بلكونة على التحرير..!!
زاوية الكتابكتب أغسطس 15, 2012, 8:41 م 658 مشاهدات 0
الكويتية
بلكونة على التحرير!!
أحمد مبارك البريكي
على مدار ساعة كاملة، عشت مع فيلم وثائقي جميل جدا يحكي قصة شرفة وبلكونة مطلّة على قلب مصر وميدان تحريرها الشهير في القاهرة، البلكونة في أحد الطوابق العليا لعمارة تجاوز عمرها الثمانين عاما، قاطنو هذه البلكونة ورثوها أبا عن جد.
النافذة المطلة على الميدان الذي يحيطه عالم من معالم حضارة مصر، منها المتحف المصري الذي يضم بين أروقته قطع وكنوز التاريخ الفرعوني، وأيضا جثمانا لرمسيس الثاني، الذي يعتقد أنه فرعون موسى الذي جاء ذكره في القرآن الكريم «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية» صدق الله العظيم.
كذلك يقابلها مجمع التحرير، وهو المعلم المعماري الضخم الذي يفتقد للشكل الجميل بسبب عشوائية تصميمه الهندسي، بعدما أشرفت عليه حكومة الضباط الأحرار بداية الثورة ليكون مقرا للمصالح الحكومية، وهذا المبنى كان مسرحا ومطرحا لفيلم شهير لعادل إمام طرح فيه مشكلة الإرهاب مع الكباب في بداية التسعينيات من القرن المنصرم. وفي ركن المنظر هناك جامع عمر مكرم الذي سمي على أحد المجاهدين المصريين الأوائل ضد الاستعمار الإنجليزي، ومنه خرجت أكبر جنازات في تاريخ مصر الحديث، منها جنازتا عبدالناصر وأم كلثوم وغيرهما.
وأيضا تصطف معالم أخرى، منها مبنى جامعة الدول العربية وقصر النيل والجامعة الأميركية التي أنشأها المصريون مصرية، وانتهى بها المطاف أميركية..!
جلست المذيعة تتحدث إلى امرأة سبعينية استوطنت الشقة ببلكونتها المطلة منذ نعومة أظفارها، لتعيش أحداث مصر من على كرسيها، وتشاهد بعينيها من صندوق دنيا ونقل مباشر عبر هذا الميدان على مر السنين، فقد عايشت ونظرت إلى ولادة ثورة يوليو 1952 عندما احتشدت في هذه الساحة أول مظاهرة مليونية مطالبة بجلاء القوات البريطانية، فتطورت الأحداث في ما بعد، إلى أن ركب ضباط ناصر دباباتهم وقلبوا نظام الملك.
تقول السيدة إنها عايشت أيضا حريق القاهرة الشهير الذي التهم العديد من المباني التاريخية في بداية الخمسينيات، منها فندق شبرد القديم، الذي طالته أيادي التجديد بلا فائدة، وقد كنت أنا أيضا شاهدا على ضخامة هذا الصرح العتيق، فقد قطنته في أحد أيام سياحتي، فكانت نزهة مطعّمة بحضارة مكان.
تكمل السيدة العجوز مشوارها مع تلك البلكونة فتقول إنها لا تنسى أيام العدوان، وكيف انقلب الميدان مكانا لتجمع المصريين الذين يتسابقون للتطوع ووهب دمائهم في سبيل الدفاع عن وطنهم، وتعرج بالحديث إلى جنازة عبدالناصر والأربعة ملايين مشيّع، وكيف غطّت أجسامهم أرض منتصف القاهرة في مسيرة حاشدة لتشييع جسد.. شخص واحد.
أسهبت السيدة بالحديث عن جنازات مشاهير فن مصر الذين مرّوا تحت أقدامها فبكت عليهم الدنيا وأمهم مصر، منهم كوكب الشرق وفريد الأطرش والعندليب الأسمر وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
تحدثت عن ثورة الخبز ضد السادات في منتصف السبعينيات، بعد أن وصل التقشف الساداتي إلى رغيف عيش المصريين، ثم توقف نبض الكلام السردي بموسيقى ثائرة في إشارة إلى ثورة 25 يناير التي نزعت المُلك من رئيس جمهورية استلقى على عرش المحروسة 30 عاما، ليقطفه مرسي في ما بعد ويجلس هو على الكرسي..!
تعليقات