الترف والاضمحلال يتجاوران في مدينة أولمبياد 2012 بقلم فيليب ستيفنز

الاقتصاد الآن

843 مشاهدات 0


لندن تجهز نفسها للعب دور مضيف العالم. وأولئك الذين سينظرون إلى ما وراء المشهد الرياضي والسيرك التجاري في أولمبياد 2012 سيقابلون مدينة ترفع مرآة للعولمة. تقدم لندن الثروات، والطاقة، والتنوع، والأوساخ، والفقر، وأعمال الشغب التي يكثر حدوثها في بعض الأحيان.

 

وتبشر الألعاب بالتعبير بطريقة أقوى عما تفعله العاصمة البريطانية طوال الوقت؛ فهي تكسِب ما يعيلها بتوفير ساحة للآخرين، مقابل سعر، لعرض مواهبهم وإنفاق نقودهم.

 

كان سيكون جيدا لو فاز أندي موراي في ويمبلدون، لكن ليس من المهم في الحقيقة ألا يفوز لاعب بريطاني بلقب فردي الرجال في نادي 'كل إنجلترا' منذ فوز فريد بيري عام 1936. فلا تزال ويمبلدون هي الأفضل، فهي مناسبة خصبة بشكل غني كالعشب في الملعب الرئيسي. ففي أي مكان آخر ستلقي الزوجة اللامعة لملك مقبل نظرة من 'الصندوق الملكي'؟

 

والأمر لا يدور فقط حول ويمبلدون، فوراء كرات الصيف في الساحات التي تنتشر فيها أوراق الشجر، يمتد الموسم في لندن إلى العرض الأوبرالي في جلندبورن، والسباق في أسكوت، وسباق القوارب في هينلي. نعم قد يكون من الصعب التنبؤ بالطقس، لكن هناك التسوق وحياة الليل الوافرة للعرب الأثرياء الذين هربوا من الحرارة الحارقة في الشرق الأوسط.

 

ولندن ليست فقط للهو، فبعد ويمبلدون تحول الانتباه إلى ساحة أخرى، حيث تشهد ساحة المحكمة العليا معركة قانونية ثمينة بين أوليج دريباسكا ومايكل شيرني. فالاثنين كونا ثروة أثناء التباري في الخصخصة في الغرب المتوحش بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وسمعنا حكايات متوهجة عن الجريمة المنظمة والابتزاز، فشيرني يقول إن دريباسكا مدين له بمئات الملايين من الدولارات.

 

وشهد العام الماضي معركة ملكية بين البارونين الروسيين، بوريس بيريزوفوسكي ورومان إبراموفيتش، ومن المقرر صدور الحكم في أي يوم. وأصبح القانون أحد أعمال التصدير، حيث تأتي الآن نسبة إضافية تقدر بـ60 في المائة من مجمل القضايا في الشعبة التجارية في المحكمة العليا من روسيا وأوروبا الشرقية. ولم يكن أبدا محامو لندن أكثر انشغالا، أو أكثر ثراء من الآن.

 

وهنا توجد مفارقة. فواحدة من نقاط الجذب الرئيسية في المدينة هي كونها مكانا يستطيع فيه الوافدون ترك ماضيهم المتقلب وراءهم. حيث يمهد مستشارو العلاقات العامة المكلِفين ومحامو التشهير الذين قد يكونوا مكلفين أكثر، الطريق نحو تأسيس الاحترام. وبالرغم من ذلك، فإن لندن أيضا مكان، حيث يتأكد قراصنة العولمة من وجود مجال عادل للمنافسة. فالقضاة نادرا ـ إذا حدث ذلك ـ ما يتم رشوتهم، والمتقاضون يعلمون أنه مهما فعلوا في فترة مبكرة من حياتهم، فإن في لندن يسود حكم القانون.

 

والمدينة، التي تعتبر مأوى للصفوة في المجال المالي على المستوى العالمي، فقدت الكثير من بريقها. فالفضيحة الأخيرة التي دارت حول الاستغلال الفاسد لأسعار الفائدة في بنك باركليز، أحيت ذكريات غير مريحة لأعوام 'لائحة اللمسة الخفيفة'.

 

وقد يكون بوب دايموند، الرئيس التنفيذي السابق، الذي ولد في الولايات المتحدة في طريقه الآن إلى وطنه. لكن الأبراج المتلألئة لكناري وورف - التي تقع فقط على مرمى حجر من الساحة الأولمبية - لا تزال مكتظة بالناقلين، والتجار، وصغار المتعاملين ممن يحدثون الطنين المالي، الذين جاؤوا من كل مكان في العالم. ومنذ زمن بعيد، وضعت مكافآت الحي المالي وأسعار العقارات المرتفعة المستوطنات السكنية الأنيقة في لندن بعيدا عن متناول أولئك الذين يوصفون فقط بأنهم سكان لندن.

 

وشهدت حالة التقشف لندن وهي تحت سيطرة نوبات من الغضب لأسباب أخلاقية موجهة نحو السياسيين، والصحافيين، جنبا إلى جنب مع المصرفيين. ومع ذلك، بالنسبة للوافدين تعمل لندن كسياسة 'لا تسأل، لا تقول'. ومؤسسة كوتس التي تظهر نفسها بمظهر المصرفي أمام الملكة، تم ضبطها أخيرا وهي غير قادرة على إدارة قواعد غسل الأموال. وهذه كانت مخالفة صغيرة. والمدينة غارقة في ثروات تابعة لأنظمة كريهة ومؤسسات أجنبية مشكوك فيها.

 

ويجلس الترف الخاص إلى جانب الاضمحلال العام. فبعد عقود من ضعف الاستثمار، تداعت البنية التحتية بشكل سيئ. والمسافرون بنظام السكك الحديدية الموجود تحت الأرض، الذي تم تشييده في القرن التاسع عشر، يُقدم لهم في الحاضر إنذارا مدهشا تم تسجيله مسبقا بواسطة بوريس جونسون. فالقطارات، باعتراف عمدة لندن، قد تكون غير قادرة على تحمل إجهاد الأولمبياد.

 

والسيد جونسون غريب الأطوار، الذي يتوق إلى أن يحل محل زميله المحافظ، ديفيد كاميرون، في داونينج ستريت، ربما كان قد بدأ العمل على نهر التايمز الذي تشتد الحاجة إليه والذي يمر بشرق العاصمة. وبدلا من ذلك، قام بتعليق عربات يجرها حبل غليظ بآلة مثبتة في مكان لتحمل زائري الأولمبياد عبر النهر. ويسمي سائقو التاكسي هذا بـ'رحلة أرض المعارض' الخاصة بالعمدة.

 

وكما يعلم أي شخص عانى أهوال هيثرو، فإن لندن تفتقر إلى وجود محور لائق بالمطار. فالحكومة لا تستطيع حتى إدارة طابور الهجرة، حيث الفترات الطويلة، التي تستمر لمدة ساعتين من أجل التحقق الروتيني من جوازات السفر. والطريق السريع الرئيسي من هيثرو إلى قلب المدينة مغلق بسبب أعمال صيانة الطرق.

 

ويتعهد كاميرون بـ'بسط السجادة الحمراء' من أجل المواطنيين الفرنسيين الأثرياء الذين يهربون من معدلات الضريبة العقابية لإدارة فرنسوا هولاند. وعلى الرغم من ذلك، تعهد رئيس الوزراء أيضا بحملة لفرض النظام على العدد الإجمالي للمهاجرين الوافدين لبريطانيا، حيث سيتم منع العمال والطلاب الأكثر فقرا من الدخول. ومسؤولو كاميرون أنفسهم يلاحظون بامتعاض، أنه صرح بأن العاصمة منفتحة على عالم الأعمال، لكنها مغلقة أمام (الجميع عدا الأغنياء) من الأجانب.

 

ويوجد الكثير لتحبه في لندن، خاصة بالنسبة لأولئك الذين كانوا محظوظين بما فيه الكفاية ليكونوا قد ولدوا هنا. فهناك صخب التعددية الثقافية (نحو ثلث المقيمين فيها ولدوا في الخارج)، والمتنزهات، والإرث المجيد لتاريخ قد يكون في بعض الأحيان مشينا، وصالات العرض والبقية. وأستطيع أن أضيف المنظر من مكتبي عبر الحركة المكتسحة لنهر التايمز وصولا إلى القبة المهيبة لكاتدرائية سانت بول.

 

لكن الصورة المعكوسة في المرآة أيضا تذكرنا إلى أي مدى كان توزيع غنيمة العولمة غير عادل، فالمجمعات السكنية المبتذلة بإسراف، الجاثمة بجانب نهر التايمز تُنظف وتُقدم الخدمات فيها بواسطة عاملين محاصرين بالفقر الكئيب الذي تسبب فيه الحد الأدنى للأجور.

 

فالمدن الدول، مثل لندن - المرتبطة ببعضها بشكل وثيق والمنعزلة بشكل متزايد عن المناطق الداخلية في البلاد - دائما ما يتم اعتبارها مدن المستقبل. لكن العولمة تعتمد على بناء معماري سياسي توفره الدول التي يوجد فيها شعب متوافق. والشيء نفسه ينطبق على المدن الكبرى.

 

 

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك