها،إذ لا تعتبر من قبيل الدعاوى العاديه ،وإنما لها نوعية خاصة تختلف عن سائر الدعاوي القضائية الأخري وذلك لإختلافها في طبيعتها وموضوعها وأيضاً في حجية الحكم الصادر فيها. وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية في كثير من أحكامها،حيث قررت:'إنه نظراً لطبيعة الدعوى الدستورية فقد وضع المشرع إجراءات تحريكها وشروط قبولها علي نحو خاص،فلا تنعقد ولاية المحكمة بنظرها إلا بإتباعها بإعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي متعلقاً بمصلحة عليا غايتها أن ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالأجراءات التي رسمها وإلا كانت الدعوي غير مقبولة'
[الطعن رقم 2000/7 دستوري جلسة 2000/7/4، أيضاً الطعن رقم 1998/1 لجنة فحص الطعون جلسة1998/3/14]


وعليه سنتطرق للضوابط والقيود الخاصة لقبول الدعوى الدستورية وفقاً لما إستقرت عليه المحكمة الدستورية،وبيان مدي توافرها من عدمه في الدعوى الدستورية المقدمة من الحكومة في شأن الطعن في المادة2،1 من قانون الانتخاب.


1-يشترط لقبول الدعوي الدستورية أن لا يكون هناك إجراء أو طريق يمكن الفصل به في الخصومة المطروحة أمام المحكمة الدستورية دون اللجوء إليها، أي أنه متى ما كان بالإمكان إلغاء أو تجنب النص التشريعي المطعون في دستوريته أمام المحكمة الدستورية،فإن الطعن بعدم الدستورية يكون غير مقبول لإرتباط هذا الشرط بإنتفاء مصلحة الطاعن.
وهذا ما إستقرت عليه المحكمة الدستوريه،حيث قررت:' إذا كان من الممكن الفصل في الخصومة المطروحة عن غير طريق المسألة الدستورية ، فإن المنازعة فيها تكون غير لازمة أو منتجة إذ لا أثر للحكم فيها علي الفصل في الطلبات الموضوعية،وبذلك تنتفي مصلحة الطاعن الشخصية المباشرة في طعنة بعدم الدستورية،علي مقتضي حكم المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم ١٤ لسنة ١٩٧٣ ،وإلا كانت المنازعة الدستورية غير مقبولة'
[إنظر الطعن رقم 1998/5دستوري جلسة 1998/7/11، أيضاً الطعن 1997/55لجنة فحص الطعون جلسة 1997/7/7]


ولو نظرنا الي مدى توافر هذا الشرط بالنسبة للدعوى الدستورية  المقامة من الحكومة فإنه يتبين عدم إستيفاءه في هذه الدعوى ،وذلك لإمكانية لجوء الحكومة لممارسة صلاحياتها المنصوص عليها بالدستور بتعديل أو إلغاء النص التشريعي المطعون به بما تراه متوافق ونصوص الدستور،إلا إنها ذهبت مباشره إلي المحكمة الدستورية بتقديم الطعن بعدم الدستورية مما يؤدي إلي رفضه،
هذا بالإضافة إلى إمكان إعتبارها قد تنازلت عن جزء من إختصاصاتها المنصوص عليها بالدستور دون سبب أو ضروره ،حيث أن مهمة التشريع التي يتولاها مجلس الأمة لا تقتصر عليه وحدة بل تشاركة فيها الحكومة،وإن مبدأ الفصل بين السلطات لا يمنع  من إشتراك السلطتين في بعض الأعمال لمقتضيات التنظيم وتوحيد المقاصد.
فلو أن الحكومة قد بادرت بتقديم مشروع بقانون إلي مجلس الأمة بتعديل أو إلغاء النص التشريعي وتم رفض هذا المشروع ،فأنه يكون لجوء الحكومة للمحكمة الدستورية ذو جدوى ومصلحه مقبوله.
2-حدد الدستور إختصاص المحكمة الدستورية كذلك قانون إنشاءها ومرسوم لائحتها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح،أي إنه حتي تنعقد ولاية المحكمة الدستورية بنظر الدعوي والفصل فيها لابد أن تكون هناك منازعة دستورية على نص تشريعي.ولو كان المراد من النص الدستوري والتشريعي غير ذلك لأستعمل المشرع عبارة(تختص بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح) دون ذكر لفض المنازعة.
وقد وضحت المحكمة الدستورية المقصود بالمنازعة الدستورية بالآتي:' إن المنازعة الدستورية التي أشارت إليها المادة(173)من الدستور ليست قاصرة علي مجرد الطعن في دستورية تشريع ما،وانما تتسع أيضاً لتشمل تفسير النص الدستوري بصوره مستقلة،ذلك أن طلب تفسير نص دستوري إنما يحمل في ثناياه وجود منازعه حوله وتباين وجهات النظر فيما تعنيه عباراته ويكفي في هذا الشأن أي يدور حول النص أكثر من رأي علي نحو يغم معه أعمال الحكم '
[أنظر الطعن رقم 1985/1 طلبات تفسير جلسة1985/6/29،الطعن رقم 1986/3طلبات تفسير جلسة1986/6/14،الطعن رقم 2002/10طلبات تفسير جلسة2003/2/2].
 وبناء عليه يتضح من الطلب المقدم من الحكومه بعدم دستورية المادة ٢،١من قانون الإنتخاب إنه لم يوضح مظاهر المنازعة والخلاف  حول النص التشريعي ولم يبين الآراء  التي قيلت في هذا الشأن مما يؤدي إلي عدم قبول الدعوي الدستورية لعدم وجود منازعة حول النص التشريعي.
3-يشترط لقبول الدعوي الدستورية توافر المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن في طعنة،وقد حددت المحكمة الدستورية هذه المصلحة بإجتماع شرطين:' أولهما أن يقدم المدعي الدليل علي أن ضرراً واقعياً قد لحق به،ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً ومستقلاً بعناصرة،ممكناً إدراكة ومواجهته بالحكم بعدم الدستورية وليس ضرراً نظرياً أو مجهلاً،ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفع ذلك الضرر،ثانيهما،أن يكون مرد الأمر في الضرر إلي النص التشريعي المطعون عليه،فإذا لم يكن النص قد طبق علي المدعي أصلاً او كان قد أفادة من مزاياه فأن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية،وشرط المصلحة إنما ينفصل دوماً عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه'
[أنظر الطعن رقم 1997/15دستوري جلسة 1997/3/8،الطعن رقم1997/31دستوري جلسة1997/7/7]
فهل ينطبق هذان الشرطان مجتمعان في الدعوي الدستورية المقدمة من الحكومة؟ وإعتبار شرط المصلحة الشخصية متوافر وبالتالي قبولها؟
وفي هذا الصدد ذهبت المحكمه الدستورية إلي أبعد من ذلك لقبول المصلحة الشخصية،حيث قررت:' أن المصلحه الشخصيه المباشره للطاعن لا يكفي لتوافرها المصلحة العامة للجماعة بالدفاع عن المشروعية،إذ الطعن بعدم الدستورية ليس من قبيل دعوى الحسبه المعروفه في الشريعة الاسلامية أو القانون الروماني'
[الطعن رقم 1992/1 لجنة فحص الطعون جلسة 1992/6/27 ]


 وفي هذا الإتجاه أيضا ذهبت المحكمة الدستورية العليا المصرية ووضعت ضوابط وحدود للمصلحه الشخصيه المباشره التي تنعقد بها ولايتها. ومن أحكامها التي بيّنت بوضوح مناط المصلحة في الدعوي الدستورية ما يلي:
'من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعى المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور على نحو ألحق به ضرراً مباشراً، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية مرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، وبالتالى لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معاً مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون عليه - الدليل على أن ضرراً واقعياً - اقتصادياً أو غيره - قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل فى خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفه كتلك التى تتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً فى موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية أو دفاعاً عن قيم مثالية يرجى تثبيتها، أو كنوع من التعبير فى الفراغ عن وجهة نظر شخصية، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون فى مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها، أو لإرساء مفهوم معين فى شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماماً عاماً، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التى تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التى كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئاً لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، بما مؤداه: قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئاً عن هذا النص ومترتباً عليه، فإذا لم يكن النص التشريعى قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لم يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها'
[ قضية رقم19لسنة8 قضائية دستوري
بالجلسة المنعقدة في18ابريل1992]

-وبناء علي ماسبق،فإننا نعتقد-برأينا المتواضع-إن الطعن المباشر الذي تقدم به مجلس الوزراء بعدم دستورية المادتين الأولي والثانية من القانون رقم42لسنة2006 الخاص بتحديد الدوائر الإنتخابية،لم يستوفي شروط قبول الدعوي الدستورية التي حددتها أحكام ومبادئ المحكمة الدستورية،وبالتالي مصيره الرفض شكلاً.


المحامي الدكتور/ خالد فلاح الكفيفة
استاذ القانون العام
عضو هيئة القضاء العسكري السابق

بقلم: د. خالد فلاح الكفيفة

تعليقات

اكتب تعليقك