مخاطباً نصرالله الذي يقف مع بشار :

زاوية الكتاب

أين أنت من الحسين الذي تدّعي نهجه بتمجيد الطغاة وتشجب الضحايا والمظلومين والمقهورين

كتب 8995 مشاهدات 0

حسن نصرالله

لا أنكر بأنني كنت بالأمس – كما هو حال الكثيرين – من أكثر المعجبين التائهين في نصر الله حبا وإعجابا وإيمانا وشوقا. ولا أبالغ في القول أن السوريين – كما هم الملايين من العرب والمسلمين – كانوا يبتهجون ويفرحون ويهللون عندما يذكر حسن نصر الله … كانوا يكبرون فرحا عندما كان نصر الله يشرق على شاشات التلفزيون بخطبه النارية المضادة لإسرائيل… لا بل كنا نقول لأنفسنا عندما يطل السيد على شاشات التلفزيون: لو قيض الله لهذه الأمة رجالا مثلك يا نصر الله لكانت أمتنا من أعظم الأمم …
 
لم أكن من قبل – كما هو حال الكثيرين – أقبل فيك نقدا أو لومة لائم، بل كنا ربما لا نبالغ إذ كنا نضع شخصك الكريم فوق قيم النقض والنقد إيمانا منا بأنك الرجل الأكثر صدقا وشجاعة وصبرا وحكمة وإيمانا برسالة الأمة الثورية بين كل أبناء الأمة.
 
 كنا نرى فيك صورة علي والحسين وأبا ذر في ثورتهم على الظلم والقهر والعدوان … نرى فيك رمزا لنضال المظلومين والمضطهدين والمسحوقين … فما بالك يا سيد المقاومة تقلب ظهر المجن وتتنكر لكل المبادئ والقيم التي علمتنا إياها في مسيرة نضالك التاريخي .
 
كم هو مذهل يا سيد الثوار أن ينقلب الثائر ضد الثورة … وكم هم محزن أن يقلب الثائر للثورة ظهر المجن …لا بل كم هو مأساوي أن ينقلب العاقل الحكيم على الحكمة والعقل …
 
أن يقف سيد الثوار ضد الثورة في سوريا مفارقة كبرى في دنيا المفارقات … أن تغيب الحكمة عن نصر الله الحكيم أمر في غاية الغرابة في دنيا العجائب… أمر مذهل أن يفوّت نصر الله العاقل الحكيم فرصته التاريخية في أن يعمق إيمان الإنسان العربي بحكمته وثورته وإيمانه بالأرض والإنسان! فهل يعقل أن يقف الثائر الحكيم نصر الله سيد المقاومة ضد الثورة؟ وهل يقع في عقل الحكيم أن يقف نصر الله موقفا ينتصر فيها للطغاة والظالمين ضد المظلومين والمقهورين؟
 
 لماذا وقفت يا سيد المقاومة وتقف اليوم ضد الثورة والثوار هؤلاء الذين يدافعون عن كرامتهم ويضحون من أجل حريتهم وإنسانيتهم؟ لماذا تدبج الخطب والكلمات الثورية النارية اليوم ضد طلاب الحرية والكرامة …ضد هؤلاء الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل وطنهم وحريتهم؟ فأين أنت اليوم من الأمس عندما كنت رمزا للثورة والحق والحكمة يا سيد المقاومة؟
 
هؤلاء الناس الذين يسقطون في سوريا اليوم هم هؤلاء الذين كانوا يرفعون بالأمس أياديهم إلى السماء يبتهلون لله أن يحمي نصر الله وأن يأخذ بيده إلى النصر ! هؤلاء الذين يقضون دفاعا عن حريتهم اليوم هم هؤلاء الذين كانوا يرفلون حبا بسيد المقاومة وتخفق قلوبهم خوفا على المقاومة وسيدها في جنوب لبنان ! هم الذين زرفوا الدمع حزنا على شهداء المقاومة ! فتحوا بيوتهم وصدورهم للمقاومين من لبنان وأهل المقاومة في الجنوب ! هؤلاء الذين يموتون اليوم تحت قصف المدافع هم الذين بذلوا حبهم المطلق لك وللمقاومة في الجنوب ! أما كان هؤلاء يستحقون منك كلمة عزاء … كلمة رثاء … شعور بالألم … كلمة حق …كما فعلت لقادة خلية الأزمة الذين رثيتهم بأجمل العبارات وأصدق المشاعر .. وكلنا يعلم بأنهم لم يبذلوا شيئا للمقاومة ولم يطلقوا نارا يوما ما على جبهات القتال والنضال.
 
لك يا سيد المقاومة أن تحزن كثيرا على قادة الجيش الذي أحببته على هؤلاء الذين كان لهم باع طويل في قمع الثورة … ولكن ما الذي منعك أيضا أن تحزن على المقتولين والمجروحين والمهجرين والمحرومين والمعذبين والثكالى واللاجئين من أبناء سوريا؟!
 
بعد الاستماع إلى خطابك في الأمس الذي تندب فيه من تندب وتشجب من تشجب أصبت بالصدمة وخيبة الأمل الكبرى… ولم تكن هي حالي بل هي حال الأمة العربية برمتها…. صعقتني كلماتك التي تمجد فيها الطغاة وتشجب فيها المظلومين المقهورين وتكيل التهم للمعذبين المقهورين يا ابن الحسين سيد الشهداء والأبرار.
 
عندما سمعت خطابك العظيم هذه تدفقت أسئلة هائلة وضعتني في أجران الحزن والقهر .. أين هي هذه العقلانية التي عرفت بها يا سيد المقاومة؟ أين هو عطفك على جماهير الشعب السوري؟ أين هي حكمتك الكبرى؟ أين هو الذكاء الذي عرفت به؟ أين هو حبك لشعب سوريا العظيم ولشهداء ثورتها الأبرار؟
 
من يسقط اليوم في المعارك ضد نظام الاستبداد هم أبناء الشعب السوري يا سيد المقاومة ! وليسوا من يهود خيبر؟ إذا كان زملاؤك في السلاح (حماة الديار وحماة الحدود) قد سقطوا وفي سقوطهم انتصار لإسرائيل كما تقول … فهل خسرت إسرائيل بسقوط الشهداء من أبناء الثورة السورية أم ربحت؟ من هو المستفيد من سقوط شهداء المقاومة في سوريا أليست هي إسرائيل حكما؟ أو ليست المعادلة مقلوبة تماما يا سيد المقاومة؟ من يقاوم الظلم والاستبداد اليوم هو الذي سيقاوم ظلم إسرائيل واستبدادها في الغد؟ أليس في سقوط هؤلاء الشهداء من أبناء الثورة ربحا لإسرائيل وانتصارا لها؟ لأنهم من أبناء الشعب السوري ومن ثواره الذين يبحثون عن العزة والكرامة. فهل سقط النموذج يا أخوتي وضل صاحبنا الطريق فانتصر للطغاة ضد الفقراء والمسحوقين والثائرين.
 
سقط النموذج يا سيد المقاومة إذ خالفت عهد الحسين في موقفه من المظلومين والمقهورين؟ خالفت علي وأبا ذر وكل الصحابة والقديسين ! كم كنا نتمنى لك أن تكون في صفوف المقاومين المقهورين لا القاهرين، في صفوف المظلومين لا الظالمين، في صفوف المعذبين لا الجلادين.
 
أطفال سوريا يا سيد المقاومة بذلوا لك الحب وانتصروا لثورتك المجيدة … هؤلاء الشهداء المذبوحين كانوا بالأمس يلهجون بذكرك ويحيون انتصاراتك … هؤلاء الشهداء كانوا على استعداد أن يبذلوا دماءهم رخيصة في سبيل انتصارك وانتصار المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان … أفلم يكونوا يستحقون منك في خطابك كلمة عزاء أو رثاء يا سيد المقاومة؟ هل أدركت شعور مئات الآلاف من السوريين المقهورين والمعذبين عندما سمعوك تندب الطغاة وتشجب الثوار المقهورين المعذبين؟
 
ماذا ستقول يا سيد المقاومة لآباء الشهداء في سوريا؟ لذوي الأطفال المقتولين المقهورين المعذبين؟ ماذا تقول للمهجرين للثكالى واليتامى والأرامل والمشتتين في الأرض. أين أنت من الحسين الذي تزعم نهجه؟ أين أنت من علي أكرم الأكرمين؟ أين أنت من ثورة الحسين من سيد المعذبين والمقهورين؟ ماذا ستقول للأجيال القادمة من المقاومين والثائرين ؟
 
لماذا أسقطت صورتك المهيبة في عيون السوريين والعرب والمسلمين؟ لماذا لم تحافظ على حبهم لك وولائهم المطلق للمقاومة؟ لماذا لم تترك لنا صورتك الجميلة الرائعة في قلوبنا كصورة للرجل المقاوم الحكيم للرجل الذي يحمل مفاخر أمته وعزتها.
 
لا أخفيك يا سيد المقاومة بأنك خذلتني وخذلت الشرفاء والمقاومين والشهداء في امتنا على امتداد الأرض العربية الإسلامية. فالنظام زائل يا سيد المقاومة وكان لك أن تبقى في قلوبنا ومض محبة وثورة وكرامة أن تبقى هذه الصورة البهية الجميلة في أعين السوريين والعرب والمسلمين؟

الكاتب الأستاذ بجامعة الكويت من سوريا د.علي أسعد وطفة

كتب د. علي اسعد وطفة

تعليقات

اكتب تعليقك