البطالة تعمق الفجوة بين الحكومة والشباب في الجزائر بقلم بورزو داراجهاي
الاقتصاد الآنيوليو 14, 2012, 1:35 م 1031 مشاهدات 0
بالنسبة لعلي بودرا، البالغ من العمر 19 عاماً عاطل عن العمل، هذا هو ميدان التحرير: قطعة صغيرة من الخرسانة يغطيها عدد قليل من الأشجار. وهنا في بيتي بارك في وسط الجزائر العاصمة يمدد هو ورفاقه ويلعبون الأوراق ويدخنون السجائر الرخيصة ويشربون اليانسون حتى قبيل منتصف الليل، حين يرجعون متعبين إلى بيوتهم المكتظة.
قبل بضع سنوات، كان يحلم بأن يصبح موسيقياً، ولكنه تخلى عن هذا الحلم. واليوم بدأ يأخذ دروساً لتعلم الحاسوب بين الحين والآخر ويحلم الآن بمغادرة الجزائر من أجل حياة أفضل. شأنه شأن الكثير من الشباب الجزائري، واعترف هذا الرجل طويل القامة بأنه فقد الأمل في إيجاد حياة كريمة هنا.
'' ليس هناك أية وسائل'' على حد تعبيره. ''ليس لدينا أية فرص ولا يوجد شخص يهتم بنا''.
الأطفال الذين غمروا ميدان التحرير في القاهرة والشباب الذين قاموا بعمل مسيرات على طول شارع بورقيبة في تونس والمراهقون الذين لم ينم لهم سوى شعر قليل على ذقونهم حملوا السلاح ضد أكثر طغاة العالم قسوة في ليبيا، كما سلم ملك المغرب المزيد من السلطة لبرلمان منتخب بعد مرور أشهر من الاحتياجات التي قادها الشباب.
ولكن نظراءهم الجزائريين، على سبيل المقارنة، كانوا مجموعة سهلة الانقياد. فقد فعلوا القليل من أجل الاحتجاجات خلال الربيع العربي العام الماضي. وامتنعوا عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية خلال شهر آيار (مايو) التي وصفتها حكومة جبهة التحرير الوطنية التي يترأسها عبد العزيز بوتفليقة بالتاريخية. باستثناء شريحة النخبة، لم يقوموا بعمل أفلام أو موسيقى سرية مثل نظرائهم في المغرب أو إيران. في أعقاب الأزمة المالية لسنة 2008، وصل معدل البطالة بين الشباب مستويات مثيرة للقلق في جميع أنحاء العالم من بلاد جنوب أوروبا إلى جنوب إفريقيا والولايات المتحدة. في العالم العربي لا تعتبر مستويات البطالة بين الشباب جديدة، ولكن اندلاع الثورات الأخيرة أعطى لكثير من الشباب الأمل في التغيير.
هذا ما جعل ليأس الشباب الجزائري - حتى باعتراف المؤيدين المخلصين للنظام - مزيداً من الصدى، وهذا يوضح أن كيف أن الثروة النفطية وعدم وجود الديون والاستقرار النسبي قد لا يشفي الأمراض التي أثارت ثورات شمال إفريقيا العام الماضي.
طبقاً لبيانات جمعتها منظمة العمل الدولية في عام 2008، قدرت المعدلات الجزائرية بالنسبة لمشاركة الشباب في الاقتصاد بنحو 28 في المائة مقارنة بمعدلات تزيد عن 40 في المائة للمغرب وسورية وتركيا. كما أصدرت منظمة العمل الدولية دراسة في شهر أيار (مايو) تقول إن معدلات البطالة بين الشباب في شمال إفريقيا ارتفعت من 23.6 في المائة إلى 27.9 في المائة خلال العام الماضي.
وقال حكيم صاحب، المتحدث باسم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ''حزب سياسي معارض'': ''حتى لو كان شاباً لا يعمل وعمره يتراوح بين 30 أو 40 عاماً ولا يزال يعيش مع والديه لأنه لا يستطيع تحمل نفقات الزواج''. وأضاف: ''لماذا يغضب الشباب؟ لأن الجزائر غنية جداً والسكان فقراء جداً''.
يمكن للبعض أن ينحى باللوم على الحكومة، حيث تزيد الفجوة بين النخبة في النظام والشباب في البلاد يوماً بعد يوم. وتصل نسبة الشباب 75 في المائة من عدد السكان ولكن يقودهم زمرة من أبطال الحرب القديمة تزيد أعمارهم عن 70 عاماً. ''لا توجد وجهات نظر مستقبلية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية''. صرح صاحب: ''ليس هناك أبواب مفتوحة''.
تزداد المشكلات عمقاً، حيث إن معظمها تكمن في الإخفاقات الخاصة بالدولة التي فقدت الكثير من شريحة النخبة بعد انتهاء الاستعمار الفرنسي والتعرض لنكسات كبيرة خلال الحرب الأهلية في التسعينيات ضد الإسلاميين.
بدأت المشكلات بوضع نظام تعليمي يركز على التعلم القائم على التذكير والفكر السياسي والدين أكثر من المهارات الاجتماعية والعملية. تضخ الجامعات سنويا المزيد من الخريجين الذين تشربوا البيروقراطية الحكومية ليعملوا في بيئة بيروقراطية صرفة. تتناثر الملهيات، مع وجود القليل من برامج الشباب الرياضية والقليل من الترفية.
ويقول سمير تومي، رئيس شركة للتوظيف لدى الشركات: ''إن الجزائر عبارة عن مختبر المستقبل''. ويضيف معلقاً: ''هذا مثال لتمزق كلي بين الحكومة وشبابها، حيث أصيب الشباب الذين هم في العقد الثاني من أعمارهم بخيبة أمل، كما عمل السياسيون على تغييب عقولهم. والعمل الوحيد الذي يقومون به هو الانطواء على أنفسهم والعيش يوماً بيوم، فهم يعيشون بلا هدف''.
قلة قليلة – سواء أكانوا إسلاميين، أو اشتراكيين، أو ليبراليين - لديهم أفكار صادقة حول كيفية التغلب على أكبر تحد تواجهه البلاد: التغلب على شبكة المصالح الراسخة بغية إيجاد اقتصاد من شأنه إيجاد فرص عمل تؤدي إلى حياة ذات مغزى لكتلة الشباب.
واشتكى العديد من التحيز ومحاباة الأقارب عند التنافس على وظيفة جيدة. ''إن لم يكن لديك أية علاقات، فليس هناك حاجة حتى لشرف المحاولة في إيجاد وظيفة''، وفقاً لما قاله سيهم صالح، عاطل عمره 27 سنة حاصل على شهادة في مجال الصحافة، وأضاف: ''أرسلت رسائل إلكترونية، وأجريت اختبارات، كما أنني بحثت في الإعلانات، والآن ضاقت بي السبل ذرعاً''.
ولقد أطلقت الحكومة برنامجا تحت اسم (انسج)، حيث يمنح الشباب قروضاً صغيرة للبدء في مشاريعهم. فبكل المقاييس، فإن هذا المشروع فاشل، حيث نسبة قليلة في تسديد الديون وقلة في خلق فرص عمل. في حين البعض رفض استلام المال، بحجة أن هذا ينتهك ما حرمه الإسلام من فوائد القرض.
ومن جانبه عرض الحزب الحاكم أفكارا ليست بالكثيرة لإشراك الشباب، بعد مطالبتهم بالاحتفال بالانتفاضة ضد الفرنسيين، مع أنه على وشك إطلاق برنامج لمدة خمس سنوات بقيمة 268 ميار دولار ليزيد من سرعة الاقتصاد.
ويقول عيسى كاسا، المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني: ''إن الشباب الجزائري في حالة أكثر إلحاحاً وبركاناً عما عليه شباب آخرون''. ويضيف قائلاً: ''إنهم يعيشون في عالم غير واقعي. أخبرهم عن معاناة الجزائر مع كهرباء الريف ماذا يعني هذا بالنسبة لهم؟ فإنهم ينمون مع الإنترنت والأقمار الصناعية والفيسبوك، وتويتر''.
وعودة إلى منتزه بيتي بارك، حيث يلعب الشباب ألعاباً جديدة، حيث يقولون إن ''صربي!'' و ''دييل'' من الألعاب التي قد تستمر طوال اليوم.
وبالقرب من منتزه بيتي بارك تلعب مجموعة من الرجال كبار السن لعبة الدومينو. هل سيظل بودرا وأصدقاؤه هنا لـ30 عاماً؟ ''لا استحالة'' أصر قائلاً، ''بل نحن لدينا طموحات''.
تونس تأمل جذب المزيد
من المواهب إلى العمل
في تونس، محل ميلاد الربيع العربي، تأمل مجموعة من الاقتصاديين وصانعي السياسة في توسيع برنامج من شأنه يساعد الخريجين الجدد الموهوبين في اقتحام الأسواق.
البطالة العالية بين الشباب في تونس، حيث تقارب من 30 في المائة في عام 2010، كانت هي المساهم الأكبر في الانتفاضة. ومع بقاء العديد من الشباب بدون عمل، يسارع الاقتصاديون في توسيع نطاق البرنامج، الذي يطلق عليه اسم بدء المرحلة من أجل الحياة المهنية. يكمل هذا البرنامج النقص في مرتبات عشرات الآلاف من حديثي التخرج من الجامعة وذلك بمبلغ يصل 250 دينارا تونسيا شهرياً لمدة عامين للعمل في شركات القطاع الخاص.
ولقد نجح المشروع، الذي بدأ في عهد نظام زين الدين بن علي قبل الإطاحة به، في جذب الشباب إلى سوق العمل بالالتفاف على محاباة الأقارب والروتين الذي يتميز به اقتصاد شمال إفريقيا.
''يستفيد الطلاب من هذا المشروع إلى حد كبير، حيث إنهم يحصلون على الفرصة في المشاركة في بيئة عمل والتعلم وكذلك يتقاضون مبلغاً صغيراً في المقابل,'' حسب ما يقوله مونجي بوغزالة، مختص اقتصادي تونسي.
ويشتكي البعض بأن هذا البرنامج لا يقدم فرص عمل كافية إلى حد كبير للشباب الذين ليس لديهم عمل والذي يقدر عددهم بنحو نصف مليون شاب. حيث لا يستفيد من البرنامج سوى 60 ألف طالب سنوياً. ومعظمهم من التلاميذ المتفوقين الذين قد يجدون عملاً في أي مكان. وعقب ثورة العام الماضي، كانت هناك مباحثات عدة لتعزيز البرنامج، ولكن لم يحدث حتى الآن شيء يذكر، وفقاً لما يقوله الأستاذ الجامعي بوغزالة.
ويضيف بوغزالة قائلاً: ''هناك كلام أكثر من الأفعال، حتى بعد إسقاط النظام القديم''
تعليقات